المتابع لتصريحات ولد عبدالعزيز يلاحظ مدى الإرتباك في هذه الحملة الأحادية، التهجم على غرفة برلمانية عريقة، مجلس الشيوخ، وبسبب بسيط، أنهم لم يوافقوا على حلَهم و إجازة التغييرات الدستورية التعسفية.
لاشك ان الجنرال محمد ولد عبد العزيز كان حاذقا وذكي جيدا حينما استخدم شعارات براقة ورنانة طالما لهف المواطن الموريتاني الى ان يراها واقعا معاش ، وبالتالي أستطاع بذلك كسب ود الناخب الفقير ، الفقير المنخدع بالسراب السائر آنذاك خلف وعد أطلقه الجنرال من مقاطعة عرفات
بأن يحقق له ماعجز عنه الأوائل ممن سبقوه وبأن يجعل من موريتانيا القديمة دبي اخرى وعاصمة للصحراء ثانية
ينعقد إجماع قادة الإخوان وساستهم في هذه الآونة على عدم مشروعية تعديل الدستور من وجهة النظر القانونية والمنطقية، حسب اجتهاداتهم. والغريب أن هذا الإجماع لا يندرج في سياق موقف تتبناه الحركة مع أو ضد تعديل الدستور (وهو حق مكفول لهم)، بل يتجاوز ذالك ليأخذ شكل حكم جازم بعدم جواز المساس بوثيقة الدستور. وهذا السلوك الإستثنائي ـ حتى لا أقول الشاذ ـ يطبع مواقفهم عادة من القضايا المطروحة للنقاش والتصويت.
قد لا يدرك الكثير من متابعي الشأن العام حجم المعاناة التي يعيشها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في أيامه هذه، ومن المؤكد بأن مؤشر معاناته سيظل في ارتفاع مستمر كلما اقترب عداد الزمن من منتصف العام 2019، فالرجل يعلم بأنه لا يستطيع البقاء في السلطة من بعد اكتمال مأموريته الثانية، ويعلم أيضا بأنه لا يستطيع أن يغادرها بسبب ملفات الفساد وبسبب ما صنع من عداوات وخصومات خلال فترة حكمه.
بما أنك أغتصبت السلطة ووأدت ديمقراطيتنا الوليدة، وبما أنك أتيت على الأخضر واليابس فى هذا البلد المغتصب، وبما أنك نهبت خيراته وفقرت شعبه، وبما أنك دخلت بهرم الدولة وواجهتها فى مسلسل من الفضائح يندى له الجبين وتقشعر منه الأبدان، وبما أنك فككت وحدتنا الوطنية، وبما أنك أعدت عقارب الساعة بهذا البلد إلى مربع القبلية والجهل والمحسوبية والرشوة والمبادرات والشعارات الزائفة.
ياسيادة الجنرال!!
يبدو جليا، و من خلال نظرة تأمل بسيطة، أن للنظام والسائرين في فلكه من الموالاة مآرب أخرى من الاستفتاء على تعديلات دستورية ، قد تكون على قدر من الأهمية الوطنية بالنسبة لهم ، لكنها لن تكون أبدا على نفس القدر من الإلحاح، بحيث تصبح أولوية على الأولويات كالتعليم و الصحة والمستوى المعيشي للسكان و و و، الخ، إلا إذا كان وراء هذ الإلحاح هدف أسمى حتى من التعديلات نفسها.
لم يستطع الرئيس عزيز في خرجاته الإعلامية الأخيرة، أن يستقرئ اللحظة التاريخية للخروج من الباب الواسع كرجل حكم البلاد فترة من الزمن وسيبقى له ما له وعليه ما عليه، بل فضل ببساطة المجازفة والتهرب.. من خلال التلاعب بالألفاظ والاستثمار في المجهول.
حين يغيب مفهوم الوطن الكبير خلف أفق النفاق تضيق دائرة الآمال لدى المواطن البسيط و الأدهى من ذلك و الأمر حين يتم تصديق الشعارات البراقة و الخطبة الرنانة من طرف قمة الهرم.