محمدو بن البار
كلمة الإصلاح هذه المرة أرادت أن تـنـفـذ أمرا أمرها به الإسلام عن طريق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم والذي صاغه النبي صلى الله عليه وسلم صياغة طبقا لأحاديثه صلى الله عليه وسلم التي يتجلي فيها بلاغ العبارة اللغوية طبقا لهذه اللغة العربية التي اختيرت أن تكون وعاءا لهذا الدين بشقيه الوحي المنزل من عند الله وخطاب من لا ينطق عن الهوى،كما يتجلى فيه الاختصار مع استقصاء المعنى : فهو هنا يقول الدين النصيحة .
فهذه العبارة القصيرة جاء فيها ضمنيا الأمر بالنصيحة لأنها حصرت الدين في القيام بالنصيحة وذلك بتعريف المسند والمسند إليه أي بحصر المسند وهو الدين في المسند إليه وهو النصيحة ، كما أن اللفظ جاء بأل : العمومية التي لابد من تفسير عمومها ، وقد نطق بها بين أصحابه ليكون ذلك سبـبا لتفسيره لذلك العموم .
وعندما سأله بعض أصحابه بكلمة " من" التي هي للعموم فسر هو ذلك العموم بقوله: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وقد جاء هذا التفسير "لمن" رغم تعدد أفراده وهو يخرج من مشكاة واحدة بمعنى أنه النصح لله ولكل المذكورين بعده هو شيء مأمور به في الإسلام مأجور على فعله معاقب على تركه،وهذا يدل عليه تفسير مفردات الكلمات .
وعليه فإن هذه الكلمة احتسبها أداءا لفحوى هذا الحديث أرجو ثوابها وثواب من عمل بها وإلا فأرجو أداءها والخلو من عهدة ذلك الأداء .
ومن هنا ربما يقول قائل أن جميع المسلمين الآن العاملين بما يسمى الديمقراطية لا يعنيهم الحديث بطلب النصح لهم ، لأن النصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم يعني النصح لهم في نطاق الطريق المستقيم التي طلب الإسلام سلوكها ، وتـلك الطريق ليس فيها موالاة على نمط الديمقراطية وهي الموالاة العمياء مثـل موالاة الجندي الذي يظن أن الإسلام لا يتـدخل بـينه وبـين أوامر رئيسه بمعنى نفذ ولا تسأل وكذلك فإن الرئيس المسلم في الديمقراطية يأذن في وجود معارضة ولها في شريعة الديمقراطية أن تـقول ما تشاء وبالمقابل للرئيس الحق(وهنا ديمقراطية العالم الثالث) في أن يحد من حقوق هذه المعارضة في الدولة بمعنى حق التوظيف عن طريق المسابقات وحق تـنمية الثروة في النشاط التجاري في البلاد ، وإن كان رفض هذا الحق غير مقـنن في المساطر القانونية ـ فإنه مقـنن ومكتوب في قـلوب الموالاة التي تـتـولى جميع إدارة مرافق الدولة من عند الوزير إلى الإدارات إلى رؤساء المصالح الخ آخره.
فالجميع يعيش وفي فكره أن من كان من الموالاة فعليه أن لا تأتي المعارضة وتدخل الدولة من جهته هذه هي عقيدته، ويمكن أن يقول شخص أن هذا مبالغ فيه ولكن وجود قضايا ثابتة ومشهورة تـثـبت لهم القاعدة ـ فكم من إطار موظف وظيفته سامية أزيح من منصبه نتيجة انـتسابه للمعارضة ولو لم تصدر منه معارضة بخصوص نفسه وكم من صاحب ثروة تـقلصت ثروته أو قل نشاطه نتيجة عدم موالاته أو أضطر للدخول في الموالاة خوفا على ثروته .
ولكن في المقابل ــ كما هو اصطلاح الاتجاه المعاكس ـ هل هذه المعارضة وضعت نفسها على الطريق المستـقيم الذي جعل للمعارضة أصلا في الإسلام وهو أن الشيخين النموذجين في القيادة العادلة للمسلمين واللذين هما أول من خلف الرسول صلى الله عليه وسلم في قيادة المسلمين وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالاقـتـداء بسنـتـهما وهي طريق اجتهادهما في الحكم بين المسلمين .
هذان القائدان كل واحد منهما أمر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر طلب والتماس أن يعينوه أولا ويسددوه في أخطائه حتى قال أحد الصحابة لعمر والله إذا رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا فحمد الله عمر على تـلك الروح الإسلامية الصلبة في نطاق الإسلام .
وبعد استعراض هذه الحياة الدنيوية الديمقراطية وسلوك المسلمين على نمطهاـ نطرح هذا السؤال ليجيب عليه المسلمون وهو : هل المسلمون لا يزالون يعـتـقدون في جنب حياتهم هذه الدنيوية مازالوا يؤمنون بأن كل ما جاء في القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم سيقع في زمنه المحدد له من طرف النصوص الإسلامية القرآنية أو السنة : فمثلا هل مازال المسلم يعتـقد أن كل ما تحرك به لسانه سوف يكتب عليه ويحاسب بمقـتضاه إن خيرا فخير وإن شرا فشر وكذلك الأفعال .
وهل مازال قوله تعالى((ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)) مازال فحواها ينـتـظره المسلم يوم القيامة أو تـلك النصوص كلها كان عندها تاريخ محدد ينـتـهي فيه المؤاخذة بها إلى آخر كل أوامر الشرع ونواهيه العامة في المسؤولية العامة أو الخاصة مع فعـل كل مسلم على حدة ، مع عدم رفع القرآن وأوامره عن الدنيا .
وما نـتيـقـنه نحن الآن أن فحوى تـلك الأوامر الشرعية مازال واقعا وسيقع كرؤيتـنا مباشرة الآن لكل ما ذكره المولى عز وجل من أطوار خلق الإنسان وحدود تمتع الإنسان بهذه الحياة الدنيا ثم الموت بعد ذلك مهما كان مركزه فيها إلى آخره .
فمازلنا نشاهد كما هو فحوى قوله تعالى (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفو في قرار مكين)) إلى قوله تعالى ((ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون))
فتيقـنا لهذه الموت التي نشاهد كل ساعة هو تيـقـنـنا لقوله تعالى بعد ذلك ((ثم إنكم يوم القيامة تبعثون)) كما أن تيـقـنـنا لفحوى قوله تعالى((الله الذي خـلقكم من ضعف ثم جعل من ضعف قوة)) إلى قوله تعالى ((وشيبة يخلق ما يشاء)) مثـل تـيقـننا لقوله تعالى(( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)) إلى آخر الآية .
وملخص هذه الأسطر الماضية هو أن نصيحتي لجميع المسلمين وعامتهم أنـنا مهما ابتدعنا في حياتنا من نشاط ـ فإن مآلنا فيه إلى ما سطره لنا المولى عز وجل في كتابه العزيز وبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن تبـيـين كما قال تعالى(( يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) إلى قوله تعالى (( إن ربه كان به بصيرا )) .
أما نصيحتي للسيد الرئيس التي هي عنوان هذا المقال والتي مبناها الأمر النبوي لجميع المسلمين بأن ينصحوا أئمة المسلمين فإني أقول له أنه مادام ولله الحمد يعد نفسه ممن آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبـيا ورسولا وذلك يقـتـضى بالإيمان بأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها ـ فإن من كانت هذه عقيدته وأعطاه الله من نعم الدنيا ما أعطاه من المكانة الرفيعة في الدنيا فإنه في نفس الوقـت جعله الله لا ينـقذه من ورطة هذا المتاع إلا بفهم سليمان عليه السلام لهذا المتاع عندما مكن الله له في الدنيا وخدمته الإنس والجن على حد سواء فعندما رأى عرش ملكة سبأ موضوعا بين يديه قبـل أن يرتد إليه طرفه قال (( هذا من فضل ربي ليـبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم )) فالله يقول لنبـيه صلى الله عليه وسلم (( قل متاع الدنيا قـليل والآخرة خير لمن اتـقى ولا تظلمون فـتـيلا )) .
السيد / الرئيس أنـتـم الآن في هذه السنوات العشـر التي قضيتم يستحيل أن تجد فيها راحة أو تـنعما إلا ما حصدتم من قـبل ـ فإن الرئاسة هي قمة راحة أهل الدنيا وتـنعمهم نفسيا ـ أما بدنيا فلا ترجي فيه راحة لمن جعل الدنيا هي وجهة نظره وانغمس فيها انغماس الغريق في البحر .
ونظرا إلى أن المسلم يدرك أن لا راحة إلا بعد النجاة من المساءلة عن جميع خطوات الدنيا : ما هو القصد منها وما هي النية المصاحبة لذلك ؟ إلى آخر" س" ممن لا تخفى عليه خافية و"ج" من طرف من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ـ فإن نصيحتي لسيادتـكم وأنتم القادرون على تغـيـير خط سير الحياة في الدولة من جهة شرقها إلى غربها في ساعات معدودات أن تأمر بالقضاء فورا على هذه الثنائية المستحدثة المخالفة جهارا نهارا لأوامر الله ألا وهي الموالاة والمعارضة أو على الأقـل ما في نفوسهم من السلوك المخالف لأوامر الله ، وقـبل انتخاب المجالس الجهوية تـنـتخب لجنة واحدة من أطر الموريتانيين يتحقق فيهم وصف المولى عز وجل للرجال الصالحين للدنيا والآخرة (( رجال لا تـلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)) بمعنى رجال أكفاء من جميع الجهات العلمية والخلقية والدينية وتتوسع في هذه اللجنة حتى تعين منها حكومة تشمل أقرب الموالاة وأبعد المعارضة قديما ويعين منها نوابا عن كل مقاطعة بالانـتخاب ولكن بالتزكية العلمية والكفاءة الخلقية والدينية وتصبح هذه الأمة المسلمة بهذا التوجه الذي لا يعرف موالاة ولا معارضة هو المستشار للرئيس لأن القدوم على الله الذي لابد من القدوم عليه والمسلم مازال متمسكا بهذه الثنائية المفتراة على الإسلام خطيرة على المستـقبل الذي لا نهاية له .
أما من جهة المعاملة من الخارج فإن عليك السيد الرئيس أن لا تـتجاهل أوامر الإسلام في التعامل بالسياسة والتضامن مع مجرمي أهل الدنيا الذين لا يرجون لقاء الله فقول موسى عليه السلام ((رب بما أنعمت علي فـلن أكون ظهيرا للمجرمين )) على كل رئيس أن يلبس ثوب هذه العبارة ويبتعد عن مجرمي أهل الدنيا كما قال تعالى (( ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتـني اتخذت مع الرسول سبـيلا ياويلـتي لم اتخـذ فلانا خـليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )) .
فإن استطعت السيد / الرئيس أن تقوم بهذا الانقلاب الإسلامي الأبيض على النفس وعلى نوع عمل الديمقراطية التي لا يذهب عملها إلى الآخرة إلا بالمساءلة الهالكة للمسلم فعليك السيد الرئيس أن تـتوجه هذه المرة حقيقة إلى ما ينفع الشعب نفعا مباشرا لا ما تـنـتـفع به الدولة ولا يستطيع الحصول عليه إلا الرجال المباشرين للعمل به .
فـلتعلمو السيد/ الرئيس أنه لاشك أنكم أنقذتـم الدولة والموريتانيين من السقوط في الحضيض عند مجيئكم ولكن نهضتم بها كجيش وكدولة متميزة محفوظة السيادة بين إقـليمها وعالمها إلا أن هذا الشعب الذي تـقول له كل يوم الإذاعة أنكم لم تـتـخلوا عنه وأنكم تعترفون بأنه انـتـخبكم لإزالة مأساتهم فإن رفع الواقع محال فأنـتم تخليتم عنهم فعلا ومأساتهم تزداد سوءا ، وتـكرار الإذاعة للعبارة دائما تؤذي قـلوب الفقراء،فالذي ينفع الشعب هو انخفاض الأسعار في جميع الاتجاه وأولها سعر النـقـل والمواد الضرورية ليدخل نفع ذلك لكل بـيت فقير لا يجد قوت يومه ، الشيء الذي لم ينـتـفع منه الشعب من يوم وصولكم للحكم إلى الآن والآن حكمكم وشيك الانـتهاء وفقا للديمقراطية الدستورية ولكن أنا أقول أن هذا الانـتهاء ليس واجبا في الإسلام ولو أوجبته الديمقراطية لأن أخطر ما فيه القسم على محدودية المأمورية والحديث الصحيح يأمر المسلم بأنه إذا حلف ووجد الخير في فعل ما حلف عليه فليكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير وانـتهى الخطر في الآخرة .
ولكن يشترط أن يكون الاتجاه نحو انـتـفاع الشعب من قيادتكم والشعب لا ينفعه إلا توفير القوت اليومي إلى آخر درجة مستطاعة في الدولة زيادة على تأمينه لحياته في ما بينه ولو بوضع عسكري أمام كل بيت والضرب بحدود الله فورا على أهل الإجرام وتوقيف أسباب هذا الإجرام وهو ميوع الحرية في الكلام الخبـيث المفرق للشعب .
فأنتم السيد الرئيس لم ينـتـفع أفراد هذا الشعب الفقير في زمنكم إلا بحوانيت الأمل التي لم تـشمل نسبة 3% من الفقراء لعدم عموميتها أصلا ولعدم مواءمتها لكثير من أسر الفقراء ، وما انتشار السؤال في الشوارع وفي المساجد والمكاتب بصفة أصبحت مزرية إلا مظهرا من مظاهر عدم انتفاع الفقراء من ثروة الشعب التي وفرتم كثيرا منها: ولكن من انـتـفع منها ؟
وملخص هذه النصيحة هو ما يلي :
ــ أولا : معرفة أن متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتـقى .
ـ ثانيا : لاشك أنكم أنتم شخصيا بعثـتم موريتانيا من جديد ولكن للدولة كدولة لا الشعب الفقير كشعب لا تأمينا من الخوف ولا إطعاما من الجوع .
ـ ثالثا : انتهاء مأمورية الديمقراطية ليست نظرية إسلامية إلا إذا كانت عجزا عن انـتـفاع الشعب انـتفاعا مباشرا بالقيادة كما هو واقع الآن ولكن لصعوبة وجود رجل يفري كفريكم لصالح الدولة فإذا استطعت أن تـتدارك ذلك بتوفير الأمن من الخوف والإطعام من الجوع للشعب فإن زيادة المأمورية يكون واجبا للقيام بما هو مطلوب للشعب وللسير من جديد على الطريق الإسلامي المستـقيم .
وأخيرا نرجو من الله أن يوفقكم كما وفق من اصطفاهم في الآخرة ومتعهم في الحياة الدنيا متاعا حسنا وتـلقتهم الملائكة في الآخرة بقولها (( سلام عليكم بما صبرتم فنعمى عقـبى الدار ))