مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

الدٌب قَام هل حقًا قَام؟

مريم اصوينع

 

يقال : " إن الدٌُب يكون في أخطر حالاته عندما يكون جريحاً". ان وسيا اليوم دبّ جريح يبدو أنه قام بعد تفككه عام 1991م،  و يقودها رئيس غاضب بشدة مما يرى من محاولات دول الغرب وأمريكا المستمرة في تصغير بلاده منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أمام عينيه الى اليوم.
عندما شاهدنا الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه الغاضب والذي كان يحمل عدة أمور من بينها الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المتمردين على كييف شيء له معناه.
  فرفضه في نفس الوقت تدخل الغرب في سياسة بلاده عن طريق رأس الحربة و الدولة المصطنعة أوكرانيا الذي يراه تدخلا في الأمن القومي لروسيا الاتحادية. 
لقد بث السيد بوتين في خطابه كثيرا من مشاعر الغبن والخجل داخله عن تاريخ بلاده السياسي والاقتصادي ولم يبدو راضيا عن تصرفات الغرب تجاه بلده لأنهم ببساطة لا يرغبون أن تكون روسيا دولة عظيمة ولا دولة صديقة.
لم يتوقف الرئيس بوتين هنا بل طال القيادات السوفيتية السابقة وعدد كبير من المسؤولين واعتبرهم ايضا مسؤولين عن وجود أوكرانيا كأداة للعبة سياسية.
 اكد هذا الغضب المنصب أن بوتين يريد روسيا قوية لها نفوذ كبير ودور معتبر فى الساحة الدولية،  و رفضه الشديد لتوسع الغرب بجواره، وهنا نتساءل هل على روسيا أن ترضي بنوايا  الغرب تجاهها ؟
على العالم أن يفهم، أن أزمة أوكرانيا يُأخذ منها عدة أمور؛ أولهما ستكون لا محالة سببا في تغيير موازين قوي العالم وهو أمر ليس بالسيء حسب رأي من جهة ومن جهة أخرى أن أمريكا ترى في هذه الأزمة تهديدا مباشرا لنفوذها حتى ولو داخل عقولنا ومكانتها الدولية لأنه ربما يبعث برسالة سلبية إلى خصوم آخرين كالعملاق الصيني مثلًا. 
أما القارة العجوز الفقيرة من الموارد الطبيعية ترى أن هذه الأزمة أيضا تهديدا كبيرا لسلمها واقتصادها وستخلق لها أزمة اللٌَاجئين التي تكرهها في العمق علما أنها عادة هي من يتسبب فيها. 
وهنا يأتي السؤال عن مدى تأثير الأزمة على العالم العربي ؟ فلا يفيد في نظري الصمت و لا الترقب.. فهي اختبار صعب لبعض الدول العربية سياسيا و اقتصاديا فمثلا روسيا وأوكرانيا تعتبران  سلة غذاء لأن بعض الدول العربية يعتمدون على استيراد ما يقارب من 40 إلى % 80 من القمح منهما .
 لذلك لا اتمني ان يصبحوا مثابة قطعة من لعبة دولية تتجاذبهم صراعات القوى الكبرى دون أخذ مكانة تليق بمجتمعاتنا العربية اقتصاديا وسياسيا فقد تعبنا من التبعية دون مراعاة المصالح فهي لعبة مصالح حسب البعض. لذلك الموقف المصري والسعودي والإماراتي الذين لم ينحازوا إلى حليفهم التقليدي وابدوا موقف نحو الروس لهو أمر مشجع يدل على انهم ادركوا مصالحهم وفهموا ما نتجت عنه تبعيتهم لأمريكا.
 تعودت أمريكا على سياسة القطب الأوحد، كانت ومازالت تطمح إلى الانفراد بقوة اقتصادية ،سياسية ،تكنولوجية و علمية حادة الملامح حتى ولو كانت مستفزة وسببا في هدم علاقاتها مع أي دولة من العالم. كانت أمريكا ولا تزال تمرر تدخلاتها في قضايا الدول بالقوة والهيمنة هذه أمريكا وتلك سياستها بلا منازع شعارها " التجارة والتميز بدلا من المساعدات لدعم جهود اصلاحها السياسي والاقتصادي الذي يخفي الرغبة في الهيمنة الإقتصادية".
ان روسيا الاتحادية عدو استراتيجي وقطب تهديد لأمريكا ومن وراءها العملاق الصيني و السياسة الخارجية الأميركية لابد أن تخدم مصالحها، لذلك فالدفاع عن أوكرانيا وضمها لحلف الناتو هدف أساسي وكأنه حصار جيو استراتيجي لروسيا. 
أرى أن أحد أسباب التنافس بين روسيا وأمريكا هو اصرار امريكا على سياسة القطب الأوحد. شيء آخر يمكن أن نضعه في الحسبان أن الثنائية القطبية تصبح ممكنة في عالم مقسم حسب الايديولوجيات، و الاشتراكية والراسمالية تعتبران من الماضي وأصبحت مكانها السياسة الواقعية الاقتصادية والتكنولوجيا.
ومن وجهة نظري من المستحيل انقسام العالم إلى قطبين بالطريقة التقليدية الماضية بل حسب قوة الاقتصاد والتطور التكنولوجي والعلمي والعسكري وهو شيء ترفضه أمريكا ببساطة تعتبر أن الهيمنة حقها الطبيعي. أما العملاق الصيني لا يظهر نوع من التشدد ويشير إلى فاعلية نموه الاقتصادي حتى ولو كان بوجود صراع خفي بينها وأمريكا. 
أما روسيا الاتحادية لا تروج للشيوعية بل تريد مكانة عظيمة وقوة و هي كذلك من وجهة نظري في هذا العالم.
 إذا ان النمو الاقتصادي الذي لا مفر منه بين هذه الدول سببه هو عدم التوافق السياسي وسينتهي  التنافس  القادم على الكتل.

يرى المفكرون أن التاريخ من صناعة العظماء لذلك نتساءل هل العظيم بوتين سيصنع تاريخا جديدا خال من هيمنة القطب الأوحد.
  من المعروف أيضا إن صيرورة الحركة لا بد لها من سالب وموجب حتى تتوازن الأمور.  
نؤكد أن الروس دولة عظمى متطورة علميا وعسكريا واقتصاديا شاءت أمريكا أم أبت ولم تعد على حافة الحفرة التي كانت عليها عند انهيار الاتحاد السوفيتي،  بل تمتلك أدوات علمية و اقتصادية وسياسية وعسكرية و رغبة في استخدامها للتأثير عالميا.
 فقد قامت اليوم  بتحسين قوتها الناعمة والخشنة أضف إلى هذا إدراكها الذاتي بتلك القوة وعلى أمريكا والغرب أن يُدخلوا في استراتيجياتهم الكبرى هذه الحقيقة الواضحة فالدٌُب قام ولم يعد في زمن التسعينات. 

اثنين, 21/03/2022 - 00:29