مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

الغيث القرآني المبارك

المختار بن آمين

 

الحمد لله ثم الحمد لله.
ها نحن نرى - بفضل الله وحده - غيثا قرآنيا اجتماعيا متدفقا، يرعاه مجتمعنا الموريتاني المؤمن، بفصائله المتنوعة، وتشكيلاته المتعددة؛ فلا تكاد تمر بشارع أو زقاق إلا وتفاجئك اللوحات الإرشادية الموجهة نحو محضرة كذا لتعليم القرآن، أو معهد كذا القرآني، وأصبحنا في المساجد نسمع القرآن متلوّاً مجودا غضا طريا كما أنزل، بالأصوات الجميلة المرتلة بمزامير آل داود.
ولقد تنوعت مواقع هذا الغيث القرآني المبارك فشمل الشباب والشيوخ، والصغار والكبار، والرجال والنساء، ومختلف الألوان والأعراق والألسن الوطنية، كما شمل المناطق التي ظلت محرومة من التعليم عقودا، فأصبحت ترى في القرية الرعوية الفُلاَنية أو في أدَباي الفُلاني 30 حافظا وحافظة، و20 مُجازاً ومُجازة يتصل سندهم بالقرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بل ترى المرأة المُسنّة ذاتَ الستين والسبعين من عمرها تجلس طالبة تحمل لوحها على عاتقها، تحفظ وتصحح وتجوِّد، منافسة في هذا الخير أبناءها وبناتها وحفدتَها، وربما كانت – مع ذلك – تضع أمامها إناء بضاعتها التي توفر لها ولأطفالها مؤنتهم اليومية.
ومن مظاهر هذا الغيث المبارك إحساس الزعامات الاجتماعية الريفية بأهميته وتحملهم التكاليف لرعايته وحمايته؛ فقد جاء أحد تجار السياسة – يوما ما – لزعيم محلي يطلب منه طرد أستاذ القرآن؛ معللا طلبه بدعوى قصد المعلم منافع شخصية من المجتمع، فكان جواب الزعيم التقليدي: ليكن قصد المعلم ما شاء، إن الذي يهمني هو 30 حزبا من القرآن حفظها ابني و20 حزبا حفظتها ابنتي، ولا يستطيع أحد نزع هذه الثروة القرآنية من صدريهما!
ومن مظاهر هذا الغيث المبارك استثمار رجال الأعمال في تعليم القرآن وتكفلهم بالمحاظر القرآنية، وخاصة في البيآت الأشد حاجة للتعليم، وهي ظاهرة جديدة في مجتمعنا الذي اعتاد أن يَستَدِرَّ عمل الخير من خارج الحدود.
ومن مظاهر هذا الغيث القرآني المبارك أنك لا تكاد تجد صاحب قرآن عاطلا عن العمل؛ فقل إمامٌ أو شيخ محضرة إلا وقد وضع المجتمعُ لديه عشرات الوصايا للبحث عن معلم قرآن كفء لمنزل فلان أو عائلة آل فلان أو قرية بني فلان.
ومن مظاهر هذا الغيث القرآني المبارك استعداد المجتمع – مهما بلغ فقره – لدفع أكبر الرواتب لمعلم القرآن؛ فلم يعد أستاذ القرآن ذلك المتسول المنبوذ الباحث عمَّن يضعه في غرفة ضيقة عند باب المنزل الفخم بمقابل زهيد، بل إن المجتمع أصبح يعطي أستاذ القرآن ضعف راتب أستاذ الفرنسية، وفوق راتب أستاذ الفيزياء والرياضيات؛ فقد استعد المجتمع لدفع راتب صاحب القرآن في العديد من القرى والأرياف بمبلغ 150000 أوقية قديمة، بل 200000 أوقية، وفي بعض الأحيان أكثر.
فلك الحمد ياربنا ومولانا أن أبقيتنا حتى حضرنا هذا الغيث القرآني المبارك وشاهدناه، ومُنَّ علينا بمزيد فضلك وتوفيقك يا أرحم الراحمين.

سبت, 29/01/2022 - 00:48