مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

خديجة بنت اشكونه : سيدة العلم والأخلاق

في عتمة فجر أول جمعة من العام العشرين بعد الألفين، ثاني عقود القرن الحادي والعشرين انطفأ عقل راشد مستنير، وتوقف قلب امتلأ محبة للجميع ، وصعدت إلى أعالي الفردوس روح ملأ حبها العقول والأفئدة، وترجلت سيدة سادت برفيع أخلاقها وجميل شمائلها وخصالها، فكانت تمثل لجميع من عرفوها الحنان والود الذي سكن عميق النفوس وطارت بذكره الركبان.

 

في إحدى ليالي نشوة النصر بتجسيد حلم تأسيس الجمهورية على أديم أرض المنارة والرباط، انطلقت زغاريد نسوة تشق هدوء سماء واحات وادي الحمام معلنة ميلاد أميرة الكبرياء وعظيمة عصرها، التي خلدها تاريخ المنطقة وبكتها الأجيال على جغرافية ودها التي امتدت خارح حدود أودية "رقبة آدرار".

 

في أحد  بيوت السيادة والريادة من أحفاد "المرابطون"، من عمق " لمتونه" بالذات،  رأت النور وترعرعت كريمة الأكابر "خديجة" في بيت سيد قومها ؛ والدها محمد أمبارك ابن أشكونه المسكون بمكنون العزة والمرصع بتاج الشموخ فنالت تحت فيء واحات نخيل "رقبة آدرار" من الرفعة حظ أميرات الواحات وحفيدات المجاهدين، و تلقت بكل كبرياء ما يليق من فيض جميل النشأة فظفرت بدماثة الخلق وتواضع النبل وتلقائية الكرم والشجاعة والمروؤة، فعاشت حياة تلاحق على وقعها ازدحام رفعة الأخلاق وحب الخير والإحسان والبر للناس وحب العلم والإقبال عليه، والتعالي عن ما لا يليق.

 

خديجة العلم والورع 

 

على مدى خمسة عقود ونصف عاشت خديجة مقبلة على العلم مرغبة فيه لتسمو نفسها عن ركام المتاع وتتشبث بطلب العلم والعمل من أجل الظفر في الدار الآخرة، فكانت ممن جعلن القرآن خير أنيس والكتاب خير جليس، فأعطت كل وقتها للعلم والتربية وبناء وتهذيب النفوس والعقول فخلفت وراءها حفاظا وعقولا ناضجة تذكر جميل صنع سيدة أعطت ولم تأخذ؛ سيدة كانت شمعة تحترق من أجل الآخرين؛ سيدة تركت لذة وراحة الحياة في سبيل العلم والتربية وقضاء حوائج الناس.

 

خديجة المرؤوة والأخلاق والنبل والكرم

 

في كنف بيت علم وورع وطمأنينة ووقار امتلأت روحها بحب الخير وسعادة قضاء حوائج الخلق واللطف بالناس ومخالطتهم مخالطة رفيعة بسمو أخلاق فكانت المواسية واليد الشافية، والمرافقة للمرضى، فتحملت حرارة الشمس وبرد الشتاء من أجل الآخرين وسعادتهم وقضاء حاجاتهم.

 

كانت سيدة من طينة خاصة لا تغيب وسامة الإبتسامة ورفعة الأخلاق عن وجهها، لا تغضب إلا لأمر جلل أو حد من حدود الله؛ كانت لينة وقت اللين وصلبة في وقت الصرامة والحسم واتخاذ القرار.

 

خديجة السمعة و الذكر الحسن

 

كانت سيدة وهبها الله سبحانه وتعالى القبول في الأرض فملكت القلوب وسكنت الأفئدة بعظيم أعمالها ومودتها ومعاشرتها الحسنة لجميع الناس دون استثناء ولا تمييز بين قريب ولا بعيد.

 

خديجة الشجاعة والإقدام

 

سليلة بيت من بيوت النخوة والجهاد والتضحية، رافقها جمال زينة تلك الخلق الرفيعة فكانت سيدة شجاعة تقدم وقت الإقدام وتتحدى الصعاب،  فكانت إمرأة بألف رجل شجاع.

 

مرارة الفراق  

 

شكل ليل جمعة الثالث يناير من العام العشرين بعد الألفين، لحظة حزن و مساحة صمت مطبق خيما على نفوس كل من عرف والتقى بسيدة فاضلة صنعت من سبائك الرفعة والعلياء تاجا وسلطانا يليق بأميرة القلوب "خديجة بنت اشكونه" التي خلف رحيلها حزنا في قلوب الآلاف ممن شهدوا صدقها وورعها وإيثارها وعلمها وتقواها ورفعة أخلاقها وسؤدد أعمالها، فتنادى سكان نواكشوط فجر الأحد الخامس من الشهر الأول من العام العشرين بعد الألفين إلى مطار نواكشوط الدولي - أم  التونسي، ثم  مسجد الرابع والعشرين في تحد صارخ لسطوة البرد القارس في ساعة متأخرة من الليل، للعتبير عن ما يسكن أفئدتهم من محبة صادقة لها جعلهم يلتفون لتشييع جنازتها ومرافقتها حتى مثواها الأخير في مقبرة معط مولانا.

 

كان وداعا يليق بأميرة الأكابر وصانعة الأجيال، وستبقى الأجيال تذكر سيدة رفيعة عبرت عباب هذه الحياة تحمل رسالة إنسانية عاشت كل حياتها من أجل سعادة الناس وقضاء حوائجهم ورسم الإبتسامة على وجوهم

 

رحم الله خديجة بنت محمد امبارك ابن اشكونه وأسكنها فسيح جناته وجعلها في صحبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة.

 

"وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ"  صدق الله العظيم.

 

 

عبد الرحمن يغل كاتب صحفي ؛ محرر ومقدم أخبار بالإذاعة الوطنية.

ثلاثاء, 07/01/2020 - 07:49