مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

ملاحظات حول النظام العسكري في موريتانيا

بون ولد باهي

 

إن تحول النظام السياسي في موريتانيا من نظام عسكري إلى نظام عسكري فاشل أكبر خطر يهدد كيان الدولة، بل إن الاستمرار المتعمد في افشال الدولة يدق أجراس ما هو أخطر.
لقد أظهرت تجارب الانظمة العسكرية القدرة الهائلة على بناء دولة المؤسسات في دول مجاورة وأخرى مماثلة قبل أن تتحول هذه الدول بشكل تدريجي إلى ديمقراطيات 

أو هي في طور تحول إلى أنظمة حكم مدنية قابلة لان تستجيب لقواعد النظام الديمقراطي، كما حصل ذلك في آمريكا اللاتنية المعروفة بإرثها الثقيل، وكذلك آسيا ودول من إفريقيا، بعد عودة الجيوش إلى مكانها الطبيعي الذي تحدده الدساتير الوطنية وهو الثكنات.
ولإن كان يعول على دور الجيوش التي اقتحمت مجال السياسة في الاقتصاد والتنمية وتحرير الأراضي العربية منذ تجربة 1952 قبل أن تؤكد الوقائع عكس ذلك، فإنه لم يعد هناك من شك في ضرورة الفصل بين الجيش والسياسة. وإن كانت بعض الأنظمة العسكرية فشلت في الاقتصاد والتنمية، بسبب ميزانيات الدفاع التي تفوق أضعافا مضاعفة ميزانيات التعليم والصحة والعمران، وانعكس ذلك على مدى التسلح والاحترافية والمهنية لجيوشها بحيث أضحت بمعزل عن السياسة وفضلت مهامها الدفاعية النبيلة، فإن بعض الأنظمة الفاشلة أظهرت قدرة هائلة على تسييس جيوشها وانعكس ذلك عليها بالتأخر عن الركب والدخول في انحرافات لا حدود لها.
وحتى لا نخوض كثيرا في غمار تلك التجارب التي أوهمت الشعوب بأن المستقبل حليفها، طبعا قبل أن تتبدد الأوهام، أرجع إلى التجربة الموريتانية التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي ولا تزال بوعودها المتجددة بعد كل بيان بالاستيلاء على السلطة. ويمكن لأحد أن يتساءل، لماذا جل الانقلابات العسكرية في موريتانيا كانت تتم على انقلابيين باستثناء انقلاب 2008؟.
أول انقلاب 1978 برر بالحرب، ولا شيء يبرر جميع الانقلابات اللاحقة الفاشلة والمنجزة غير الصراع على السلطة، وكان انقلاب 2005 ضد أزمة التداول التي القت بظلالها على أكثر من عقدين من الزمن، لكي تنتهي بحكم مدني وتجربة ديمقراطية، وأول تنازل للعسكريين عن السلطة، فما الذي يبرر انقلاب 2008؟ ولماذا لم يحصل تنازل عن السلطة؟.
لن أقدم اجابة لمن أعمى الله بصائرهم وغلف أفئدتهم بالأطماع. ولكن سأقول للمعارضة الديمقراطية، إن بقاء الأنظمة العسكرية واستغلال العسكريين في تدمير البلد، بعد أن تحول أغلب الانظمة العسكرية إلى ديمقراطيات عريقة تنعم شعوبها بمستوى عال من الحريات والرفاه الاقتصادي وصمة عار في جبين التاريخ. وعليكم أن تعلموا أنه يوجد فقط نظام مدني أو نظام عسكري، وأن الدولة المدنية بالتعريف عكس الدولة العسكرية أو الدينية. ولقد أثبتت التجارب أن مضايقة المدنيين والتضييق على المعارضات الديمقراطية لم يقدم شيئا، وتجارب بعض الدول المجاورة عبرة لمن يعتبر. إن تحول النظام العسكري من مرحلة الانقلاب على السلطة إلى الانقلاب على المجتمع وقواه الحية وفتح السجون والمتابعات كأحد ابشع انواع ارهاب الدولة، دليل واضح على أنه فقد الصواب، بل فقد الرشد.
ذلك أن عملية تضخيم جهاز الدولة عبر التعيينات الوهمية والامتيازات الوهمية، من أجل تكوين بيروقراطية غير عقلانية لم تفد شيئا غير النهب الممنهج لثروات البلد. فبيروقراطية الامتيازات والمصالح بدأت في التآكل، ومن المعروف أن أهم مشكل تعصف بالأنظمة العسكرية هي مشكلة الشرعية، فتكاليفها باهظة جدا في الداخل والخارج. كما من المعروف أيضا، أن داء الاقتصاد هو أخطر داء يعصفها، فخطأ بسيط في عجز الميزانيات عن سداد الامتيازات المخصصة قد يكون كارثي، وقد أثبتت التجارب أن انهيار الانظمة العسكرية يكون دائما بسبب انهيار اقتصادي أو عسكري. وكما قلت وأكرر بأنه يستحيل تفادي هذا النوع من الانهيارات إذا لم يتم تلافيه بالانتقال إلى الديمقراطية، وعلى الأقل تكاليف البيروقراطية المتزايدة في التضخم مؤشر مهم على ذلك، فضلا عن صراع المصالح الذي بدأ يلوح في الأفق دون استحياء. أما قصة الانجازات فقد أكل عليها الدهر وشرب، وهي استمرار لفشل النظام العسكري في جميع السياسات بما فيها أهم سياسة كان يعول عليها، وهي السياسة الخارجية، فقد خرج من القمة الافريقية بخفي حنين وخرج من القمة العربية بلا شيء.
الكلام غير موجه لمن يمنون علينا بالحرية الزائدة، طبعا لأن كلاما لا يحمل شحنا زائدة من النفاق والتزلف للنظام العسكري لا يهمهم. إلى المعارضة الديمقراطية، لا تتركونا نسجد لغير الله، كما لا ينبغي أن تركعوا لغير وجهه تعالى.

اثنين, 16/10/2017 - 08:21