مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

كان بإمكان إسحاق ولد المختار/ محفوظ ولد السالك

يمضي العام الرابع على اختفاء الصحفي الموريتاني إسحاق ولد المختار، بينما كان يغطي جوانب من الوضع الإنساني في مدينة حلب السورية، وريفها.
أعوام أربعة مضت متثاقلة على أسرة وذوي وأصدقاء إسحاق، الذي امتشق قلمه منذ امتهن الصحافة، لتسليط الضوء على البقع المعتمة، وإسماع أصوات وأناة المقهورين.
كان بمقدور إسحاق أن يكون اليوم مديرا ناشرا، ورئيس تحرير لصحيفة، أو موقع، أو تلفزيون، أو إذاعة، أو لكل ذلك، فالحقائب هنا تتسع لحمل ما تنوء به النوق القلص.
وكان بإمكانه أن يكون اليوم هنا يتقلب في أعطاف الرخاء، يملك دورا بأرقى الأحياء، ويمتطي أحسن السيارات، ويتحدث إلى ومع المسؤولين عبر آخر صيحات الهواتف، يدق أبواب الوزارات، ويجالس الوزراء، والشخصيات السامية، يدلف بين السفارات، ويتداعى إلى الموائد...
كان بإمكان إسحاق أن يبتز هذا، ويكتب في ذلك، أن ينهش عرض هذا، ويطلق الأحكام والتهم الجزافية على ذلك، فصفاته المتعددة تمنحه الحق في القيام بما يريد، ثم إنه قد لا يعدم سندا قويا يذود عنه عند اقتضاء الحاجة.
كان بإمكان إسحاق أن يكون كل ذلك، وغيره، مما يتيحه الانتساب لمهنة الصحافة هنا، ويستحق بذلك من الألقاب حسنها، ومن التقدير كبيره، يهابه الناس، ويكون قدوة لصغار الصحافة، والإعلاميين المتلمسين لطريق الثراء النسبي السريع، على حساب أي شيء يمت لمهنة الصحافة بصلة، تلك المهنة التي يدين لها الكثيرون منا بوافر الولاء، فقد كانت الوحيدة المشرعة الأبواب من بين كل المهن أمامنا.
كان بإمكان إسحاق ولد المختار، صاحب الأخلاق الدمثة، الصموت المتواضع، أن يمكث هنا، بين ظهراني أصحاب المواقع والصحف، والإعلام السمعي البصري، وأجيال الإعلام البديل، ولن ينغص صفو حياته منغص، إذا كان وفقط ممن قدر لهم بالصدفة أو عن طريق الخطأ أن يلجوا باب الصحافة، فلم يصلحوا لها، ولم تصلح لهم، وطاب بهم المقام، حينما حولوها إلى وسيلة كسب، مجرد وسيلة كسب في المقام الأول والأخير.
لكن ابن الصحافة إسحاق، ولد مختلفا، فشب مختلفا، وترعرع مختلفا كذلك، كان الشعلة المضيئة في آخر النفق المظلم، يحاول إصلاح ما عاثت به أيادي "المتصوحفين"، فقدم ما بوسعه في صمت، وحين استدعى المقام الصراحة، كان له مع "بصراحة" موعد أسبوعي فناقش مختلف القضايا الاجتماعية، وأسس بذلك للسمو والارتقاء بقضايا المجتمع، والمخاطر التي تتهدده، ويعاني منها.
ظل إسحاق صامدا، رغم أنه كان بالنسبة للعديدين مجرد مغرد خارج السرب، وذاك إما أن يلتحق بالسرب، أو يغادر، وحينما اتسع الخرق على الراقع، آثر إسحاق أن يهاجر بمهنته ومهنيته، ببقية أخلاق، وشيء من التقوى، فبضاعته كاسدة في سوق كهذه التي عندنا هنا.
وجد إسحاق طريقه سالكا نحو النجومية والاحتراف في عالم الصحافة، فنوع تجاربه الإعلامية، ووصل به شغف نقل الأحداث من الميدان أرض سوريا المشتعلة، إذ لم يكن لغيره من الصحفيين أن يتخلفوا عن ميادين الحروب، رغم المخاطر الجمة المحدقة.
نقل إسحاق من على أرض حلب وريفها جانبا من المعارك الطاحنة، ورصد الأوضاع الإنسانية للساكنة، استنطق واقع السكان الاقتصادي والاجتماعي، وهم على أبواب الاحتفاء بذكرى عيد الأضحى حينها، ورصد مستقبل الأطفال الذين تعرضت مدارسهم للهدم.
فجأة اختفى إسحاق ولد المختار في ظروف غامضة، وانقطعت أخباره، مخلفا أسى كبيرا، وحزنا يعتصر القلوب، فهو لم يكن جزءا من الصراع الدائر، ولا علاقة بما يجري، جرمه الوحيد أنه كان ينقل ما يجري، لكنها ضريبة الجرأة والشجاعة، وشد الرحال نحو اللا هنا.
نرجوا أن تقر عين تلك الوالدة الصبورة بعودة فلذة كبدها، وأن تكفكف دموعها برؤيته بين يديها، وأن تعود للإعلام الموريتاني شعلته، فقد أضحى بعده عتمة دامسة، وأرضا يبابا.

سبت, 14/10/2017 - 22:45