المصطفى امون
لمْ أطّلعْ وللأسف الشديد نظرا لبعض لانشغالات والإكراهات الجانبية إلاّ مؤخراً على ما سُرّب عبر وسائل الإعلام المحلية وبعض الوسائط الاجتماعية.. على أنه النشيد الجديد ومع أنني ما زلت وإلى حدّ كتابة هذه الأسطر متمسك بخيط أمل رفيع في ألاّ يكون الذي سُرّب هو النشيد الأول والأخير الذي صاغته اللّجنة المكلفة وصادقت عليه الحكومة خلال اجتماعها قبل الأخير بلْ لا أتوقع ولا أظن ولا حتى أتوهم.. أنْ تكون هذه هي حصيلة ثلاثين يوما من الكتابة والتحصيل والتحبير والتحرير والتسطير...!!
وإذا ما صحّ فعلا أن هذا هو النشيد المقترح للاستعاضة به عن كلمات العلامة باب ولد الشيخ سيديا فإنّ أقلّ ما يمكن أنْ يقال عنه ومن وجهة نظر أدبية بحتة ووجهة نظر أدبية بحتة فحسب: أنه مخيبٌ للآمال ومحبط لكل التوقعات والتخيلات والتطلعات..! لقدْ سبق لي إبّان تشكيل هذه اللجنة من قبل رآسة الجمهورية خلال الشهر الفارط لهذا الغرض الكبير والنبيل... أنْ كتبت: تدوينة أنذاك أشيد فيها بهذه اللجنة وبمستواها الأدبي والعلمي والثقافي.. المميز والرفيع, ولم لا؟ وهي تضم بين ثناياها هامات سامقة وقامات باسقة.. من أمثال الرئيس كابر هاشم والرئيس محمدو ولد احظان والقامة السامقة: ناجي محمد لمام وأميريي الشعراء على التوالي محمد ولد الطالب وسيد محمد ولد بنبه وشاعر الجماهير: أبو شجه وغيرهم وغيرهم كثير وكثير.. جدا من حماة ووعاة الإيقاع والإبداع وسدنة الحرف والكلمة واليراع.., لقد سطرت من ضمن ما سطرت في الإشادة بهم في التدوينة الآنفة الذكر: إنّ رآسة الجمهورية بتكليفها هذه الكوكبة الرائعة من سدنة الحرف والكلمة والإبداع.. لهذا الغرض الجليل والنبيل قدْ أعطت القوس باريها ووضعت الرجال المناسبين أمام الرهان المناسب,
أما وقدْ حصحص الحق وجاءت النتيجة بهذا القدر من الضحالة والمباشرة والضمور...!! فلا يسعني هنا والحالة هذه إلاّ أنْ أقول: من مأمنه يؤتى الحذر,! وقديما قيل: لكل جواد كبوة, ولكل بتار نبوة,
ودعونا هنا يرحمكم الله تعالى من معزوفة السياسة والمعارضة والموالاة.., والمطبات والمهاترات والخزعبلات...
أعتقد جازما أنني من أغلبية الأغلبية وربما من أكثر الموالاة موالاة,
ولكنّ الأمر يا سادة ليس مسألة موالاة أوْ معارضة, فالموالاة والمعارضة شيء, والشعر والفنّ والذائقة الأدبية.. شيء آخر وشتان ما بين الإثنين,
وهاكمْ ملاحظاتي السطحية والبسيطة.. إلى أبعد الحدود على هذا النصّ وما حواه:
لقدْ جاء هذا النشيد إنْ صحّ أنه النشيد المنتظر ترْسيمه باردا باهتا ضامرا... لا يثير في النفس قشعريرة ولا حماسة ولا توهجاً ولا طربا..!! ولقد صدق من قال:
إذا الشعرُ لمْ يهززك عند سماعه***فليس خليقاً أنْ يُقال له شعرُ
ثانيا لقدْ خلا هذا النّصُ من أيِّ ذكر للمقاومة يذكر سواء كانتْ عسكرية أوْ ثقافية وهي التي كان ممّا يرادُ بتغيير النشيد القديم تخليدها وتمجيدها وتكريمها والإشادة بها وتسطير تضحياتها بأحرف من ذهب... تتبارى في تسطيرها الأقلام والمحابر, ويطرب لها الأصاغر والأكابر.. حيث نجد الأدوات المستعملة في هذا النصّ في معظمها إن لم أقل في مجملها أدوات وأفعالٌ مضارعة... :
أيا موريتان ربيع الوئام***وركن السماحة ولغز السلام
سنحمي حماك ونحن فداك***ونكسوا رباك بلون الأملْ
وعند نداك نُلبي أجلْ.
الملاحظة الثالثة: أنّ الآية الكريمة في النّصّ قدْ أقحمتْ إقحاماً وكأنها تصدحُ قائلة: لا بدَّ ممّا منه بدٌ!!
قارنوا بين هذين البيتين واحكموا بأنفسكمْ ففي النشيد الجديد يقولون:
نُقاومه حيث جاسَ ومرّا***نرتلُ إنّ مع العسر يسرا
وفي البيت الآخر يقول العلامة باب ابن الشيخ سيديا:
وإنْ دعا مُجادلٌ إلى مرا***{فلا تُماري فيهمُ إلاّ مراءً ظاهرا}
الملاحظة الرابعة: لمْ أفهمْ تماما قولهم: ولغز السلام عن أيِّ لغز يتحدّثون؟ وبأيِّ إيحاءٍ يوحون..؟؟!!
وخلاصة القول ليت الإخوة الكرام في اللّجنة المكلفة من الرئاسة بإعداد النشيد الجديد وهم من همْ في الأدب والبلاغة والإبداع... إذ عجزوا أوْ تعاجزوا عن الإتيان بنشيد يشعُّ تألقاً وحماسة وبهاء, وتتراقص مفرداته رقة وعذوبة وشفافية وإيحاء... أنْ يحتفظوا لنا بصدر النشيد الأول وليضيفوا له بعد ذلك ما شاءوا من حماسة ووطنية ووفاء وثناء...
بلْ ليتهمْ إذ تقمصت وتقلّصت الحروف أمامهمْ, وندّت التعابير المناسبة من مخيالهمْ وميدانهم.. أنْ يستقيلوا ويردُّوا المهمة إلى من انتدبهمْ إياها, وألبسهم حُلاها واستأمنهم على محاورها وحماها, وانتظرهمْ برهة من الزمن علّ وعسى أنْ يتحفوه عبقها وشذاها..., فهلاّ استقالوا فما في الاستقالة من ضيم ولا غضاضة ولا ذام... وقديماً قال الشاعر:
إذا لم تستطعْ أمرا***فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
أيعقل أنْ يجيز أحرى أنْ يشارك الأمير محمد ولد الطالب في صياغة هذا النشيد إنْ كان حقا هو النشيد المنتظر؟!! ألمْ يجاري أبو فراس الحمداني في رائيته الشهيرة فأفحمه وتجاوزه في ثوان عديدة حيث يقول في مجاراته:
رَهين قيود الروم يلهو بك الغدرُ***ولا فدية ترجى ولا صولة بكر...؟
ألمْ تطأ سنابك خيوله البلق شاطئ الراحة فكسبت الرهان, وبذت الأقران:
ضبحاً على الأرض أمْ قدحاً على الحجر***هذي نواصيك مثوى الخير والظفر؟؟
أيعقل أنْ يجيز مؤلف حديث النخيل : كابر هاشم هذا النصّ الهجين أحرى أنْ يشارك في صياغته؟؟!! أيعقل أنّ القامة السامقة في الشعر والأدب والإبداع.. رئيس جمعية الضاد ناج محمد الإمام استمع واقتنع وأجاز هذا النصّ كما هو؟؟!! أيعقل أنْ يكون الشاعر العملاق أبو شجه المعروف بأمير الجماهير يمكن أنْ يكون اطّلع على هذا القصيد وأجازه وهو القائل:
أجدّكّ هذا الدهرَ تذكرُ فاطما...وتطوي على شجو السنين الحيازما؟!!
أمْ ترى يعقل أنّ سائس الأبقار وحادي النوق يمكن وتحت أيِّ ظرف أنْ يجيز هذا النشيد على علاته وهو القائل:
وإذا اشتهى التاريخُ كشف هويتي***فأنا سليلُ عُروبةٍ إفريقي؟!!
أيعقل أيعقل أيعقل...؟؟!!! يخيّل إليَّ بلْ أكادُ أجزمُ أنهم لوْ كلفوا به أقلهم عطاء وتميزا وتألقاً وإبداعا.. لاستطاع أنْ ينجز وبمفرده أبلغ وأنصع وأروع وأبدع... ممّا كان!!
وفي الختام لا أحد يستطيع أنْ يماري أوْ يمكنه أنْ يشكك في أنّ هذه الكوكبة السامقة من سدنة الحرف والشعر والأدب والإبداع... كان بإمكانها الإتحاف بأبدع ممّا كان دون أدنى ضحالة أوْ إقواء أوْ زحاف.. لكنّ كما يقال: ما كل مرة, تسلمُ الجرة,
ويحق هنا للمدافعين عن النشيد الأول أنْ يتمثلوا ببيت الحطيئة الشهير في منافحته لخصوم بني أمية حيث يقول:
أقلُّوا عليهمْ لا أبا لأبيكمُ***من اللّوم أوْ سدُّوا المكان الذي سدوُّا
طبتمْ أيها الأحبة الكرام ودام عطائكمْ يتراقص رقة وعذوبة وحماسة وتميزا وتألقا وبهاء...