
بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن
لدي قراء ثابتين تقريبا، عندما أقابلهم أحيانا، يطالبونني بالإيجاز فيما أكتب.
قلت أمس لأحدهم، ثمة مراحل تتطلب الإيجاز وأخرى يناسبها ما سواه.
والمنهج القرآني هو المرجع.
كانت السور المكية في المرحلة الأولى بوجه خاص، تركز على العقيدة وتوجز لضمان تمام التلقي والتلقين، والاستيعاب والاستمساك بالعروة الوثقى، ، وعندما جاءت مرحلة الدولة والأحكام وضرورة تبيان طرق حسن التعامل بين الناس، جاء المفصل والسور الطوال.
قضية ولد بوعماتو في نظري ملحمة ظلم تستدعي التفصيل وإيصال الوقائع على الأقل كما هي، لأنها نموذج تعامل غير طبيعي بين غني متجبر مغرور بجاهه وماله وآخر يستند إلى الله فحسب وحبر قلمه.
إنه نموذج صراع يستحق في نظري الخاص، إيصال مجمل القصة الرهيبة المدوية، ولا يهمني مزيد إقناع وإفحام معجز.
في الحلقة الثانية السابقة، كما تذكر أخي القارئ حدثتك عن رؤيا بيروت في هذا الصدد، وما صاحب الأمر من نفسية وأجواء في المحيط الضيق، بفناء المسجد السني، عند بيت الفراش "اللبي" المضياف، كما حدثتك أخي القارئ عن أمور أخرى فرض السياق الإدلاء بها، لتمهيد ذكر بعض مضامين ودلالات الرؤية العجيبة، الصباحية في بيروت، أحد صباحات دجمبر الشتوي 2007.
رأيت كأني بساحة نخيل باسق طويل، يتجول بينه ببراءة موزع جريدة "الأقصى"، العبد الصالح الوفي، محمد المصطفى ولد النحان ولد عمار الشريف الشمسدي.
أقول دبت العاصفة النارية في هذا المسرح، فكتب الله السلامة لزميلي المذكور محمد المصطفى، لأنه كان على هامش الحديقة المذكورة، ولم يمسه سوء، بينما تحرك شبه الإعصار وأصاب بعض ملابسي لا أكثر، وفي المقابل حطم جماعة 2005 وتركهم شذر مذر.
اللهم إني أشهدك أني سمحت لمحمد ولد عبد العزيز، بسبب صلتي معه، طبعا صلة المصاهرة، وما أقدم عليه وأصر، رغم أنه وقتها لا يرضي ولد بوعماتو، من عفو رئاسي خرجت على إثره من السجن الكريه بدار النعيم، يوم الأربعاء الموافق 8-5-2009.
اللهم سلم ولد عبد العزيز، بعدما أصابه، مما قدرت ولا معقب لحكمك، اللهم إني أشهدك أني عفوت عن دوره منذ الإطاحة بمعاوية فيما مسني من ضيق في ازويرات مايو2006، وما اشترك فيه من ظلمي مع ولد بوعماتو وسيدي وختو وكريم واد والإمارات وغيرهم من المتورطين في الملف داخليا وخارجيا.
أجل، عفوت عن صهري وصلة نسبي وقرابتي، ومن شاء فليرضى ومن شاء فليسخر.
أما ولد بوعماتو وغيره من المتورطين، فأشهد الله أني لا أعفو عنهم دنيا ولا آخرة، إلا المحامي إبراهيم ولد أبتي الذي طلب مني ذلك، وقال لي حرفيا: "أعجب من أمر ملفك لقد جرت ضمنه رشاوى دسمة ضخمة". وكان هذا الكلام عند المدخل الخلفي لمقر BNM، المقر السابق.
أما ولد بوعماتو وغيره من المعنيين، فقد تآمروا عن قصد على معاوية البريء سليم الصدر، على رأي البعض، كما تآمروا عن قصد على بعض شرفاء "اسماسيد" وكثير من البرءاء في هذا البلد المسكين المغدور بحق.
اجتمع ولد بوعماتو ذات مرة بأربعة من قادة انقلاب 2005 بحضور محمد ولد عبد العزيز، وخاطبهم صراحة وهو صنيعة معاوية وأحمد ولد الطايع واسماسيد قاطبة، قال لهم إن هذا البلد لن يصلح ولن يستقر أمره ما لم يقضى على شوكة قبيلة تدعى "اسماسيد"، ولم يبت ولد عبد العزيز ببنت شفهة، لكن استمرار التحريض دفعه لاعتقال الثلاثي: الشريف ولد عبد الله، عبدو ولد محم ومحمد ولد نويكظ في شهر دجمبر2009
أنا شخصيا لا أمانع أن لكل قوم سفهاء، كما كان يكرر دائما الإمام بداه ولد البصيري، ولكنني جازم إن سلمنا جدلا بسفههم أنه من شدة هذا السفه، دعموك يا بوعماتو وصنعوك، وما كافأتهم إلا بالتنكر والتحريض الصارخ المتواتر، وبعد ذلك غاضبت وهاجرت عندما اختلفت مع قريبك الرئيس الحالي على بعض حطام الدنيا، الذي تعودت معاوية وأحمد ولد الطايع أو سع مطعنا في أمر إيلائك به، ولو على حسابهم، بسبب كرمهم وبعد النظر والحرص على مصالح لعبتهم وقتها.
على وجه العموم ما يهمني ما تعرض له الوطن من ظلم وتمزيق بسبب حرص أغلب جماعة 2005 على قمة استغلال النفوذ ، ولو على حساب ساكنة موريتانيا برمتها، ولم يسلم منها حتى كاتب مقال أجرد، كتب مقال وبدأه بالمدخل التمهيدي: "معلومات غير مؤكدة وفي المقابل لا يمكن نفيها"، وما ذكر على وجه العموم كان دقيقا ولطيفا، بالمقارنة مع ما أنت متورط فيه يا ولد بوعماتو من تبييض الأموال، سواء تعلق بالمال العام أو غيره، ثم ورطتني في ظلم لم أستطع نسيان لحظة من أدق جزئياته بسبب شناعته ومرارته ،ولهذا قال الرحمن في هذا السياق، وهو أعلم بطبائع عباده المظلومين: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم".
وقال سبحانه تعالى: "ولكم في القصاص حياة" وقال تعالى في الحديث القدسي على لسانه صلى الله عليه وسلم: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".
اللهم إن أمهلت ولد بوعماتو فلا تهمله، وخذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم آمين.
كانت الريح في هذه الرؤيا العجيبة تجري بسرعة مخيفة والنخيل الباسقة تهتز، ربما إشارة إلى عمق تأثر كل أرض ذات نخيل في موريتانيا، جراء مافيوية واستهداف من قبل جماعة 3 أغسطس2005.
وقد يعني هذا تأثر بعض المنحدرين من آدرار وتكانت على الترتيب، لأنها ولايات ذات نخيل، حسب ما يفهم من إشارات الرؤيا.
اللهم سلم سلم.
هذا فقط ما أردت البوح به في الوقت الراهن ،من مضامين هذه الرؤيا البيروتية الصباحية، وكانت هذه النخيل الباسقة تتجه إلى المشرق وتمر من أرضنا عابرة دون ضرر كبير، مما جعلني أتصور وقتها سنة 2007 أن الخطر على موريتانيا مؤقت عابر، بينما يتركز في وقت محدود بإذن الله في أرض العراق، والمشرق عموما، بسبب تشابه نخيل الرؤيا مع نخيل العراق عموما، وأرجو من الله أن تكون نهاية ومحصلة الربيع العربي في وطننا العربي على ضوء هذه الرؤيا.
أرجو من الله أن تكون النهاية والمحصلة سلامة تلك الأرض في النهاية على وجه العموم، من مجمل هذه العاصفة.
فكونها تجلت لي في بيروت، دل ذلك على ارتباط متفاوت بين أطراف هذه الفتنة "ظاهرة الربيع العربي المربك"، وعدم سلامة أي أرض عربية من خطر هذا التحول الصعب نحو الاستقرار والهدوء والحكم الشوروي، أما نصيب موريتانيا من هذه الفتنة، فلعله الأضعف وخصوصا على ضوء حديثه صلى الله عليه وسلم بأن ثمة أرض في المغرب ستسلم من فتن آخر الزمان، وكرر العلامة المعروف محمد فاضل ولد محمد الأمين قوله، بأنها موريتانيا.
اللهم أجعل هذه الرؤيا مجرد موعظة للظلمة، اللهم انتقم منهم بما لا يضرهم ضررا بالغا، لتصل الموعظة وتنتفي الفتنة قريبا بإذن الله.
عزيز وبوعماتو أبناء عمومة وخلافهم لا يخلو من التكتيك بحكم إدراكنا لتأثير البعد القبلي في هذه القصة، وبين أهل موريتانيا عموما والبيظان بوجه أخص، لكن على وجه لكل قاعدة شذوذ، الخلاف هذه المرة وإن كان مقيدا بهذا المعنى المحلي، فذلك لا يمنع وجود خلاف حقيقي بين الاثنين، كما لا يمنع دخوله في سياق "حناشت مراكش".
فلنراقب ولنتريث في أمر النزاع الناشب المزمن بين ولد بوعماتو والرئيس الحالي.
إنني عارف بالقوم أكثر من كثيرين من أدعياء ذلك.
فعزيز يعتبر ثروة بوعماتو جزء من ثروة "أولاد بسبعّ" القومية، وهي أهم عنده على رأي البعض من ثروة موريتانيا، التي يتلاعب بها ذات اليمين وذات اليسار على رأي البعض، وإن صح هذا التأويل المتبنى من قبل بعضنا، فإن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز لن يضر بشكل عميق بالثروة البوعماتية"، لكنه سيوجعه ليقبل الانصياع للوساطة المروج لها، على نطاق واسع في الإعلام المحلي، والله أعلم.
أما سوى ذلك من أمر "الانتربول" ودعاوي تحويل الطلبات في هذا الشأن ضد بوعماتو وولد الدباغ ، فذلك أمر، للتحقق منه، يستحق بعض التريث.
يا أهل موريتانيا، موريتانيا مختطفة بامتياز ما بين أيدي أصحاب "اللوكه" و"شيشاوة"، وإن أردتم استعجال الخلاص من هذه الورطة فأكثروا من الاستغفار، ففي الأثر كيف ما تكونوا يول عليكم، وكما يقال في المثل الحساني: "لعزوز الواعر ماه اتفاكه الواعر يوم لفصال امعاه".
اللهم سلم سلم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.