زرت اليوم مدينة طيبة 8 كلم شرق شمال روصو، وقد تزامنت زيارتي مع قدوم شيخ تيجاني، فضيلة نائب إمام جامع كولخ بالسنغال ماحى سيسى.
تأسست طيبة سنة 1989 على يد الشيخ التيجاني الملهم الكريم محمد باب الملقب سيسى، لأبيه محمذن الصوفى الملقب إدو، وهو من قبيلة إدكبهنى العريقة، المعروفة بالخوارق والكرامات و "حمجية" الله الحافظ المنتقم، وبوجه خاص عندما ينزل بهم ضيق أو ظلم على وجه أخص.
بنى باب سيسى - و له خؤولة ذات منفعة وشأن مع قبيلة أصهاري الفضلاء زنبتى وهم جل تلامذته- مسجد طيبة الأول ومحظرتها سنة 1990، وبها مدرسة ابتدائية ونقطة صحية، وتستقبلك بمدخل اسمنتي مزخرف مكتوب عليه "أدخلوها بسلام آمنين"، وعند خروجك مكتوب عليها من الداخل "مع السلام".
بعد عمر حافل بالعطاء العلمي و الروحي وعن عمر يناهز ثلاث وستون سنة رحل إلى رضوان الله المؤسس محمد باب ولد محمذن الصوفى يوم الأحد الموافق 14 دجنبر 2015 بانواكشوط.
وللتذكير الولي الذائع الصيت محمد باب سيسى له شقيقان فحسب، الشيخ أمين خليفة المؤسس المذكور باب سيسى رحمه الله، وكذلك شقيقه زميلى الصحفي المخضرم المتميز محمد سالم ولد الصوفي.
حفظ محمد باب سيسى القرآن وبعض المتون المتعارف عليها في الوسط المحظري الموريتاني، لكن الشيخ المؤسس محمد باب رحمه الله بعد مطالعته الواسعة في التراث الصوفي، هنا وهناك، ومنذ نشأة هذه الظاهرة المثيرة للجدل على رأي البعض، قرر التتلمذ على الطريقة التيجانية الإبراهيمية.
طالع المؤسس رحمه الله على منحى واسع تراث الصوفية وكان يردد دائما قول الشاعر "فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم/ إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ.
جاء شقيقه الشيخ أمين على أثره مقتفيا طريقته وطريقه، فما قصر البتة.
تقبل الله منه وتقبل الله منا ومنهم ومن جميع المحسنين والمسلمين أجمعهم في كل زمان ومكان.
عرف الشيخ أمين وهو واسطة العقد الصوفي، حيث يكبره محمد باب سيسى رحمه الله ،ويصغره الزميل محمد سالم حفظه الله.
أجل عرف الشيخ أمين سدد الله خطاه في موريتانيا كافة واترارزه خاصة ببناء المساجد والمحاظر وكفالة الأيتام تقبل الله منه.
كان المؤسس رحمه الله يخدم تلامذته وإذا مرض أحدهم كأنه هو المريض.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
وختاما أقول يذكرني ما يذكر عن هؤلاء تواترا، في وسطهم وخارجه، ببيت الشاعر المبدع في مدح الشيخ باب ولد الشيخ سيديا رحمه الله:
حوت مادون مرتبة التنبى
يداك من المكارم و المعالى .
وللتذكير يتوسط الآن طيبة المباركة الواعدة جامع كبير بمآذن شاهقة، ومنازلها حسنة العمران متشابهة الشكل، وهي في الوقت الراهن ورشة عمل استعدادا لليوم الثقافي الجامع 21 ربيع الثاني 1439 هجرية، حيث تتواصل ليل نهار أعمال بناء وتشييد قاعة ثقافية وسط طيبة، متميزة البنيان، حسب ما ظهر حتى هذه اللحظات من الأساس والأعمدة الاسمنية الحديدية الصلبة.
ولا استبعد خلال سنوات قليلة أن تتحول هذه المعلمة الإسلامية "طيبة"، إلى نموذج يحتذى في الاستقامة والتضامن والتكافل الاجتماعي، ولعل ذلك موضوعيا يعود فيه الفضل إلى جهود الخليفة الحالي الشيخ أمينو ولد الصوفي ودعوات أبيه محمذن الصوفي الملقب أدو، الذي ذكر لي عبد الله ولد محمد ولد حيمده الزنبتي أنه كان يدرس القرآن في قرية الرش، وكان من تلامذته في وقت غير بعيد سنة 1985.
ولن نتجاوز الإشارة إلى أهمية هذه الحركات والمجموعات الصوفية في تعزيز اللحمة الوطنية وحتى الجوار الإقليمي.
فلعل من أكبر روافد الصلة بين الشقيقتين موريتانيا والسنغال مثل هذه الخلفيات العقدية الراسخة رغم كل الزوابع.
تقبل الله من الجميع، ولله الأمر من قبل ومن بعد.