بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
أطار – ضريح الإمام الحضرامي/
ألح علي صديقي وزميلي الزائر لمدينة إطار إمام الدين ولد أحمدو ولد يرك بزيارة ضريح الشهيد الإمام الحضرمي المرادي في موقع أزوكي الشهير بوادي تيارت (7 كلم شمال مدينة أطار)، كان في الرفقة الزميل الفتح مدير موقع الزمان، صديقي العزيز العلوي الشنقيطي، والسيدة حرمنا سلم محمد باب حيمده الزنبتية، وكان الوقت صباحا بعد طلوع الشمس بقليل.
تحرك الوفد الزائر بسرعة وأخذ الزميلان الصحفيان صورا للتذكار والتاريخ، غير أن قلبي استدار إلى لقاء أبوبكر بن عامر مع المؤسس الروحي لحركة المرابطين أبو عمران الفاسي في القيروان بتونس، والذي طرده الأمراء المغاربة في منطقة الجنوب الغربي المغربي بعد أن كثر تعليمه للإسلام ودعوته لنشره، وفي طريق العودة من الحج التقى أبوبكر بن عامر زعيم قبيلة صنهاجة المتحمس للإسلام والمشاركة في نشر دعوته، أقول التقى بأبى عمران الفاسي في منفاه بالقيروان، واتفق وإياه على ضرورة تعزيز الدعوة الإسلامية في الجنوب الغربي المغربي، وبعد هذا التشاور بين الرجلين، ربط عمران الفاسي أبوبكر بن عامر بالعالم الداعية وجاج المقيم آنذاك في الجنوب المغربي.
والتحم السيف مع العلم على حكمة، فأسسوا دارا اجتمعوا فيها سموها المرابطين وتحرك الأمراء المغاربة المناهضون للدعوة آنذاك فحطموا تلك الدار، مما اضطر الجماعة للتحيز إلى مكان آمن، وعندما بلغ عددهم 700 فرد مرابط، انطلقوا دعاة مجاهدين، وبعد شد وجذب توجه أبوبكر بن عامر صحبة عبد الله بن ياسين إلى موريتانيا حاليا، وبعد حزم أمرهم بجزيرة التيدره بالمحيط الأطلسي، انطلقوا أيضا مجاهدين في ربوع صحرائنا هذه، ففتحوها فتحا أوليا، وبعد قرابة عشرين سنة، رجعت المنطقة للردة وبعض الانحرافات البينة، عقديا وسلوكيا، وظهر في منطقة آزوكي وغيرها تأثير لليهود القادمين من مصر وبعض القرامطة، مما اضطر أبوبكر بن عامر للعودة مرة أخرى صحبة الإمام الحضرمي المرادي، بتوجيه أيضا من وجاج ، وفي هذه العودة الثانية سنة 453 هجرية، وبعد سنوات قليلة من الدعوة والجهاد استشهد الأمير أبوبكر بن عامر حوالي 464 هجرية بالمكسم بمنطقة تكانت، 15 كلم من القدية المعروفة حاليا، بضواحي تجكجة، وبعد استشهاد الأمير رجع أيضا الإمام الحضرمي إلى المغرب، وبعد أخذ ورد، ازدهرت أيضا الحركة المرابطية في فترة يحي، فرجع الإمام الحضرمي مرة أخرى للدعوة والجهاد، وبعد سنوات غير كثيرة، وكان قاضيا للحركة المرابطية في المنطقة الشمالية من صحرائنا (موريتانيا)، استشهد في آزوكي (7 كلم من مدينة أطار) سنة 489 هجرية، وتذكر الروايات التاريخية أن الإمام المجذوب ما بين 1075 هجرية و1080 هجرية، اكتشف مكان استشهاد الإمام الحضرمي، وكان يتردد عليه مرارا وتكرارا، وكتب بالإلهام، بأمر من الإمام الحضرمي "كتاب المنة".
ويعتبر الإمام المجذوب هذا من قبيلة اسماسيد، فخذ أولاد بوسحاق، هو المكتشف الأول غير المباشر لموقع استشهاد الإمام الحضرمي في القرن 11 الهجري سنة 1075 هجرية تقريبا، وبعد ذلك ترددت وتكاثرت المرائي على جدي عبد الفتاح الملقب اعبيدن، والد أسرة أهل اعبيدن جميعا، وروى الأمر لجماعة اسماسيد من أهل العلم والصلاح فامتنعوا عن الذهاب معه، مستمسكين بأن الرؤيا يستأنس بها فحسب وليست ملزمة التنفيذ إن ثبت أن ما رأى عبد الفتاح رؤيا، غير أنه أصر على البحث عن الشهيد في المكان الذي كشف له عنه في الرؤيا، وذهب معه مولاه نافع واعل بوب، ومريده لبشير ولد الطايع، حسب الوثيقة المكتوبة والتي ذهب بها أحد أبناء عمومتنا إلى المغرب، وربما ما زالت موجودة في مكتبته هناك، أي مكتبة الدّي ولد سيدي باب، الرئيس الأسبق للبرلمان المغربي أيام الملك الراحل الحسن الثاني، رحم الله الجميع.
وتحكي الروايات أن عبد الفتاح بعد النبش في المكان وجد شخصا أبيض الصورة مدفونا في كيس مصنوع من الطين، فرمى عليه بعض ثيابه وبادر إلى إعادة التراب إلى وضعه الطبيعي، وأصبح منذ يومها، ذلك المكان المعروف بآزوكي، ضريحا للإمام الحضرمي، وقد تم هذا الاكتشاف على يد عبد الفتاح الملقب اعبيدن حوالي 1180 هجرية أو بعد ذلك بسنوات قليلة من القرن الثاني عشر الهجري، أي بعد حوالي 100 سنة من اكتشاف الإمام المجذوب أو أكثر بقليل، وأقام عبد الفتاح منزلا ما زالت آثاره موجودة ملاصقة للقبر، وغير بعيد من ذلك حفر بئرا عذبة، رغم قلة المياه العذبة في تلك المنطقة، تسمى "عين الزيارة"، وما زالت العامية هناك يقولون بأن زيارة الإمام الشهيد الحضرمي المرادي يستحسن فيها صحبة أحد أفراد أسرة أهل اعبيدن.
وإبان زيارة ولد عبد العزيز لأطار عند ذكرى عيد الاستقلال 28 نوفمبر 2016، وبعد مشاغبات العقيد الحرسي المتقاعد عينين ولد أييه ومحاولة استغلاله لجواره للشهيد، اضطررت للاتصال بالرئيس عبر موزع هاتفه بالقصر الرئاسي في نواكشوط ، ليبلغ صاحب الموزع الهاتفي، أن الفتنة لا داعي لها، وإن شاء عينين شرح ما شرح للزائر من أمر بعض آثار حصن بافور، أوان قدوم الشهيد لآزوكي قبل عدة قرون، إلا أن هذا لا يمنع أهل اعبيدن من شرح ما يدعون من اكتشاف روحي تاريخي، وذلك بعد أن اعتدى بعض أقارب عينين على بعض أفراد أسرتنا، واستجاب صهرنا حفظه الله الرئيس محمد ولد عبد العزيز لذلك التوجيه وقام وقتها بزيارة الطرفين بتوازن، دون أن نحضر لقصص عينين ونشاطات جمعيته في هذا الصدد، ودون أيضا أن يحضروا هم في المقابل زيارة الرئيس للضريح، وذلك كله بآزوكي 7 كلم من مدينة أطار.
وللتذكير الإمام الحضرمي المرادي قدم من مدينة القيروان بتونس، وتقول المصادر التاريخية بأن أصله البعيد من مدينة حضرموت ومن قبيلة المراديين باليمن، وهذا غير متناقض، فهجرات العرب والأحداث المتنوعة تدعوهم للتنقل مرارا وتكرارا، وهي سيرة الحياة دوما وأبدا، وله كتاب شهير في السياسة وتسيير أمور الحكم، موجود في موريتانيا وبالمكتبات بالمغرب، وأقام عليه التحقيق غير واحد، وهو بعنوان "الإشارة في تدبير الإمارة"، وكذلك كتابه "المنة"، الذي يقال إنه ألفه بعد موته عن طريق إلهام محتواه للإمام المجذوب، وذلك لإكمال بعض ما أراد من نشر العلم، لم يتم له قبل استشهاده، فحرص عليه بعد ذلك.
ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرؤيا الصادقة، أنها جزء من ثلاثة وأربعين جزءا من النبوءة أو الوحي، والإلهام وجه من وجوهها، لكنه بث مباشر، يعرفه أصحابه بسهولة، ضمن التمييز بين الإلهام الرباني والملائكي وإلهام الصالحين المستقيمين من البشر، قبل موتهم وبعد موتهم، وذلك مثل قولة عمر لسارية، من فوق منبره بالمدينة، "ياسارية الجبل" وكانت سببا في خطة ونصرة في معركة شهيرة.
وأما إلهام الصالحين بعد موتهم للأحياء فكثير متواتر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب أهل القليب بعد موتهم في غزوة بدر، وقال صلى الله عليه وسلم "إنهم يسمعونكم ولا تسمعونهم"، وكان صلى الله عليه وسلم يستمع لخطاب صحبي، نعيمان، في قبره للملائكة، وذلك عندما قال صلى الله عليه وسلم "رحم الله نعيمان أضحكنا حيا وميتا"، حين رد على الملائكة، منكر ونكير، عندما هما بطرح الأسئلة، فسارع مداعبا "تحروا حتى يذهب أصحابي"، ويعني طبعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة الدفن والتشييع من الصحابة رضوان الله عليهم، ومن المعروف أن العلماء يؤكدون جواز بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم من مستوى معين، كرامة لغيره من أتباعه في كل زمان ومكان.
والله أعلم.
هكذا كانت بعض ذكرياتي وخواطري بعد زيارتنا لضريح الشهيد الإمام الحضرمي المرادي رحمه الله،يوم الأحد الموافق 10/9/2017.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.