أحمد ولد الشيخ/ المدير الناشر لصحيفة القلم
في موريتانيا المصححة، لا يصرف فعل أعطى في الماضي ولا المضارع ولا الأمر. والأسوأ من ذلك أنه أصبح الآن مرادفا للرشوة. وبسبب معرفة الراعي “الخطير” للصحافة محمد ولد بوعماتو، تمت إحالة ثلاثة صحفيين و مديرة موقع على شبكة الإنترنت إلى القضاء.
تعرضوا لاستجوابات طويلة من قبل الشرطة المكلفة بالجرائم و الجنح المالية حول الخط التحريري للهيئة الصحفية لكل منهم و الموضوعات المثارة و علاقاتهم المفترضة مع ولد بوعماتو و نائبه محمد ولد الدباغ و المساعدات التي تلقوها منهما… وإن كان الصحفيون غير متهمين (في الوقت الراهن) و لا شهودا في أية قضية، و الذين يبدو أن لغتهم المنتقدة للنظام الحالي مزعجة كثيرا، فقد تم استجوابهم لساعات طويلة.
لكنهم لم يكونوا الوحيدين المشمولين في هذا المهزلة. و بعد ولد غده، السيناتور المختطف مؤخرا، تم اعتقال العديد من زملائه و نقابيين اثنين و استجوابهم من قبل الشرطة الاقتصادية. دائما حول العلاقات مع ولد بوعماتو.
إن جميع هذه الشخصيات ـ باستثناء المستهدف الرئيسي الذي لا يزال منفيا في المغرب ـ فقد تواجدوا في محكمة نواكشوط يوم الخميس 31 أغسطس صباحا لتقديمهم إلى النيابة العامة. ثم بدأت عملية طويلة لن تنتهي حتى صباح اليوم التالي عند الساعة السابعة صباحا. إن وكيل الجمهورية بنواكشوط الغربية الذي أحيل إليه ملف مزعج، قد أصدر أمرا بالإيداع في السجن ضد المعلومة منت الميداح، الشخصية الرمزية من المعارضة و العضو المتمرد بمجلس الشيوخ، و مذكرات اعتقال ضد ولد بوعماتو و ولد الدباغ و تسعة أعضاء غائبين من مجلس الشيوخ و وضع بعض الصحفيين و النقابيين تحت الرقابة القضائية. غير أن مجموعة القضاة الذين أحيل إليهم الملف لم يتبعوا النيابة تماما في طلباتها، حيث وضعوا جميع أعضاء مجلس الشيوخ تحت الرقابة القضائية لكنهم احتفظوا بمذكرات اعتقال دولية ضد رجلي الأعمال المنفيين. إنها مهزلة حقيقية تثبت، إن كانت هناك حاجة لذلك، أن القضاء يخضع أكثر من أي وقت مضى لأوامر سلطة تنفيذية مصممة على استخدامه لتصفية حساباتها الخاصة. و إلا فكيف يمكن تفسير إحالة هذا العدد من الناس إلى القضاء لمجرد أنهم استفادوا من كرم رجل؟ و لماذا لا توسع القائمة لتشمل الذين منحهم المليارات لتمويل حملتهم و منازل (و أحدها على الأقل يعرفه الجميع) و السيارات بالإضافة إلى الاعتراف الوطني و الدولي ؟ منذ متى أصبحت الهبة جريمة و استلامها جنحة؟
بعد أن وجه أعضاء مجلس الشيوخ ضربة إلى ولد عبد العزيز لا ينساها و أضيف إليها استفتاء كارثي على ضوء رفضه وقلة الحماس الذي أثاره، ففي هذه الظرفية المزعجة للغاية، بالنسبة للعظمة التي يراها لنفسه و يريدها عالمية و إلا فوطنية، فإن رئيس الدولة قد سقط في يده تماما و لم يعد يعرف إلى أين “يتجه”. إن ولد غده الذي يوجد في طليعة النضال ضد الإصلاحات الدستورية و الذي بلغت به الوقاحة حد إثارة ملفات نتنة، كان أول ضحية لغضب الرئيس. أما الضحايا الآخرون، مثل الصحافيين و النقابات، فقد جرفتهم العاصفة. و لكن الطريقة المستخدمة كانت مبتذلة و الملف فارغا إلى درجة أن قضاء يدعي حدا أدنى من الاستقلال لن يصفه بالمقبول. و مع ذلك، فإن جميع هؤلاء الأشخاص يخضعون للرقابة القضائية. إلا أن إثقال كاهل القضاة لن يؤدي إلا إلى إضافة ظلم إلى ظلم: إن هذه المسرحية الرديئة و السياسية إلى أعلى درجة قد كتبت في مكان آخر. و لم يطلب منهم سوى تمثيل مشهدها الأول الذي ستتبعه أخرى من نفس النوع بكل تأكيد.
لا تزال موريتانيا المصححة تفاجئنا. فبعد الإبداع في تجفيف مصادر تمويل الصحافة المستقلة، من خلال الحظر على جميع هياكل الدولة الاشتراكات فيها أو نشر الإعلانات عبرها، ها هو صاحب المشروع يقاضيها لأنها تلقت دعما من رجل لم يعد مقدسا إطلاقا لدى صاحب الجلالة. و بأي ثمن و مهما كانت التضحيات، سنتذكر غداة عيد الأضحى المبارك، عيد التضحية بامتياز، الضحية التي ذبحها ولد عبد العزيز عمدا: إنها العدالة نفسها…
نقلا عن "تقدمي"