ترى هل الديمقراطية أولوية بالمقارنة مع تحدي وخطر واحتمال التفكك والصراع الدموي المفضي لزوال دولة موريتانيا من الخارطة، لا قدر الله؟!.
إن بعض الباحثين في ميدان صحة الدول وقلاقلها الحاضرة والمستقبلية، خصوصا على مستوى قطاع ما يسمى عندهم الدول الهشة، سواء في الوطن العربي أو إفريقيا أو آسيا أو غيرها، باتوا يجزمون دون كناية أن تحدي الوجود والاستقرار والتنمية ولو نسبيا، أهم من حل الأزمات السياسية المتعلقة أساسا بترسيخ مستوى تطبيق وتطوير "ديمقراطيات" هذه الشعوب المتخلفة بامتياز.
في الوقت الراهن والمنعطف الحالي من مسيرة موريتانيا، استتباب الأمن وعدم استدعاء انقلاب آخر من داخل رحم المؤسسة العسكرية المحلية، التي لم تصل بعد إلى درجة الطابع الجمهوري إطلاقا، لمن أراد الحق، وإعطاء فرصة لجو سياسي توافقي ما أمكن، يفوت الوقت على احتمالات الإنزلاق والتخبط في المجهول، التي قد تهدد في الصميم وجود موريتانيا.
أقول بصراحة، هذا المنحنى أولى وأكثر استعجالا، من أي برنامج سياسي آخر، لدى النظام أو المعارضة.
وما يحقق هذا الهدف، أي الإستقرار وعدم دخول موريتانيا الفعلي في تجربة الدول الهشة إلى مستوى بعيد، لأن ذلك يعني تقريبا زوال موريتانيا إلى الأبد لا قدر الله.
نعم ما يحقق هذا الهدف من وسائل مشروعة قانونيا وأخلاقيا، أنسب وألزم للمرحلة وتحديها الوجودي الأمني.
وهنا استدرك مدى أنانية الطرفين، فالنظام يلوح بتعديل دستوري آخر، باسم الشعب، لفتح المأموريات الرئاسية بصورة عبثية، قد تجعل موريتانيا، ذات حكم ملكي مقنع، أجل وقناعه مكشوف شفاف.
والمعارضة تحاول تضليل وخداع الرأي العام المحلي، مهما ادعى من نضج، موحية أن تحدي الوجود والاستقرار ليس هو الأولى والأحرى، وإنما ما يسبب عدم الاستقرار هو احتمال تعديل الدستور مرة ثانية، بعد تمرير التعديلات الدستورية المثيرة ، يوم الخامس أغسطس2017، وأن أزمة موريتانيا بالدرجة الأولى سياسية بامتياز، حسب إدعاء هذه المعارضة الراديكالية المحلية، وأنه بمجرد حصول انتخابات حرة نزيهة، طبعا توصل هذه المعارضة الراديكالية للحكم، كليا أو جزئيا –بصورة معتبرة- هو البلسم السحري الكافي ،لحل مشاكل موريتانيا في أسبوع أو شهر أو سنة على أبعد مدى.
الأنانية المفرطة في كل ضفة.
هذا هو أحد أهم مكامن الوجع عندنا.
هذا هو أحد أهم المخاطر، أنانية أغلب اللاعبين السياسيين في الضفتين ، المعارضة والموالاة.
فأين المخرج الأمني من هذا الخطر، وما الذي يمنح الوسيلة المتوازنة المنصفة للجميع ولجميع سكان موريتانيا، لتلافي هذا الخطر الأبرز الذي يولد الاحتقان باستمرار، دون أن يلوح أفق قريب للحل والتقارب.
ولعل الحل في رأيي المتواضع بإذن الله، الحاجة إلى حديبية موريتانية، تسمح بتجاوز مرحلة الانسداد المقلق المخيف، لمن كان له قلب أو دراية أو بصيرة أو ألقى السمع وهو شهيد.
إن للأمة ربما باستمرار وبمستويات متفاوتة طبعا، وفي كل زمان ومكان إن شاء الله، وحسب الاقتضاء، بدرها وأحدها وأحزابها وحديبيتها، مهما كانت هذه الحديبية عسيرة الشروط ظاهريا لكنها تفضي دائما إلى فتح مبهر، قد لا يماثل فتح مكة، وإن قاربها أو شابهها على الأصح من وجه ما.
هذا الكلام مفهوم وبسيط ولا يحتاج إلى شرح.
حتى أن علي كرم الله وجهه كاتب الصلح المثير، على رأي بعض الصحابة، قبل أن يجاز نهائيا، أقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما قال سهيل بن عمرو المفاوض الرئيسي من طرف كفار قريش، لو كنا نؤمن به لما قاتلناه ولما منعناه من دخول مكة، فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكمة بالغة الإبقاء على عبد الله ومحو كلمة رسوله، من نص الصلح.
وأعجباه.
جدير بمعارضتنا التعقل والقبول بالتحاور، مهما كان مستواه، إن طلب منهم، وعلى النظام المسارعة لمنع القمع وإجازة كل احتجاج سلمي حضاري ولو كانت له نواقص، والتوجه نحو البحث من جديد والحوار من جديد مع مختلف مشارب المسرح السياسي الوطني، عسى أن يتجاوز هذا الوطن مرحلة المخاطر والعواصف والفتن البادية القريبة لا قدر الله، دون تعريض السفينة الوطنية للمزيد من الاختبار والهز العنيف، الموشك على إسقاطها في وحل دائم أو نفق معتم مظلم، مجهول المصير.
وإلى حلقة قادمة، أكررها تواضعا واعترافا بنعمة التأمل الجاد المتوازن بإذن الله.
ما من صواب فمن صواب فمن الله وما من خطإ فمني.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.