حدث في بلادنا أن كل الأشياء القليلة التي ترمز للديمقراطية ولدولة المؤسسات والقانون قد تم اغتيالها في شهر أغسطس، ولذا فإنه قد أصبح من المناسب أن نقيم مقبرة جماعية لضحايا أغسطس، وحبذا لو أن جهة معارضة ما أقامت تلك المقبرة، ونصبت شواهد على القبور تبين اسم الميت وتاريخ وفاته، فمثل ذلك النشاط سيشكل حدثا لافتا ومثيرا، وسيكسر رتابة الفعل المعارض الذي تعودنا منه أن لا يخرج عن الأشكال المعهودة: بيان أو مؤتمر صحفي أو وقفة أو مسيرة تنتهي بمهرجان. كما أن نشاطا من هذا القبيل قد يثير اهتمام المواطنين، وقد يلفت انتباههم إلى ما تقوم به السلطة الحاكمة من عمليات إبادة جماعية لكل ما يرمز لدولة المؤسسات والقانون. مع كل شهر أغسطس جديد تحدث مجازر وعمليات إبادة ضد الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون،
وقد كانت البداية بشهر أغسطس من العام 2008، ففي السادس من هذا الشهر تم الانقلاب على أول رئيس أوصلته صناديق الاقتراع إلى الرئاسة، لتتواصل من بعد ذلك عمليات الإبادة، وإذا ما اكتفينا بضحايا شهر أغسطس من العام 2017، فسنجد بأنهم كثر، ففي ثلاثة أسابيع من هذا الشهر تم ارتكاب جرائم اغتيال وقتل بشعة، وهذه لائحة بأسماء ضحايا أغسطس 2017:
1 ـ الشفافية: وقد تم الإجهاز على ما تبقى منها في يوم 5 أغسطس 2017،
وكانت اللجنة المستقلة للانتخابات هي المنفذ المباشر للجريمة. وقد قاد عملية اغتيال الشفافية وهي في رمقها الأخير الحكماء السبعة الذين أثبتوا بأنهم ليسوا بالحكماء، وبأنهم لا يمتلكون الأهلية الأخلاقية والإدارية لتولي المهام التي انتدبوا لها.
2 ـ الحصانة البرلمانية: تم الإجهاز عليها في يوم 10 أغسطس 2017، وذلك عندما تم اختطاف السيناتور محمد ولد غدة ليلا من منزله، وتكاد عملية الاختطاف هذه أن تكمل أسبوعها الثاني، ودون أن يحدد الخاطفون مبلغ الفدية التي يريدون.هذه الجريمة التي اغتيلت بموجبها الحصانة البرلمانية، قد تم تنفيذها من طرف بعض عناصر الأمن الذين تلقوا أوامر عليا بتنفيذها.
3 ـ الدستور الموريتاني : وتم اغتياله بدم بارد في يوم 15 أغسطس 2017، وذلك عندما أقر المجلس الدستوري نتائج استفتاء غير دستوري ومزور، وكان الدستور الموريتاني قد تعرض من قبل ذلك لعدة محاولات اغتيال كانت آخرها محاولة اغتياله بالدعوة إلى استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية التي كان قد ألغاها مجلس الشيوخ. .مرتكب جريمة اغتيال الدستور في يوم 15 أغسطس هو المجلس الدستوري الذي يمتلك تاريخا غير مشرف في التسريب وفي الإساءة إلى الدستور.
4 ـ القضاء : وتم الإجهاز على ما تبقى من بقاياه في يوم 18 أغسطس 2017، وذلك عندما أصدرت النيابة العامة بيانها الساخر الذي تحدثت فيه عن فساد كبير، وعن جرائم عابرة للحدود .منفذ جريمة الاغتيال هذه هو كاتب هذا البيان الغبي، وهو ربما يكون نفس الشخص الذي أشار على الرئيس ولد عبد العزيز بأن ينظم زيارات للمدارس خلال العطلة الصيفية.
إن هذا البيان الغبي وهذه الزيارات الفولكلورية ليخرجان من عقلية متحجرة واحدة. 5 ـ النشيد الوطني: وقد بدأت عملية اغتياله في يوم 22 أغسطس 2017، وذلك عندما تم إصدار مرسوم رئاسي بتعيين لجنة ( 38+1) لاقتراح النشيد، والتي تعتبر مكملة لاستفتاء المادة 38.
إن لجنة ( 38+1) لإلغاء نشيد "كن للإله ناصرا" واستفتاء المادة 38 ليخرجان من عقلية دكتاتورية واحدة. مرتكب جريمة اغتيال النشيد الوطني هو الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي أصدر مرسوما رئاسيا بتعيين هذه اللجنة، والذي هو في حقيقة الأمر هو مرتكب كل الجرائم السابقة التي أدت إلى هذه الإبادة الجماعية التي تعرضت لها الشفافية والديمقراطية والدستور والقضاء والنشيد الوطني، وكل ما يرمز لدولة المؤسسات والقانون. ومن المتوقع أن يكون العلم الوطني هو الضحية القادم، وسيتم اغتيال هذا العلم ا بإضافة خطين أحمرين ،
وربما يكون في ذلك إشارة إلى الدماء التي تمت إراقتها في هذا العهد، والتي لم يسلم منها الدستور ولا المؤسسات التشريعية ولا العلم ولا النشيد، ولا حتى عطلة الأسبوع التي تم الإجهاز عليها، فتم تحويلها من الجمعة إلى الأحد، وذلك على الرغم من رفع شعار المقاومة وتمجيد الشهداء. إن ما حدث في أغسطس من هذا العام من عمليات إبادة جماعية ضد رموز وركائز دولة المؤسسات والقانون لهو أمر خطير، والأخطر من ذلك هو أن المعارضة وقوى الرفض قد دخلت في سبات عميق من بعد استفتاء 5 أغسطس..حتى السيناتور ولد غدة الذي تم اختطافه منذ أسبوعين تقريبا بسبب دفاعه القوي عن الدستور وعن المال العام لم يجد أي تعاطف يذكر، هذا إذا ما استثنينا وقفة يتيمة دعا إليها أقارب السيناتور، وتم قمعها بشراسة من طرف الشرطة.. عارٌ على كل الطامحين لدولة المؤسسات والقانون أن يتركوا السيناتور محمد ولد غده وهو يواجه بمفرده واحدة من أخطر وأبشع عمليات الاختطاف التي تم تنفيذها في هذا العهد الذي بدأت شمسه تغيب. حفظ الله موريتانيا..