مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

ترصد المخاطر و تلمس المخارج (ح2) / عبد الفتاح ولد اعبيدن

مما بقي من الأسئلة دون إجابة، أعني طبعا التساؤلات الواردة في الحلقة الأولى، ماذا تريد المعارضة الراديكالية، وأقصد تحديدا ماذا تريد وما الذي تسعى إليه في هذا المنعطف؟، وكذلك بقي سؤال ماذا يريد بيرام وفلام؟.
وبقي أن نطرح سؤالا آخر لا يستحق الطرح في نظر البعض، ولو كانت الإجابة عليه طوباوية غالبا، ومحسنة عن قصد.
هذا السؤال المتجاوز عن قصد أحيانا، ماذا يريد الشعب الموريتاني.

أجل هذا السؤال يتعمد بعضنا عدم طرحه بهذه الصيغة لأن الرأي العام عندنا مازال لم يظهر بصورة مؤثرة، وأعني خطا فكريا وأخلاقيا وسياسيا، لا يقبل هذا الشعب العزيز التنازل عنه، ويبذل الجهد الكامل من أجله، تضحية واستمساكا بعروته.
إذن لهذا السبب، يصعب ترتيب منظومة قيمية أولوية لدى رأينا العام، وإن كانت موجودة، وإن خفيت وعسر تمييزها وفصلها عن المتحول المعرض للإلغاء التام والتنكر المخجل.
وإنصافا لشعبنا، أبدأ تصحيحا بهذا السؤال المغيب الكبير، وسأحاول الرد عليه في سطرين.
الشعب الموريتاني في أغلبه، ولا أقول كل الشعب، ولأن كل قاعدة شذوذ، أقول، يريد الإسلام والعافية.
فعلا حدثت نكسات في هذا الصدد، لكن بقي المسار العام، ما قبل الدولة الوطنية وما بعدها، يعضد هذه الخلفية الذهنية والنفسية المشتركة، الإسلامية والخائفة من الدم والعنف عموما.
هذا هو عمق جميع المكونات الوطنية دون استثناء، وربما كان التجاوب وتبادل التأثير والتأثر، نقل دون صعوبة تستحق الذكر، إلا لماما، هاتين الخاصيتين، بين جميع مشارب هذا الشعب المسلم المسالم.
فما ظهر من عنف قبل وبعد الدولة الوطنية، مجرد دفاع اضطراري عابر، عن الذات الجمعية، لمكون ما، أو جهة أو عرق أو قبيلة، هذا هو السبب الغالب الأعم.
ومع مرور الوقت ومع تأثير المبادئ الإسلامية تذوب ولو تدريجيا عصبية العنف وفورته المحطة المفسدة لكل خير ومكسب، لصالح التمسك بعروة الإسلام الجامع وهويته المسالمة، دون غمط لحق أي مكون بإذن الله، وعلى النخبة أن تسعى لتعزيز هذا الطابع الإسلامي المسالم فحسب، وفيه كفاية مطلقة، ولا غضاضة طبعا من الاستفادة من عصرنا أو الماضي القريب أو السحيق، في سياق الإطلاع والتزود من تجارب الأمم الأخرى قديما وحديثا في هذا الكون الفسيح، الذي ظل رغم طابعه الصراعي العنيف غالبا، مفعما بالعبر والآيات العظام، في كل مجال وميدان، ولله في خلقه شؤون.
أما السؤال ماذا تريد المعارضة الراديكالية، فيدعي البعض سهولة الإجابة على هذا السؤال.
قائلا: مدعيا، المعارضة الراديكالية تريد الحكم والتحكم في مقاليد أمور البلاد، على منحى غير واقعي أناني على رأي البعض، وقد لا يخلو من الشعارات والرؤى الكبيرة البناءة، التي يستخدمها بعضهم للطلاء وتمرير المبتغى، في وقت قياسي أقل من المفترض، ضمانا للتمكن من عروة السلطة، وبعد ذلك يقع التحول بصورة مباشرة أو متدرجة، إلى لائحة أهداف شخصية واعتبارات ضيقة، تخدم الزعيم أو الجهة أو الأيديولجيا الممزوجة بجناح قبلي، كما في تجربة حزب ولد مولود، وهو ما نفر جمع من أطر الكادحين الأصلاء، ليجدوا أنفسهم مضطرين خارج اللعبة السياسية، أو شاطئ آخر غيرمعهود، وقد يصعب التكيف معه بسرعة وأمان.
المعارضة لا تريد أن تعترف بأن تجربتها الحزبية كشفت أنانيتها قبل الوصول إلى الحكم، فمنح الله الرحمن الرحيم بعض الموريتانيين الفرصة، ليس ربما للابتعاد عنها تلقائيا فحسب، فذلك خيار ظالم غير منصف لنضالاتها الكبيرة رغم نواقصها الظاهرة المقززة، وإنما سنحت الفرصة للتوضيح أن النظام القائم، ربما أحيانا مثل سائر الأنظمة المتعاقبة، وبوجه خاص منذ يوليو1978، نظام يبيع ويشتري بلغة السوق العامية المباشرة، ولكن كذلك المعارضة أحيانا، أسوأ أسلوبا في هذا الباب.
صف من رؤساء الأحزاب المعارضة، لم يمت أغلبهم ما شاء الله، وندعو أطال الله أعماركم في طاعته، وربما ذلك لحكمة ربانية بالغة، لتتضح الرسالة الكاشفة بلسان حالهم، لا للتناوب، لا للتناوب.
وحتى الإسلاميون التواصليون، وعدوا به، وأظنهم سيفعلون دون تردد كبير، وهذا قد يؤهلهم يوما ما للعب دور معتبر في المسرح السياسي الوطني، رغم طابعهم الجهوي اترارزوي المكشوف، المستحيل التجاوز، مهما صنعوا.
وإن أرادوا إصلاح هذا الجانب السلبي السيئ، ربما سقط البناء كله، لأنه على رأي البعض أسس تفاؤلا وظاهريا على التقوى، والجهوية خلفية راسخة ومهرب عند الضرورة وغيرها أحيانا، ولذلك تمت تصفية الجناح الآدراري القوي الذكي المبدئي من التنظيم السري، تدريجيا وبدهاء، منذ سنة 1987 إبان المؤتمر السري بمقر الجمعية الثقافية، ولن يسلم شيخاني ولد بيبه من التمييع، ولو أبدى درجة عالية من التجرد الرفيع الذكي، على منوال حثه صلى الله عليه وسلم على الإنصاف، إبحث لأخيك عن سبعين عذرا، حرصا على وصلة ترابط أخوية مرنة، ولو هشة أحيانا، على غرار شعرة معاوية التي تبقى دون قطع، لكنها لا تسلم دائما من الشد والجذب، في سياق تفهم خطورة الخطإ التنظيمي السابق، القاتل، مع الحرص على التواصل الأخوي والفكري والسياسي الحذر المحدود، دون أن يصل ذلك إلى مصلحة تجديد الثقة، وإنما في حدود خدمة الهوية الإسلامية الجامعة والمصلحة الوطنية العليا، فجهويتكم طاردة ومغضبة، وبعضكم يعتبر نفسه "شعب الله المختار" وغيركم من المواطنين الموريتانيين في حساب هذا البعض المعقد جهويا المأسور بها أسفا، يعتبرونه مجرد آلة ووسيلة لوصول شعب الله المختار لمآربه وتحقيق نزواته وأغراضه ،مهما حملت من حيف وعدم إنصاف للآخر، في مجال واسع وطنيا، للأسف البالغ.
وقديما قيل في المثل: "والدعاء المعبر، اللهم لا تجعلني آلة لغني ولا كرامة لولي.
واليوم يقول لسان حال البعض، اللهم لا تجعلني آلة في يد جهوي مريض بالتعالي والكبر، دعي للمبدئية الزائفة أحيانا، وهو في الواقع مجرد "وصولي"، وليس تواصليا صادقا ،وهم الأغلب أي التواصليون الصادقون في حزبنا الواعد.
موريتانيا في الوقت الراهن مشروع دولة هش، يحتاج إلى طاولات بحث وحوار مساعي جادة للتقارب، عبر المكاشفة والمصارحة، بعيدا عن الانفعال ودواعي التزكية المجانبية، عسى أن نتقبل الخروج من مرحلة الرحم والنشأة والميلاد العسير المتأخر، وإلا ولدت يوما ما فعلا دولة موريتانيا، لكن مع عقد جهوية وعرقية وشرائحية ، كفيلة يوما ما بنسفها بسهولة مفاجئة وتركها أثرا بعد عين، إن لم نتصارح ونتصالح، قبل تبدل الطقس والمناخ العام إلى أجواء لا تسمح بذلك التصارح والتصالح، بصورة شافية مخلصة تماما، من مثالب مرحلة التأسيس، وخصوصا في السياق الحركي والحزبي والتعددي، مع بداية الثمانينات إلى منعطفنا الراهن.
ولتعلموا معشر المعارضين سواء كنتم "راديكاليين" أو "محاورين" أو "مجاورين"، أن وقت الخديعة قد ولى، وأن كل طرف سواء كان مدنيا أو عسكريا، أو من أي مشرب جهوي أو مناطقي أو شرائحي، لابد أن يجاب وينصف، قبل تجاوز هذه المرحلة، وفي الأغلب الأعم دون تفصيل وبحث تفجيري، لأن مظالم الماضي القريب مازالت آلامها مرهقة، مانعة للشراكة الآمنة المريحة، تحت مظلة دولة هادئة جامعة، وتحت مظلة الإسلام طبعا.
فالمسالمة قد لا تعني البتة "ازكيله"، والمواطنة مفهوم لم يتحقق بعد بمناصفة وعدالة وفهم سليم وتطبيق سليم كذلك.
والشعارات البراقة لا تكفي لخداع وإسكات أصحاب المظالم المشروعة البينة، القريبة العهد والتأثير الواسع.
وفي هذا السياق أقول باختصار، الجيش لم يبلغ بعد مرحلة الطابع الجمهوري، وقد لا يكون فاقدا للوطنية مع أنانية قلة منه، وهذا يستلزم على رأي أغلبهم ربما، على مستوى القيادات النافذة، يستلزم في حسابهم الخاص الصارم، البقاء في السلطة، تفاديا للانقلابات والانفلات الأمني والمشاهد الصراعية الدموية المخيفة على رأي البعض.
وفي هذا السياق لا أستبعد العبث مرة أخرى بالدستور في سياق هذه الحجج المقنعة أو على الأصح المثيرة للجدل، أي إلغاء القفل الدستوري، لأنهم بصراحة على رأي البعض أنانيون، وهذا طبع بشري سيئ، ولأنهم من وجه آخر أدعياء وطنية حقة أو زائفة، لا ننفيها ولا نثبتها تلقائيا، وبحجة أن مصالح البلد و ومصالحهم معرضة للخطر، في حالة حكمت هذه المعارضة الحالية الأنانية في نظرهم المتاجرة بالشعارات في أغلب الأحيان وربما في أكثر الأوقات حرجا، وربما زاد الطين بلة، تعامل جزء معتبر من هذه المعارضة الراديكالية بالذات مع رجل أعمال ملياردير، يطمح للرجوع لساحة النفوذ الواسع بأي ثمن، ويدعي البعض أن دولة مجاورة تستضيفه  وتقف وراء مخطاطاته عن قصد وسبق إصرار، ولو لم يكن ثمة تنسيق مع الجهات الرسمية في تلك الدولة، رغم أنه يحمل الجنسية الفرنسية، لما استمر في هذا التوجه المريب المهدد لاستقلالية البلد.
وللتذكير تحسب المحاولة الانقلابية على هذه الدولة المشار إليها، وذلك في وقت سابق أيام حكم ولد هيداله، عندما وقع ذلك الانقلاب الدموي الفاشل، يوم 16 مارس1981.
إذا معارضة انقلابية، حسب إدعاء النظام القائم لعب بها ولد غده المنفذ لتوجيهات ومخططات محمد ولد بوعماتو وأهدافه البعيدة، المشوبة بتهمة التنسيق مع المغرب واللوبي الفرنسي "فرانس آفريك" وكادت أن تسقط معارضتنا الراديكالية أو بعضها على الأصح في فخ ومخططات ولد بوعماتو، ظنا من بعضهم أنها تستطيع إسقاط عزيز ببوعماتو وأو باعل قبل ذلك تغمده الله برحمته الواسعة، وخصوصا دريهمات ولد بوعماتو أو على الأصح أمواله المتدفقة العابرة للقارات، لصالح البشمركة من بعض الزملاء الجائعين المتلهفين لكل رغيف أحيانا ، ولو كان في العاقبة قاتلا بسبب السموم والمآل وأساس الظلم والتآمر والعمالة.
وتوصل أيضا هذه الدراهم والرشاوى لقطاع واسع من الناس وباستمرار ،غرض الوصول يوما للمخطط المرسوم، ولو عن طريق محاولات التصفيات الجسدية الفاشلة.
وعود على بدء في موضوع المعارضة الراديكالية، لا أستبعد في وقت لاحق وبعد مراجعة جادة متجردة من قبل هذه المعارضة لسائر ملفاتها وتجاربها المصيبة والمتعثرة على السواء، أنها قد تساهم يوما في تكريس دولة العدل والحكم السياسي الإيجابي المتوازن، ولكن ذلك المأمول ليس في الأفق القريب حسب فهمي الخاص.
وفي الحلقة الثالثة من هذا العنوان، سأحاول بإذن الله الإجابة على بقية التساؤلات المذكورة في مطلع الحلقة الأولى والحالية.
وعموما نستذكر شكرا وتواضعا لله، ما من صواب فمن الله وما من خطإ فمني.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

ثلاثاء, 22/08/2017 - 08:01