القرآن دعا لتحرير العقل من الظنون والأ وهام وأقام منهج الاستدلال علي الربط بين عالم الغيب والشهادة والبناء علي البديهيات المحسوسة والمسلمات الفطرية فكثرت فيه الدعوة إلي النظر في ملكوت السماوات والأرض وإلي السير بالعقل علي درب المشاهدة والملاحظة فبني يقينا راسخا وإيمانا صادقا (( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض )) ((أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء )) وحين سلكت العلوم التجريبية ذالك المسلك كشفت من الدلائل والبراهين ما يفوق الوصف ورأي الناس من آيات الله في الآفاق وفي الأنفس مصداق قول الله تعالي ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبن لهم انه الحق )) وقدمت للبشرية من الخير ماينعم به الإنسان اليوم وامكنت من استثمار مسخرات الكون العظيمة ومنهج القرآن إبعاد العقل عن الإيغال في التصور الذهني المجرد الذي لا تسنده الأدلة الحسية الخارجية لأنه لا يعدوا دعوي خيالية في أذهان معتقديها سهلة النقض والتشكيك ضعيفة الأثر في واقع الإنسان والحياة واعتبر إنارة العقل مربوطة بحياة القلب وثمرة العلم محتاجة إلي التزكية فراعي الفطرة وقيد غرور العقل بالتزكية وضبط جموح العاطفة ببرهان العقل وحين يعرض آيات الكون يبرز دلالتها علي الخالق وصفاته فيدعوا العقل إلي معرفته والإيمان به ويظهر النعمة بها علي المخلوق والإحسان علي الإنسان فيدعوا القلب إلي محبة المحسن والحياء منه ويعتبرها بذلك تبصرة للعقلول وتذكرة للقلوب فكل عقلانية ومنطقية لا تهتم بمجاهدة النفس وزكاة القلب عاقبتها ترف فكري وجدل منطقي عقيم وبرود في السلوك وجمود في المشاعر وكل عاطفة لا تهتم بالبراهين والأدلة وفق المنهج القرآني فهي مضطربة اضطراب العاطفة معرضة لهيجانها وجموحها غير محصنة من الشعوذة والدجل قابلة للغلو والإفراط وصراط الله المستقيم الذي بعث به الرسل وأنزل به الكتب يخاطب فيه العقل والقلب معا ويبعث انوار العقل ويلبي اشواق الروح وينسجم مع الفطرة ويشفي من الفصام النكد الذي عانت منه الفلسفات الأرضية
التي فشلت في مخاطبة الإنسان كيانا واحدا ومزقته شرممزق وتسربت إلي الثقافة الإسلامية تناقضات تلك الفلسفات فقطعت اوصالها ولا نجاة من كل ذالك إلا بالعودة إلي منهج القرآن والتزام
خطاب الرسل صلوات الله وسلامه عليهم الجامع الذي خاطب البشرية علي اختلاف ازمنتها وأمكنتها والنظر في أساليبهم في المحاجة والمجادلة من لدن نوح إلي محمد عليهما الصلاة والسلام ((قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلي اجل مسمي )) ويمتاز خطاب القرآن بالجمع بين القرب والعمق فيؤثر في العامة والخاصة ويسقي كل واد بقدره وبالإقناع والترغيب والترهيب وكان بذالك عظيم النفوذ إلي مدارك الإنسان وشعوره لا يدانيه في ذلك أي خطاب والتزم بهذا الخطاب المصلحون المجددون الذين جمعوا بين التجديد والمحافظة وأعملوا العقل في حدود إمكاناته واستسلموا للوحي في قطعياته ولم ينهزموا للواقع وضغوطاته وتوسطوا في التحرر والانفتاح وانضبطوا في الاجتهاد والتجديد وعملوا علي التحصين من الشبهات دو ن قصد إثارتها وعلي الاستعلاء علي الشهوات دون منابذتها وتعاملوا بالعدل مع التراث البشري رفضا وقبولا وكتب هؤلاء مادة ثرية علي شبابنا حسن الا نتفاع بها والتعامل معها مراعين فروق الزمان والمكان وحدود المتغيرات والثوابت وعوارض المرونة والصلابة ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذالكم وصيكم به لعلكم تتقون )) (( قل إنني هداني ربي إلي صراط مستقيم دينا قيما )) (( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذالك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) اللهم آتنا رحمة من عندك وعلمنا من لدنك علما.