مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

حتى أنت يا صديقي .. حق الرّد الدستوري / د.حاتم ولد محمد المامي

سيدي الرئيس و صديقي العزيز د. الصوفي لم أكن لأجيبك و انت تخاطب بأفكارك النيرة و عقلك الراجع جهة حددتها بالإسم، لولا أنك وجهت تساؤلاتك لكل المختصين؛ فقبل أن أجيبك فيما اختلف فيه معك، دعني استعرض معك مسائل أشاطرك فيهما ما ذهبت إليه في مقالك.
1. أوافقك على أن انشاء هيأة "تتصدى للإشكالات الدستورية والقانونية بغية تكريس دولة القانون، كما أعلن أصحاب المبادرة، هو أمر جيد بلا شك، 

بل ومطلوب وتتأكد الحاجة إليه في مثل الظروف التي تمر بها بلادنا حاليا". لكن ما لا تعرفه انت، و ربما أصحاب المبادرة التي ذكرت، أن هذه الهيأة موجودة و معترف بها كمنظمة غير حكومية منذ بداية 2007 و لي كامل الشرف بترأسها حتى يومنا هذا و هي تضم العديد من القانونيين المهنيين الذين لا تعنيهم الساسة من قريب و لا بعيد و أغلب أعضائها الآن هم في الخارج لدى مؤسسات دولية و اقليمية.
2. صحيح "لم نجد من بينهم شخصا واحدا ينتمي للطرف المعارض الذي يرى غير ما يراه النظام بخصوص المسألة المثارة، كما أنهم تناوبوا جميعا على ترديد نفس الرأي دون أن يحيد عنه أي منهم على نحو ما تابعنا في وسائل الإعلام، وإذا كان ذلك مقبولا بالنسبة للهيئات السياسية كالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وائتلاف أحزاب الموالاة التي تعقد من وقت لآخر أنشطة لشرح مواقفها، فإن الأمر ليس على ذلك النحو بالنسبة للهيئات العلمية".
3. رغم أنني لا أرى معك أن هناك خلاف قانوني و أنما هناك جدل سياسي بامتياز في حلبة القانون الدستوري، و ذلك أمر واقعي؛ أوافقك أن ما حصل في ذلك اليوم العلمي أتى بنتائج عكسية بإعادته للاستقطاب السياسي حول الموضوع في ثوبه السياسي. فلقد احجم عقلاء السياسيين و نبهاء القانونيين عن التشكيك في تعديل الدستور من خلال الاستفتاء عن طريق المادة 38 إثر المقال الذي نشرته قبل أن يقرر رئيس الجمهورية اللجوء إلى هذه الطريقة. (باليوم و الساعة و الدقيقة http://essirage.net/node/10309 http://essaha.info/?q=node/15359    http://rimnow.com/a/78-2012-11-07-10-08-30/6547--38----------.html ...).
أما ما اختلف فيه معك فسأحاول أن أبيّنه من خلال الإجابة على تساؤلاتك، و كلي يقين أنك من أهل الحق و الذكاء، ولا يفحم إلا هذين الصنفين.
التساؤل الأول: "في نظركم أيها المختصون، هل يحق للرئيس بناء على المادة 38 أن يستفتي الشعب حول تعديل المواد المحصنة في الدستور انطلاقا من أن تلك المادة تبيح له الدعوة للاستفتاء حول أي مسألة تتعلق بتعديل الدستور؟ إذا كان الجواب بنعم فما فائدة التحصين أصلا؟ وهل جاء عبثا أو عن غير قصد؟ أما إذا كان  الجواب بلا ، كما سبق لبعضكم أن صرح به، فما الذي يجعل بعض مواد الدستور مقيدة لحق الرئيس في اللجوء للمادة 38، ولا يجعل المادة 99 الواقعة تحت الباب الحادي عشر الخاص بتعديل الدستور مقيدة له؟ إنه لإشكال كبير يتعين عليكم تحضير إجابة عليه".
الجواب :
1.  سييدي الفاضل " لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية". هذا نص المادة 38، لا يحتاج فهمه إلى مختص و لا إلى قانوني. و بالمناسبة هو لا يخول أي سلطة للرئيس، كما يعتقد الكثير من الخائضين في هذا الموضوع بل تلك مغالطة من بعض المختصين و خطأ من المتدسترين. إن هذه المادة هي الوحيدة التي تفتح للشعب ان يمارس السلطة التشريعية و السياسية مكان البرلمان و الهيأة التنفيذية كما تنص المادة 2 من الدستور.
2. فائدة التحصين، يا دكتور، تكمن في أنه تقنية تجعل أي مساس بالمواد المحصنة ينسف المنظومة الدستورية برمتها؛ إلا أن هذا لا يعني أن الشعب كتب عليه أبد الآبدين أن يعيش في ظل آليات رأى في فترة من تاريخه أن الأفضل له. لم يجئ التحصين عبثا بل كان نتاجا لإجماع و طني و لم يأتي عن غير قصد و لكنه أتى عن طريق أخرى غير مواد الباب الحادي عشر و بالتحديد عن طريق المادة 38، لذلك من شكك في شرعية هذه الطريقة ينسف دستورية التحصين الذي اكتشف مؤخرا كباقي آليات الدستور.
3. أما ربط المادة 38 بالمادة 99 فليس إشكالا، كما ذكرت آنفا، ولا يستحق التعليق من مختص، لكن من لا يتقن الفنيات الدستورية يفرح باكتشافاته الساذجة. فهل يستطيع البرلمان من خلال مسطرة مراجعة الدستور الواردة في الباب الحادي عشر أن يمس المواد المحصنة؟ الجواب طبعا لا يمكنه ذلك وفقا لما أسلفت فيما يتعلق بفائدة التحصين. 
التساؤل الثاني: ما فائدة التبويب إذا كان لا يجعل المسألة مندرجة تحت ذلك العنوان لا غيره؟
الجواب:
1. التبويب هو عمل شكلي يسهل قراءة النص و يوضح المواضيع التي ينظمها ولا يؤثر على القراءة المتشابكة للآليات و الفنيات التي تم إقرارها و التي لا يمكن أن يقوم بها إلا المختصون في النص المذكور. مثلا إذا كان الجمود على عنونة الأبواب، كمؤشر قانوني، لن يصح اقرار أي قانون مهما كان شكله (دستور، تشريع، أمر قانوني) إلا من خلال البرلمان حسب المادة 56. و لن يستطيع البرلمان أن يشرع خارج المادة 57 (مجال القانون) في الباب الرابع، رغم أنك لن تجد بابا في الدستور إلا وجدت موضوعا يدخل في مجال القانون. هل نرفض أي قانون يعتمد على مواد تلك الأبواب بحجة أنها خارجة عن الباب الذي حدد فيه مجال القانون؟ لا يمكن طبعا ذلك، كما لا يمكن حصر امكانية تعديل الدستور في الباب الذي افرده المشرع الدستوري لها.
2. ثم إن وجود مسارين لتعديل الدستور ليس نحن، المدافعين عنه من خلقناه بتأويلاتنا، و إنما أصرّ علية الدستور نفسه في المادة 40 "لا يمكن إدخال أي تعديل على الدستور عن طريق الاستفتاء أو عن طريق البرلمان خلال فترة الإنابة". هاتان طريقتان واضحتان لا تحتجان لمتخصص للتفرقة بينهما. لو أراد المشرع الدستوري استحالة اجراء التعديل إلا عن طريق البرلمان لقال "عن طريق الاستفتاء أو عن طريق المؤتمر" و هذين مآلي كل مراجعة للدستور تأتي عن طريق مبادرة البرلمانيين.
3. ثم أن هناك من لا يدرك، مع كامل الأسف، أن الاستفتاء الوارد في المادتين 100 و 101 يختلف عن الاستفتاء في المادة 38 و يختلفان عن صور أخرى للاستفتاء في الدستور، كتلك الواردة في المادة 2 (ممارسة مباشرة للسلطة عن طريق الشعب)  أو المادة 78 (التصرف في التراب الوطني)؛ و إن كانت كل تلك الصور توحّدها المادة 85 حيث في جميع الأحوال "يسهر المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء ويعلن نتائجها".
التساؤل الثالث: "ما ذا سيكون موقف هؤلاء الخبراء لو فرضنا جدلا أنه تم اعتماد هذه التعديلات بناء على إعمال المادة 38 من الدستور التي لا يعترف كثير من الناس بأحقية الرئيس في اللجوء إليها في مثل هذه الحالة، وأن هذا القسم من الناس رفض بناء على ذلك الاعتراف بمضمون تلك التعديلات وتمسك بمضمون الدستور قبل تعديله، هل سيقولون للرئيس حينها إن عليك أن تغلق مقرات الأحزاب والهيئات والمنظمات والمؤسسات التي لا تعترف بشرعية هذه التعديلات؟ ولا تقبل بما يترتب عليها وأن تصادر ممتلكاتها وأن تزج بأعضائها في السجون وأن تدخل البلاد في مواجهة بين النظام ومعارضيه لأنك في نظر البعض، لا الكل، تملك حق تعديل الدستور وفق المادة 38؟ فما الذي يجعل نخبة من المختصين ورجال السياسة المنتمين للنظام الذي يتحمل مسؤولية إدارة البلد في هذه المرحلة، ويتعين عليه حماية مصالحه واستقراره تدفع في هذا الاتجاه بغض النظر عن أهمية التعديلات المقترحة من عدمها؟
الجواب:
1. إذا عرضت التعديلات الدستورية على الشعب من خلال الاستفتاء و أقرّها، لن يكون معارضي الاصلاحات الدستورية الجديدة في مواجهة مع إرادة رئيس الجمهورية و لا مع المشاركين في الحوار الذي أخرج المقترحات المعروضة. إنما سيكون هناك خصام مباشر بين المعارضين لها و بين أغلبية الشعب الموريتاني، فردا فردا من من صوتوا لها. عندها، على الذين يعارضون حق الشعب في التعبير عن وجهة نظره و يعترضون على كلمته، عليهم أن ينسحبوا من الديمقراطية في موريتانيا و يبحثون عن شعب آخر يمارسون عليه هواياتهم السياسية و يزرعون أفكارهم و تصوراتهم.
2. ولتكملة الإجابة ، صديق العزيز، دعني أسؤلك وفق المنطق و الرؤية القانونية و السياسية التي يتبناها ذلك القسم من الناس كما سميّته، ماذا لو عدل رئيس الجمهورية عن الاستفتاء و اعترف مع أغلبيته بعدم شرعية تعديل الدستور عن طريق الاستفتاء. غير أنه، كنتيجة للانضمام إلى رأي ذلك القسم من الناس، "رفض (مع انصاره) بناء على ذلك الاعتراف بمضمون تلك التعديلات وتمسك بمضمون الدستور (سنة 1991) قبل تعديله (سنة 2006 حيث تم تحديد عدد مأموريات الرئيس و تم تحصينها عن طريق استفتاء بعيدا عن البرلمان) ؟"
هل سيدرك ذلك القسم من الناس أنه كان يخوض مع الخائضين و أي منقلب سينقلبون؟

جمعة, 28/04/2017 - 08:19