عثمان جدو
قرأت مقالا لأحد الشيوخ الموقرين عنونه ب" أزمة الشيوخ.. المسار والمآلات" وبين فيه أن أسباب تصويت أغلبية الشيوخ ضد مشروع التعديلات الدستورية الذي تقدمت به الحكومة؛ من أولها أن الحوار كان أحادي الصوت والمنحى!، أو لم تكن هناك معارضة تصنف نفسها كذلك وينظر إليها المراقبون كمعارضة تختلف عن النظام في التوجه والميول السياسيين؟
بعد ذلك قدم *الشيخ الكاتب* ماجرى على أنه عكس عمق أزمة يعيشها النظام لا في علاقته مع الشعب والمعارضة بشكل عام وإنما في بيت الموالاة وأنه أظهر النهج المتبع؛ نهج الاحتقار و الاستهزاء الذي عزا أن الرئيس استمرأه في تعامله مع البشر!؟.
لا أعتقد أن هذه العبارات والملاحظات تتمتع بالدقة والمصداقية الكافية؛ لأسباب منها أن الشعب في حقيقة الأمر لا تعبر عن قناعته تلك الصراعات والصدامات التي تعيشها النخب السياسية سواء كان ذلك بين المعارضة والموالاة أو بين المعارضة المحاورة وتلك المحجمة أو بين الموالاة الصادقة في موالاتها و تلك المظهرة للائها بعد نعمها، كما يحلو للبعض؛ لأن هذه الصراعات مبعثها غالبا حظوظ شخصية وصراع مكاسب وازدحام على مقاعد وزحام انتفاع لا أقل ولا أكثر.
لا أرى أن هذه الأزمة وليدة للرؤية الأحادية-كما تفضل الكاتب- وأنها نتاج لاحتقار الآخر ولفرض رأي غير متناسق؛ بقدر ما هي رؤية ومحاولة تجديد نهج، ضخا لدماء جديدة وكسرا لروتين الحركة المؤسسية الوطنية التي عشعش فيها الكلل والملل حتى صارت ملاذا لعشاق النوم العميق.
التهجم على الصحافة لا يأتي بفائدة وذكر الرئيس بما لا يليق فيه ازدراء للدولة -حكومة وشعبا وهيئات أخرى- لأنه ببساطة رمز مادام رئيسا وتبقى له قدسيته وهيبته حتى وإن آلت الأمور إلى غيره، لكن في نفس الوقت ينطوي الأمر بشكل عام على شيء من الإيجابية من خلال إظهار حقيقة الديمقراطية الوطنية وإثبات تجذر الحرية التي أصبحت البلاد تنعم بها، وهي حقيقة تقال ولا ينبغي أن يحجبها اختلافنا الفكري والسياسي.
نفس العتب الذي كنا نلقي به على بعض الوزراء لتهجمهم على السادة الشيوخ، وكنا ومازلنا نحسب الأمر غلطة مهما كان الهدف، والعبارة تحسن وتخشن، نعيب عليك أيها الشيخ وعلى كل الشيوخ عيب الآخر ويشتد ذلك وتكبر الغلطة وتظهر السقطة عندما يصل إلى عيب الرئيس والحكومة.
قد لا نكون موالين ولا حتى معارضين حتى نصدر مواقف كهذه، الإنصاف ينبغي أن يكون هو المنطق والمعيار.
لا أعتقد أن ما ذهب إليه السادة الشيوخ كان حفاظا وذودا عن المقدسات-كما يزعم البعض بقدر ما هو حفاظ على المصالح والامتيازات؛ لسبب بسيط هو أنه لو لم يكن حل مجلس الشيوخ مطروحا لما كانت معارضتهم لأي شيء ولما كان هناك تمرد لأنهم عودونا على أنهم سباقون إلى إرضاء النظام أكثر من غيرهم والزمن يشهد، لكن هذه المرة عندما كانت المصلحة الشخصية هي المهزوزة ولا أقول المتضررة لأن البديل لما يجرب بعد ومصلحة الوطن -حسب من قدموا المقترحات هي المرجوة هنا بالذات تصادمت المصلحة الضيقة مع مصلحة الوطن، وقدمت الأولى على الثانية وفضلت الصغرى على الكبرى!.
لا نتفق على أن تجديد الشيوخ خيارا مطروحا ولا نعتقد أن هناك حل أسلم وأنسب من الاستفتاء الشعبي؛ لأن لرئيس نفسه يستمد شرعيته من تصويت الشعب عليه ونواب الجمعية يكتسبون شرعيتهم من اختيار الشعب لهم بصفة مباشرة واختيار الشيوخ بأسلوب غير مباشر كان يؤخرهم خطوة في منظور فقهاء ومثقفي السياسة المحلية التي تختلف تداعياتها و أليات التحكم فيها عن كل
البيئات الأخرى.
إن اللجوء إلى الشعب هو الخيار الأنسب والأكثر مصداقية بغض النظر عن التكلفة الإجرائية وطبعا لكل تصرف فاتورة ولكل جهد ضريبة.
المهم أن الشعب لا ينطلق الفرد منه على المراهنة على الكراسي و لاتتحكم فيه العلاوات و الامتيازات وإن كانت هناك بعض الاستثناءات التي يتحرك أصحابها خلف بائعي الذمم وتجار المواقف.