مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

خيارات الرئيس الصعبة

 الهيبة ولد الشيخ سيداتي

أثارت أزمة تصويت غالبية شيوخ الحزب الحاكم ضد مشروع السماح بتعديل دستوري ارتباكا كبيرا في صفوف الأغلبية الحاكمة في البلاد، ومن مظاهر ذلك الارتباك الإسهاب في بسط وتعداد الاقتراحات المتاحة أمام الرئيس لتجاوز أزمة الرفض غير المسبوق بهدف التقليل من تأثير هذه الخطوة، لكن تلك المقترحات في الواقع تخفي في طياتها في حال تطبيقها صعوبات جمة قد لا تقل في مآلاتها عن رفض الشيوخ لمشروع القانون الدستوري القاضي بالسماح بتعديل دستور العشرين يوليو 1991.

ودون الخوض في أسباب تصويت الشيوخ الذي لا يؤثر طبعا على النتائج القانونية لرفضهم - مهما كانت تلك الأسباب - فاني سأعرض بعض الصعوبات التي تواجه خيارات الرئيس لمعالجة أثر التصويت الرافض والتي بسطت لنا بأنها سهلة وميسرة.

يمكن تقسيم هذه الخيارات المتكاثرة – التي سنتوقف مع الصعوبات التي تواجهها - إلى خيارات دستورية، أو تحت سقف التعديلات الحالية، وخيارات أخرى سياسية، أو خارج سقف التعديلات الحالية، وذلك على النحو التالي:

أولا: الخيارات الدستورية
ويعني الأخذ بهذه الخيارات التحرك في أفق المتاح دستوريا، وهو أمر في غاية التعقيد سيما في ظل اختلاف المتخصصين في القانون الدستوري حيث بدا جليا أن محرري الدستور المتعاقبين تركوا ثغرات كثيرة لم يحسمها المشرع، وتركت الباب واسعا أمام التفسيرات المختلفة ويمكن ذكر نماذج من هذه الخيارات على النحو التالي:

1ـ الخيار الأول: وقف المسار؛ وذلك باعتبار خطوة الشيوخ برفض التعديلات الدستورية خطوة ديمقراطية تدخل في إطار صلاحياتهم الدستورية، وبالتالي فرفضهم لهذا التعديلات بمثابة قرار إعدام لها، ورأس السلطة التنفيذية يحترم التفاعلات الديمقراطية، ويقر للسلطات الأخرى حقها في ممارسة ما يكفله لها الدستور من صلاحيات.

ويمكن هنا الاستئناس بتجربة الرئيس الفرنسي الحالي افرانسو هولاند مطلع العام الماضي حين رفض البرلمان مقترحات دستورية تقدم بها وتضمنت إسقاط الجنسية عن المدانين في عمليات إرهابية، وقد توقفت محاولته بعد رفضها.

وتواجه هذا الخيار صعوبات أوضحها أنه لا ينسجم مع شخصية الرئيس المكلوم في هيبته وكبريائه، فضلا عن أنه سيزيد من تمرد الأتباع وتلاشي عرى الدعم خاصة مع تنامي البحث عن الرئيس القادم وقرب استحقاقات 2019.

2ـ الخيار الثاني: الركون إلى المادة 38 من الدستور الموريتاني، والتي تمنح الرئيس الحق في أن "يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية"، مسنودة بالفقرة الأولى من المادة: 2 من الدستور والتي تؤكد أن: "الشعب هو مصدر كل سلطة"، واعتماد هذا الخيار الذي سبق تجاوزه – من خلال الحرص على المرور بغرفتي البرلمان - حرصا على تجنب التشكيك القانوني في تعديلات تواجه هجمة شرسة من التشكيك السياسي في مبدئها ومآلاتها، وسيعني اعتماد هذا الخيار المزيد من آليات الطعن القانوني في التعديلات إن اجتمعت مع الطعون السياسية لأصل التعديلات فستزيد من تعميق التأزم في البلد.

3 ـ اللجوء إلى مؤتمر برلماني: وهذا الخيار الثاني ضمن الخيارات المنصوصة في مواد مراجعة الدستور، وذلك في المادة: 101، ورغم تأكيد عدد من خبراء القانون الدستوري أن تصويت الشيوخ برفض المشروع يفوت هذا الخيار، ويجعل مقترح التعديلات في حكم المعدوم إلا أن الالتفات على هذا الفوات في ظل تباين رؤى الخبراء الدستوريين يجعل الخيار قائما ضمن الخيارات الدستورية.

ويمكن لهذا الخيار أن يضمن إجازة التعديلات دون مشاكل كبيرة، تماما كما أجيزت تعديلات 2012، وذلك أنه لا يشترط فيها سوى الحصول على ثلاثة أخماس غرفتي البرلمان مجتمعتين في مؤتمر، وهي نسبة تجاوزتها النسب التي حصلها مشروع القانون الدستوري خلال عرضه على الغرفتين متفرقين خلال الأسابيع الأخيرة، حيث حصل على 121 نائبا، و20 شيخا، وهو ما يعني تصويت 141 لصالحه من أصل 203 هم مجموع أعضاء الغرفتين، وهي نسبة تقارب 70%.

وأبرز الصعوبات التي تقف في وجه هذا الخيار هي صعوبات قانونية تتعلق أساسا بمدى قانونية العودة لخيار المؤتمر بعد سقوط التعديلات في المسار الآخر وهو مسار الاستفتاء بفعل تصويت الشيوخ على رفضها، فضلا عن كونه غير مضمون النتائج فقد يزداد المعارضون للتعديل.

ثانيا: الخيارات السياسية
وهي خيارات متنوعة، لكنها لا تبدو أقل صعوبات وعقبات من الخيارات الدستورية، واعتمادها قد يفاقم الأزمة السياسية في البلاد، وتبرز في هذا الصدد جملة من الخيارات من بينها.

1 ـ استعادة الكبرياء: ومن أبرز الخيارات السياسية أن يسعى الرئيس ولد عبد العزيز إلى استعادة كبريائه المجروح من خلال قرارات قوية وجريئة، وعقوبات رادعة لمن يرى أنهم يتحملون مسؤولية ما حصل، وذلك من خلال إقالة الحكومة، وإبعاد رئيس الحزب الحاكم، تماما كما فعل ولد الطايع مع الأمين العام للحزب الجمهوري لوليد ولد وداد، والوزير الأول الشيخ العافية ولد محمد خونه بعد محاولة انقلاب الثامن من يونيو.

ويمكن فهم – وربما توقع - هذا الإجراء من الناحية السياسية، لأن هناك خللا سياسيا حصل، وينبغي تحميل بعض المحكوم بهم المسؤولية عنه.

وأصعب ما في هذا الخيار أنه سيوصل رسالة بأنه جاء لتكريم المغاضبين من شيوخ الحزب الحاكم بإزالة خصومهم من المشهد وتشجيعهم على التمرد الداخلي، وهو ما يمكن أن تكون له انعكاسات خطيرة على المشهد السياسي داخل أحزاب الموالاة، والحزب الحاكم تحديدا.

2 ـ التحقيق والتجديد: أما الخيار السياسي الثاني فهو تحجيم القضية برمتها، ومضايقة زخمها من خلال حصرها في قضية حزبية داخل الحزب الحاكم، وتكليف قيادة الحزب بإجراء تحقيق يكون هدفه كشف من صوتوا ضد خياراته، ثم معاقبتهم بالطرد من الحزب، وذلك عبر الآليات السياسية التقليدية والأدوات الحزبية المنصوصة.

ويتبع هذا التحقيق – أو تتزامن معه – دعوة الحكومة للهيئة الناخبة للشيوخ لتجديد شامل لأعضاء هذه الهيئة باعتماد الفتوى الصادرة عن المجلس الدستوري، والقاضية بعدم قانونية التجديد المتدرج لهم

3ـ  أما الخيار الثالث ضمن الخيارات السياسية فهو التوجه نحو كتابة دستور للبلاد، يصاحبه الإعلان عن جمهورية جديدة، وأصعب ما في هذه الخطوة في حال اعتمادها هو أنها لا بد أن تكون مسبوقة بأحد أمرين:

-​ أحدهما: تنظيم حوار سياسي أكثر شمولا، وهذا سيعقد المشهد السياسي وسيزيد من ضعف الرئيس أمام معارضيه.

- والثاني: أن يسبقه تعطيل العمل بالدستور الحالي، وهو ما سيصنف باعتباره انقلابا جديدا، سيكون أكثر كلفة من السكوت عن رفض الشيوخ للتعديلات.

وتقف أمام هذين الخيارين صعوبات جمة منها أن طرد الشيوخ من الحزب لا يكفي لضمان خسارتهم إذا سعوا للعودة للمجلس في الانتخابات التي سيجري تنظيمها عبر الترشح بأسماء أحزاب أخرى، وتحديدا إذا استخدموا رمزية تصرفهم، والأموال التي حصلوا عليها طيلة السنوات الماضية في ظل طغيان صوت المال في انتخابات الشيوخ، وتأثيرها على كتلة ناخبة محددة.

أما الصعوبة الثانية فهي سياسية، وملخصها أن اللجوء لأحد الخيارات السياسية يعني القضاء النهائي على مشروع التعديلات الدستورية الحالية لأنه من غير المنطقي أن تنتخب مجلسا لتطالبه بحل نفسه فور انتخابه.

ورغم وفرة الخيارات أمام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتعددها، وتنوعها، فإن تكلفة كل واحد منها، والصعوبات التي تقف أمامه، والنتائج السلبية التي يمكن أن تترتب عليه، يجعل الترجيح بين هذه الخيارات أمرا في غاية الصعوبة، وقد يصل درجة المفاضلة بينها بناء على معيار الأقل كلفة، بدل البحث عن الفرص السياسية في ثناياها.

ويمكن وصف اللحظة السياسية الراهنة بأنها تتسم بثلاث سمات بارزة أولها سمة الحيرة المطبقة على أغلبية منقسمة لم يحدد فيها الرئيس البوصلة لأنصاره ومغاضبيه.

وثانيتها: اختلاف التفسيرات التي يقدمها خبراء القانون الدستوري وإن أجمع جلها على تضييق الخناق على خيارات الرئيس.

والسمة الثالثة أن الخروج من الأزمة الراهنة يتطلب موقفا غير تقليدي يضمن الخروج من النفق دون المساس بمقومات الدولة.

اثنين, 20/03/2017 - 00:01