مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

للإصلاح كلمة موجهة إلى كل من الموالاة والمعارضة وما بينهما

بقلم الأستاذ: محمدو ولد البار

 

كلمة الإصلاح هذه المرة أرادت أن توجه قلمها إلى هذه المسميات المعروفة عند هذا الشعب المسلم الذي من فضل الله عليه أن جعله كله مسلما ولا أدل على ذلك من كثرة ما اجتمع من الحشود داخل المطار القديم (فيما أسموه بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم) تلك الحشود التي ـ وإن كانت احتشدت بالعاطفة الإيمانية فقط دون أن تفكر هل هذه هي الطريق المستقيم الذي يأمر الإسلام في مثـل تلك النازلة موضوع الحشد؟) إلا أنه بالقطع يعبر أن أصحابه يؤمنون بالله وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبـيا ورسولا وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.

 

واجتماع كل هذه العقيدة في قـلب كل مواطن موريتاني هو الذي جعل كلمة الإصلاح هذه توجه هذا المقال إلى الشعب وخاصة الموالاة منه والمعارضة تلك التسمية المأخوذة من السياسة فقط دون عرضها على الإسلام فهي وإن كان فيه أصولها ولكن لم يرعوها حق رعايتها.

 

فمن المعلوم أن الشعب الموريتاني متفق على أن موريتانيا دولة ديمقراطية رئاسية رأسمالية بمعنى أنها تؤمن بحق الملكية الخاصة الشرعية، وكذلك فإن الشعب متفق على مدة سنين الرئاسة فيمكن لأي شخص صالح دستوريا أن يكون رئيسا لهذا الشعب أن يترشح لذلك، ولم يبق بعد الاتفاق على هذه الأشياء الأساسية إلا الكارثة الكبرى وهي كون جميع الموريتانيـين من الموالاة والمعارضة رغم إيمانهم الكامل المتـقدم لا يدركون معنى قوله تعالى {ولقد جئتمونا فرادى كما خـلقناكم أول مرة}: سواء كانوا موالاة أو معارضة: وعندئذ فأكثر هذه التجمعات ستكون غدا وبالا على أصحابها فكل واحد سيتبرأ من صاحبه إلا من أسلـكها الطريق المستقيم فيحب لله ويكره لله.

 

فهم يعرفون جميعا أن هناك أسئـلة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا سئـل المرء عنها: لماذا عمل كذا أو قال كذا؟، فالسياسة بمعنى الموالاة والمعارضة وإن كان أصلها في الإسلام ليس منهيا عنه إلا أنه مطلوب بضوابط منصوص عليها في الإسلام.

 

فالموالاة يقول فيها المولى عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} أي من جنسكم في الإيمان بمعنى مؤمنون مثـلكم، أما الأحاديث في طلب استمرار الولاء فكثيرة منها الحديث الذي آخره: "ما لم تروا كفرا بواحا لكم عليه من الله برهان".

 

وكذلك فإن المعارضة يقول فيها تعالى {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبـئس ما كانوا يصنعون} ويقول تعالى {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تـثبـيتا وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما} أما الأحاديث فكثيرة ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عـد من الشهداء من قال كلمة حق أمام سلطان جائر فقـتـله الخ مع التحفظ على وصف بعض أشخاص المعارضة بالربانيـين أو الأحبار مع أنها خصوصية من الله يمكنه أن يعطيها لكل مصطفى عنده سواء كان موال أو معارض، فجميع المؤمنين أصحاب العقيدة الذين أورثهم الله كتابه بمعنى الإيمان به فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات صالح للربانية.

 

ولكن الطامة الكبرى هي أن يأخذ المسلم طريقا لحياته الخاصة بأسرته بمعنى حياته على جهة وحياته في المجتمع على جهة أخرى ويظن أن سلوكه فيها غير خاضع لأوامر الله المتدخلة في العلاقة بين المرء ونفسه وبين المرء وجيرانه وبين المرء ومجتمعه في حالة رضاه وغضبه.

 

فطريق السياسة لا تـنسخ هذه الأوامر والنواهي من الله والتي سوف يحاسب عليها الإنسان طبقا لقوله تعالى {وإن كان مثـقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين}.

 

إنه مهما وضعت هذه المجتمعات من القوانين في تسيـيرها الداخلي فـلن يكون بديلا لتـنظيم قوانين الله للحياة الداخلية للمسلم.

 

فالله يقول {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بـينك وبـينه عداوة كأنه ولي حميم} ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه (المسلم) ما يحب لنـفسه".

 

فنحن المستمعون والقارئون نرى ونسمع من المواقف من كل من الموالاة والمعارضة ما لو عرضناه على النصوص الإسلامية لوجدنا أن الإسلام ينهى عنه رأسا وينهي عن ما وراءه من الحقد والكراهية  ومن ذلك ما يتصور للموالاة أن موالاتهم تبـيح لهم أعراض المعارضة، وأن أي واحد منهم يدير أي مسؤولية لا يمكن أن يجعل منها حظا لأي مواطن معارض أو يتعاطف مع المعارضة، وهذه الفكرة تبدأ من الرئيس جارة طرفها على جميع الوزراء والمدراء ورؤساء المصالح.

 

فهل يظن أي مسلم أن انـتسابه للموالاة (وإن أعجب موقفه ما فوقه من الموالين) تعفيه من المساءلة عنه يوم القيامة، لماذا منع المواطنـين حقا تعطيه لهم مجرد مواطنـتـهم.

 

فمثلا لو طـلبت قرية معارضة أو يشتهر فيها شخص معارض لأي مرفق من مرافق الحياة أيا كان لرفض طلبها فورا وبعذر لا يمكن أن يقال إلا في الدنيا قـبـل الموت.

 

فالله يقول لهذه التجمعات التي لا تسوس نفسها طبقا لتعاليم الإسلام {وقـفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تـناصرون بل هم اليوم مستسلمون وأقـبل بعضهم على بعض يتساءلون}.

 

ونفس الشيء ينطبق على المعارضة فبعض أفرادها مهما فعل الرئيس أو وزراؤه من المنجزات لا يذكرونه إلا محرفا نحو الفساد أما إذا فعلوا شيئا تـظهر الملاحظة عليه أذاعوا به من غير مواربة مع أن هديه صلى الله عليه وسلم كان يقول في مثل هذا: "ما بال أقوام..." الخ الحديث.

 

والأبعـد من ذلك كله عن ميزان الصراط المستـقيم ما يتصف به بعض الموالاة من ما ينطبق عليه تأنيب الآيات القرآنية لمثـله كأنهم يعنيهم مباشرة قوله تعالى {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}.

 

فبعض الموالاة يوغـل في الموالاة ويتظاهر حتى يخرج عن عزة نفسه المطلوب منه شرعا المحافظة عليها ليهرب منها إلى ما يشبه النفاق حتى يقرب من تفسير هذه الآية: {ويحلفون بالله إنهم لمنـكم وما هم منـكم ولكنهم قوم يفرقون} وكذلك فإن المعارضة بعضها يوغـل في الكراهية حتى يتعرض فعله لتـفسير هذه الآية {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} إلى ما يعرف من الكراهية والابتعاد عن السلوك الإسلامي في كل من سلوك الموالاة والمعارضة.

 

ولكن ماذا على الجميع (والحال أن الكل يعـترف بمنزلته من الآخر في قانون السياسة) أن يتعايشوا طبقا للشريعة الإسلامية ولا تـنـقصها في هذا المجال إلا النية التي هي في الشريعة الإسلامية ملاك أمرها كلها فعليها يثاب وعليها يعاقب، حتى إن الموالاة والمعارضة لو طبقت الديمقراطية كما هي غير ممتـثـلين هذا الاسم فقط ولكن ممتـثـلين أوامر الشريعة ما اتفق منها مع ما يطلبه معنى هذا الاسم لكان الجميع مثوبا عند الله بعد الثانية الموالية لانـتهاء حياته.

 

وبناء على وضوح معنى كلمة الإصلاح هذه فعلى الرئيس أن يعتبر الجميع موال ويعـتبر الجميع كذلك معارضا بمعنى أنه يعمل كلما أعطته له الديمقراطية الموافق لشرع الله ولا يتجاوزه.

 

 ومعنى ذلك ألا يستوزر وزيرا إلا لأنه سوف لا يخالفه في أي أمر وإن كان أمره بالشيء يعد خطئا من جهة فنية الوزير في الموضوع من ما يجعل الوزير دائما يده على قـلبه كلما أعلن عن صدور مشروع مرسوم فيظن أنه لخلعه أو تجريده من السلطة، فهذه ليست حياة يرضاها الإسلام فالتعيـين والعزل يجب أن يكون لهما أسبابهما وهي الكفاءة والنزاهة وليست الموالاة، ويبحث عن هذين الوصفين في جميع أفراد الشعب المتوفرة فيه سواء كان موال أو معارض.

 

فمثلا  كما كتبت في مقال سابق أن على الرئيس أن يأمر وزيره في النـقل أن يحضر له آلة نـقل تـنـقله عشرة آلاف قدم حتى يرى جميع أرض موريتانيا من جميع حدودها وينظر إلى ما فيها من الشعب فيعامل كل فرد بما أمره الله به فيه من معرفة وجهل وغنى وفقر وموالاة ومعارضة ويديره من هنالك ويعامل الطيـبـين في الفكر والعمل بالطيـبات من المعاملة ويعامل الخبـيـثين في القول والعمل بالخـبيثات من العقوبة حتى يفئ إلى أمر الله.

 

فالمولى قد ضرب للإنسان مثـلا من نفسه أنه خلقه في أحسن تقويم ولكن عمله في الدنيا يرده إلى أسفل سافـلين فـكذلك لو أعطي المسلم منصبا في أعلى المناصب ولم يوفقه إلى تـنـفيذ أوامر الله منه فسوف يرده إلى أسفل سافـلين في الآخرة.

 

فإن كانت مخالفته لأوامر الله ذهبت إلى خصوصية الله مثـل الكبر والرياء إلى آخر الأوصاف الذاتية لله التي يختص بها المولى عز وجل فيرده في الدنيا إلى أسفل سافلين حتى ترى الإنسانية احتـقاره وبعده عن القدرة على تـنفيذ ما كان يظهر عليه من الكبر والرياء كما فعل بكثير من الطغاة في الماضي مثل فرعون وقارون وفي الحاضر مثـل هـتـلر وما شابه من طغاة المسلمين بالكبر والرياء وهذه سنة الله مع هذا الإنسان على هذه الدنيا المحدودة الزمن إلى يومنا هذا وما بعده، فإن كان الطغيان في المعاصي الأخرى من الظلم والفساد فإن الله يمهله ولا يهمله ولكن يؤخره إلى ساعة موته وهي الساعة التي تشخص فيها الأبصار كما قال تعالى {ولا تحسبن الله غافلا عن ما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}.

 

فعلى كل رئيس مسلم أن يسأل الله إذا مكنه من نعمة الرئاسة من اعتبار وتعظيم أن يمكنه من نعمة استـقبال الملائكة له عند وفاته عندما تـقول الملائكة لمن توفـته طيـبا سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنـتم تعملون وعلى الموالاة أن تدرك أن مصطلحات الديمقراطية في السياسة لا تغير من طلبات الإسلام من سلوك المسلم، ولا تبـيح له سلوكا مواليا ولا معارضا لم يـبحه له الإسلام واتـقوا الله وأجملوا في الطلب.

 

وعلى المعارضة أن تعلم أن كلمة حرية التعبـير في الديمقراطية لا تبـيح التعـبـير الذي حرمه الإســـــلام {لا يسخر قوم من قوم}، {ولا يغتب بعضكم بعضا}، {وأن تـقولوا على الله ما لا تعلمون} كل هذا النهي للمسلم مازال في مكانه ـ {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}.

 

فإذا أنـشأت موريتانيا الآن إدارة مختصة بالتـفـتـيش والتحليل واستعانت بكل الأخصائيـين في الحساب ووضعت أمامهم كل ما قالته الموالاة والمعارضة مدة 9 أعوام فستـكون الأصفار كلها على الشمال بالنسبة لأوامر الإسلام مهما كثرت من القول لأن الرئيس ما زال هو الرئيس ولم ينـته عن فعل أي شيء يعتـقد أنه الأصلح والمعارضة هي المعارضة لم تـزك في عمرها من عمل الرئيس إلا طرد إسرائيل من انواكشوط تزكية محتـشمة، وما زال انـتـقادها يزداد ويزداد.

 

وملخص كلمة الإصلاح هذه هو التـنـبـيه على أن كلا من الموالاة والمعارضة على كل فرد منهما أن ينأى بنـفسه عن سلوك لا يأذن فيه الإسلام تجاه الآخر.

 

وبمناسبة صدور هذا المقال بعد ميثاق العهد المفصل الذي قدم من معالي الوزير محمد يحظيه ولد المختار الحسن فإني أسجل في هذا المقال ملاحظـتي عليه وهو أنه لم تسـند أي فقرة من فقراته إلى أوامر الإسلام أو نواهيه مع أن مرجع الشعب الموريتاني الذي لا بد أن يـبقي من يعـتـبره هو الإسلام، وكذلك فإن إضافة حزب إلى الإسلام وآخر إلى القومية يصطدم بطبـيـعة الشعب الموريتاني لأنه مسلم كله وعربي كله إما بالأصالة أو اللغة ولا يعتـبر في الأخير إلا الإسلام.

 

وفي الأخير فإن هذا المقال لا يعد وعظا للموالاة والمعارضة لأن ألفاظ القرآن والأحاديث ذخيرة في مكانها التي ينـطلق منه مضمونها ولا تـنـتـظر إلا الضغط على الزناد بالموت الرافع دائما الستار للدخول على صاحبه {فإذا جاء أجَلهُم فإنَّ اللهَ كَانَ بِعبادِهِ بَصِيرا}.

ثلاثاء, 21/02/2017 - 00:29