مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

ملاحظات على تقرير مؤسسة المعارضة

عثمان جدو

لا تخفى أهمية مؤسسة المعارضة السياسية على ذي بال بوصفها من أهم المظاهر المجسدة للتعددية السياسية، ولكونها أيضا رقيب على ممارسة السلطة القائمة للصلاحيات الدستورية والقانونية وفق ماهو مرسوم، لكن ذلك لا يعني تعويق الحراك السياسي أو انحصار الأهداف في إسقاط الأنظمة أو تتبع سقطاتها.

وهنا بالذات سأحاول إفراد الملاحظات التالية على التقرير الصادر عن مؤسسة المعارضة.

1-المجال السياسي 

لا شك أن الوضعية السياسية للبلاد تحتاج مزيدا من التحريك الإيجابي وتقديم التنازلات من جميع الفرقاء السياسيين؛ سبيلا إلى التلاقي في حوار أكثر شمولية وإرضاء للأطراف من سابقيه، ولأن الحوار هو الحل الحضاري الناضج الضامن لتجاوز الأزمات بسلاسة ولباقة؛ كان لزاما على الكل المشاركة فيه والسعي في إنجاحه، الشيء الذي أخلت به بعض أحزاب المعارضة الرافضة للحوار أصلا؛ لا لوجاهة العزوف بقدر ما هو نوع من التهرب الممنهج؛ خدمة لأجندات سياسية يخدمها كثيرا إظهار النظام كطرف أحادي متغطرس إجرائيا ومعزول سياسيا..

 

2-عن الحراك الحقوقي وواقع الحريات والمظالم؛

إن ذكر مؤسستكم الموقرة لحرية المجال الإعلامي على أنه ادعاء حكومي ثم تأتي مباشرة بالإقرار أنه خطا خطوات معتبرة ظاهريا وتحاول بعد ذلك إيجاد مخرج يعيدها إلى طبيعة معارضتنا الإنكارية لكل ما هو خادم للنظام كما عودتنا منذ زمن بعيد؛ أمر حاد بكم عن خيط إنصاف كنتم قد تمسكتم به في بعض كلامكم ورميتموه سريعا!!

إن البرامج التلفزية والنشاط الإعلامي والصبغة الصحفية ليست مجالات وعناوين يحصل بموجبها التحصين النهائي والتفويض المطلق للتطاول على رموز الشعب وقادته بمبرر حرية الإعلام، أو ليس لأولئك حرية صيانة العرض؟

أوليس لمجتمعهم حق الحفاظ على الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية؟ وبقاء وتماسك الثقة في منابع الدين والعمق الحضاري؟!

إن كثيرا من القافزين على سياج حقل الإعلام  وأقول سياج لأننا وبالرغم من الطفرة الإعلامية التي صاحبت الانفتاحات والتسهيلات الحكومية في السنوات القليلة الأخيرة؛ لما توصلنا بعد إلى تشارك ولو في الصفة مع الإمبراطوريات الإعلامية العالمية أو التي تليها، بل ولم تمنحنا قوة المنافسة بشيء من الندية ولكن جعلتنا-على الأقل-في الطريق الصحيح لحرية الإعلام، لكننا مع الأسف الشديد مجتمع مليء بالانتهازيين والتحريضيين والاستغفاليين المتصنعين الذين يركبون كل موجة..يتاجرون بالدين ويستبيحون الدين! لا يمايزون بين عزة الدم النادر واسترخاص الماء الوفير..

إن للمجتمع ثوابت وللدولة رموز ولأمنها عليها أولوية ولتماسك شعبها وانسجامه بالغ الأهمية؛ ثم إن الحرية التي تدفع إلى الفوضى ليست حرية والسياسة المبنية على الانتفاع وإذلال المواطن واستغفاله وتجييش عواطفه والركوب على تضحياته خساسة ما بعدها خساسة.

 

3-في مجال الحكامة الرشيدة ومحاربة الفساد

 

إن أهم دعائم الحكامة الرشيدة الاستناد إلى مبدأ الشفافية في التسيير وتدركون جيدا أن السنوات الأخيرة هي التي تم فيها تقديم المختلسين إلى العدالة والاحتفاظ بهم مع إلزامية التسديد وإرجاع الأموال المسروقة أو التوصل إلى حل معهم بناء على إرجاع المسروقات أو الولوج إلى السجن كلها مفاهيم وإجراءات كانت تعتبر مستحيلة بل كانت بلادنا في زمان غير بعيد عنا تعد مسرح التفاخر بسرقة المال العام وكان سارقه يكافأ بالتعيين، وطبعا انقلبت تلك الموازين إلى ما عشناه ولاحظناه، وإن حاول مخادع سياسي تقديم الصورة على أساس أن الفساد لم يظهر إلا في هذا العهد؛ نقول له تصحيحا للعبارة، لا يتعلق الأمر بظهور الفساد كما ذهبتم إليه؛ بل لم يتم القبض على المفسدين ومساءلتهم وتقديمهم على أساس أنهم مجرمون إلا في هذه الفترة.

والعبارة تحسن وتخشن والمختلسون موجودون مع وجود الدولة والمخربون والمغالطون كذلك؛ لكن متابعتهم والأخذ على أيديهم أمور قد لا تكون مألوفة من ذي قبل، بل جاءت متأخرة .. لكن التأخر لا يضر ولا ينقص الفضيلة و لا ينفي الصقدية، كما التعتيم لا يعني الصفاء والنقاء وطيب الطوية.

 

4-الحالة المعيشية والاجتماعية

 

لا يخفى على أحد أن البلدان التي تستورد استهلاكها هي بلدان لا تتحكم في أسعار البضائع الموجودة على أرضها؛ وهي حالة عامة على البلدان العربية والإفريقية مع بعض الاستثناءات في قليل من المجالات..

يغيب كثيرا عن أصحاب الفكر فينا وممتهني السياسة الإسهام ولو يسيرا في إنارة الرأي العام وتحريك الشباب نحو المجالات النشطة التي تخدمه وتخدم بلده، بل العكس يجيشونه وهو في المدارس والجامعات ويهيئونه ليكون معيقا للتقدم والنماء قبل تخرجه فإذا وصل إلى مرحلة العطاء والإسهام في بناء الوطن خرج إلى الشارع وملأ فكره وعقله بصراعات قد توجد لها بعض المسوغات لكنها تنفخ وتفخخ وتعطل بها جهود هؤلاء الشباب ويزداد بهم طابور القوى المعيقة..

من العيب أن تكون أهم المواد حضور على الموائد الوطنية (مادة السمك) مفقودة بفعل اختلال قانوني في وضعية من كانوا يوفرونها بدرجة أساسية وهم أجانب؛ لا نجد من يسد الثقرة ويعوض النقص من أبنائنا لأننا ببساطة تركناهم يتفننون في حلقات الشعر وإنزال السراويل!!

والتباهي بالبقاء أكثر ساعات الليل لزوما لخدمة الواتس آب.. طبعا بمباركة الأهل وبرعاية أصحاب التنوير الفكري والتقدمية السياسية!؟ 

صحيح أن خدمة الماء والكهرباء تحتاج خفضا للأسعار لأنها في وضعها الحالي مجحفة ومؤرقة للمواطن البسيط لكنها في ذات الوقت لايستطيع منكر إنكار ما تحقق في مجالها من تقدم تكنلوجي و توفر خدمي.

مشكلة الأمن الداخلي مشكلة معقدة وتظل مطروحة بفعل حدوث الجرائم اليومية التي يفرضها الانتقال من الوسط الريفي المسالم إلى الوسط الحضري المليء بالإكراهات والزحام وتنامي الجريمة بفعل غياب الوعي الاجتماعي الكافي لمواجهة المستجدات المستقاة من التجارب الخارجية المنقولة عبر الشاشات الصغيرة والداخلة إلى البيوت دون استئذان.

ومع أننا نساهم كثيرا في انهيار الأمن من حولنا بفعل عدم أخذ الاحتياطات والتدابير اللازمة فإننا نجد بين الفينة والأخرى أن كبريات العصابات الإجرامية تقع في قبضة الأمن..

وهنا ينبغي أن لا يتم التساهل مع هؤلاء المجرمين لأن غياب العقوبة الرادعة قد يجعل منهم مجرمين 

أكبر ومن إجرامهم أخطر.

 

5-الحالة الاقتصادية

لا أرى أن ما ذهب إليه تقريركم استند إلى ركن متين لأنه ببساطة مازال يتعامل مع بعض الملفات الاقتصادية بناء على معلومات واردة في تقارير ماضية تحتاج إلى تحيين، فمثلا الحديد لم يعد سعره متراجعا عالميا بل هو الآن في طور انتعاش واضح مقارنة مع العام 2014 الذي يبدو أن التقرير استند إليه كثيرا ، ومعروف أن العام المذكور هو بداية الأزمة حين وصل سعر طن الحديد إلى أربعين دولار فقط وهو الآن ضعف ذلك انتقل من 40إلى 80. صحيح أنه لم يصل إلى أعلى عتبة عرفها في الماضي؛لكنه منتعش حسب خبراء المجال.

أما بخصوص النقاط الأخرى فأظن أن ما أشار إليه معالي وزير المالية في تدوينته التي تم تداولها في الأيام الماضية كان فيه من الشجاعة والتأصيل والتفصيل كفاية.

بخصوص بعض النقاط الواردة في نهاية التقرير خاصة ما يتعلق بالتنقيب التقليدي عن الذهب أرجو من الحكومة أن تمنعه منعا باتا لأن فوضوية المواطنين وجشع المشغلين ورعونة وإهمال بعض المراقبين دفع بالجميع إلى حدوث حوادث راح ضحيتها مواطنون قدر الله لهم أن يقضوا هناك، ويبقى اللهث خلف البريق الأصفر يبعث بالمزيد ويشعل بال الكثيرين ويوصلهم إلى التهلكة.

 

وفي الأخير وبالرغم من أنني لست من الموالاة ولا من المعارضة لكنني بحثت كثيرا كي أجد دوافع الانجذاب إلى المعارضة وفي كل مرة أجدني مرغما على التراجع إن لم يكن إلى مناصرة النظام في بعض الأمور فعلى الأقل إلى منطقة الحياد، ربما تكون لذلك أسباب تتعلق بضف المعارضة في وجه النظام وعدم إقناعها لأي متأمل يحاول التحرك بعد التحرر من الخلفيات الاجتماعية والاعتبارات الجهوية والانجذابات النفعية..

 

سبت, 18/02/2017 - 00:18