في خضم منافسات الدورة الإحدى والثلاثين لكأس الأمم الإفريقية لكرة القدم الجارية هذه الأيام في جمهورية القابون الشقيقة، لم يكن من الوارد على الإطلاق أن يحلم أحدنا بأن يفوز أحفاد المرابطين بكأس الدورة التي لم يحالفهم الحظ في التأهل إلى أدوارها النهائية أصلا، رغم التضحيات الكبيرة التي بذلت رسميا وشعبيا من أجل الوصول إلى ملاعب القابون 2017، ورغم أن مسار المنتخب الوطني خلال التصفيات المؤهلة إليها كان أحسن مسار يسلكه ـ على الإطلاق من حيث النتائج والأداء ـ عبر كل تجاربه الإفريقية الماضية.
ومن باب "الشيئ بالشيئ يذكر" وتعويضا عن غيابنا غير المستحق عن نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، ها هي ذي موريتانيانا العظيمة بالله وبوفاء شعبها الأبي ومكانتها المرموقة في محيطها الدبلوماسي الإقليمي والدولي، وتحت قيادة فخامة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبد العزيز، ها هي ذي حفيدة المرابطين على موعد متجدد مع التاريخ والحضارة وحسن الجوار ومحبة الخير والأمن والاستقرار لشعبها الكريم ولشعوب المنطقة جمعاء، ها هي ذي بلاد شنقيط جسر السلام والمحبة رغم غيابها عن هده التظاهرة تختطف الأضواء من القابون وكأس أمم إفريقيا، ومن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بأسودها، ونسورها، وصقورها، ونمورها، وعقبانها، وكل ما جادت به قرائح سدنة ثقافة الدفوف والغاب وقرع طبول الفوضى والحروب الأهلية من أسماء الوحوش المرعبة والسباع والكواسر والجوارح كتسميات لمنتخبات عديد البلدان الإفريقية المشاركة.
بلى ها هو لسان حال موريتانيا يقول لكل الأفارقة تبا لمن شغلتهم كؤوسهم وأباريقهم ودنانهم وبنوهم وأموالهم عن الملف الغامبي الذي كانت تحضر له طبخة حرب أهلية قذرة على نار هادئة باسم "استعادة الديمقراطية" حينا، وأحايين أخرى تباكيا بدموع التماسيح النهمة على "تناوب سلمي على السلطة" في غامبيا التي اختارت بإرادة واعية من شعبها العظيم ودون تدخل من بابوات العمالة وأباطرة النخاسة المعاصرة أن تلج مرحلة جديدة من تاريخها بعيدا عن التبعية والأبوة الكاذبة لأنظمة جانحة إلى الزوال، همها لفت نظر الرأي العام في بلدانها نحو معارك خارج الحدود، تحمل يافطاتها عناوين براقة ظاهرها الحمية الديمقراطية، وباطنها تصدير بطعم مرارة الحمية العرقية لأزمات سياسية واقتصادية وأمنية تعيشها بعض بلدان المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، وتحاول أنظمتها الماكرة تصديرها معلبة بغطاء حماية الديمقراطية إلى غامبيا المسكينة، متسببة في أضرار كبيرة للمصالح العليا للدولة الغامبية والمساس بسيادتها وأمنها، وكذا بمصالح الجاليات الإفريقية والعربية المقيمة هناك، مثل الجالية الموريتانية العريقة، وغيرها من الجاليات بما تمثله من إسهام في تنمية الدولة الغامبية وتمتين عرى الأخوة والتعاون بين بلدانها الأصلية، وما يمثله المساس بمصالحها وبأرواح أفرادها وممتلكاتهم من تهديد للسلم في المنطقة وتقويض لأسس التعايش السلمي بها، وإضرار بالمصير المشترك والمصالح المتبادلة لشعوبها.
وتأصيلا لقيمة الحضور الدبلوماسي والسياسي الموريتاني اللافت منذ خمس سنوات على الأقل، عبر كل المنابر العربية والإسلامية والإفريقية، وغيرها من المحافل الدولية الكبرى، التي سجل فيها فخامة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبد العزيز بكل مسؤولية وشجاعة، وباسم موريتانيا بلدا وشعبا، بأحرف من ذهب إنجازات غير مسبوقة في تاريخ البلاد منذ استقلالها وحتى اليوم، فإنه والفخر يجد هنا ما يبرره من نجاح متألق في معالجة موريتانيا للملف الغامبي خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، صار بإمكاننا أن نقول إن بلدنا أكد لكل المشككين مرة أخرى أنه غدا أكثر من أي وقت مضى لاعبا فاعلا في صياغة أجندات التعاون والدبلوماسية والتنمية الإقليمية والدولية، ووسيطا محترما في حل فتيل الأزمات وإنهاء الحروب والنزاعات المسلحة، وإشاعة قيم الأمن والسلام والاستقرار.
كما غدا فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، بدون مبالغة، بل بكل إنصاف وموضوعية قائدا يوثق به لدى كل الأطراف، رغم المحاولات اليائسة التي تجد من حين لآخر من ينبرون سرا وعلانية، في الداخل والخارج، وبطرق شتى لمحاولة لعب الأدوار التثبيطية الخبيثة لتشويهها، وللوقوف ضد نجاحاتها الباهرة، التي تجسدت وتتجسد باستمرار في الوساطات المشهودة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز في كل الأزمات والنزاعات العربية والقارية التي اندلعت منذ وصوله لدفة الحكم، حيث كانت موريتانيا في عهده حاضرة بقوة للقيام بدورها الريادي هذا، تحت مظلات إقليمية وشبه إقليمية وقارية متعددة، كما هو الحال بالنسبة لكل من رئاسة مجلس السلم والأمن الإفريقي، والاتحاد الإفريقي بعد ذلك، ومجلس قمة رؤساء الجامعة العربية في وقت لاحق، فضلا عن رئاسة مجموعة دول الساحل، ومنظمة استثمار نهر السينغال، وتزعم المنتظم العربي والإفريقي في مؤتمرات دولية كبرى مثل القمة العربية الإفريقية، والقمة الأوروبية الإفريقية، والقمة الآمريكية الإفريقية، على سبيل المثال لا الحصر، لتكون موريتانيا في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد حطمت كل الأرقام القياسية في عدد المرات المتتالية لتزعم القمم والمنظمات والمنتديات والمؤتمرات العربية والإفريقية والدولية في ظل عهدة رئاسية واحدة، وذلك دليل آخر على أن موريتانيا قد استعادت بقوة غير مسبوقة مكانتها المستحقة في كل المحافل الدولية بوصفها بلدا فاعلا، وقيادة يوثق برأيها وحكمتها، لا بلدا مضافا، إذا حضر لا يستشار، وإذا غاب لا ينتظر.
وتأسيسا على كل ما سبق فإن النجاح الباهر الذي حققته مبادرة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبد العزيز لحل فتيل الأزمة الغامبية المستعصية، وفي وقت قياسي حرج وحساس، وبعد أن كادت لغة السلاح والعنف والفتنة المقيتة تحتل مكان منطق الحكمة والحوار الرشيد، وكادت روح الدبلوماسية الناعمة تضمحل أمام خشونة المدافع الرشاشة وقذائف وحمم الكراهية، وتسوية الحسابات الضيقة مكان التكامل والتسامح والتعاون، فإنه صار بإمكاننا أن نفخر بأن بلادنا نالت بكل استحقاق لقب الفائز بكأس الأمم الإفريقية لدبلوماسية السلام.
ففي ظل العجز البين للاتحاد الإفريقي والارتباك الواضح لكل الدول الأعضاء فيه إزاء المشكل الغامبي، وفي ظل تباين المواقف بين أعضاء المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب إفريقيا وانقسامها بشأنه إلى فسطاطين، أحدهما متحمس لشن حرب عمياء على غامبيا، الله وحده أعلم بدوافعها ونياتها المبيتة، وثانيهما يقف متفرجا في انتظار الكارثة، كان لزاما على موريتانيا، وذاك هو قدرها المشرف، أن تلعب بامتياز دور المنقذ لمنطقة غرب إفريقيا من اندلاع حرب جديدة كانت ستساهم دون شك في تأجيج نيران حريق واسع النطاق، حريق وقوده الذي لا ينفد بؤر التوتر والفتن المندلعة في معظم بلدان المنطقة، ومنها العرقي الانفصالي ومثاله التمرد الانفصالي في كازمانس بالسنغال، والجماعات المسلحة الموجودة في حالة بيات شتوي بغينيا بيساو الخارجة لتوها من نفق الحرب الأهلية المدمرة، ومنها الديني المتطرف مخلوطا بالانفصالي المتمرد والإرهابي الوحشي، ومثاله ما يجري في مالي والنيجر ونيجيريا وليبيا مع القاعدة، وداعش، وبوكو حرام، فضلا عن عصابات ممتهني الجريمة العابرة للحدود والهجرة السرية، وعصابات المتاجرة بالبشر وتهريب الأسلحة والمخدرات المنتشرة في غرب إفريقيا والصحراء الكبرى، وغيرها....
وفي انتظار أن يفيق المثبطون ومحترفو قرع طبول الحرب، ودعاة الفتن باسم الدفاع عن الديمقراطية من الصدمة القوية التي نجمت عن النجاح الباهر للوساطة الموريتانية ممثلة في مبادرة فخامة رئيس الجمهورية الأخ محمد ولد عبد العزيز لفك فتيل الأزمة الغامبية، نقول بكل اعتزاز: طوبى لك يا أرض شنقيط، يا قنطرة السلام والأمن والاستقرار، طوبى لك قيادة وشعبا وأنت تبددين بكل مسؤولية وحكمة واقتدار أحلام مريدي تسوية الحسابات الضيقة، وتسدين بكل حزم وصرامة المنافذ أمام تحقيق المآرب الغامضة لبعض القوى المرجفة على حساب مصالح شعوب منطقة غرب إفريقيا عموما... طوبى لك دائما، فلعب الأدوار التاريخية الكبرى يبقى دائما للكبار...أما الصغار فلهم أن يلهثوا باستمرار خلف سراب التبعية والطموحات غير المشروعة.
المختار ولد عبد الله/ كاتب صحفي/