عبد الرحمن ودادي
يوما بعد يوم تتوسع الهوة بين نسخة الدين المقدمة من رجال انقطعوا عن الانتاج الفكري للبشرية منذ اكثر من سبعة قرون ممن يعتبرون مختصر خليل من أعمال ما بعد الحداثة و بين أجيال تعيش في عصر انفجار المعلومات والإغراق بمختلف المشارب الفكرية و الفلسفية .
ما لا يدركه الكثيرون أن التطور التكنلوجي الهائل في الاتصالات و الطب و الصناعة بمختلف انواعها صاحبه تطور هائل في البحوث الفلسفية و الفكرية ، كما ساهمت و سائل الإعلام و الإنترنت في جعل المعارف متوفرة بشكل غير مسبوق حيث يحصل الفرد العادي على كم و نوع من المعلومات لم يعرف التاريخ له مثيلا.
هذا الصبيب المعرفي أدى الى خلق أجيال تختلف مشاكلها و حاجياتها و مداركها عن الأجيال السابقة و يصعب بل يستحيل إقناعها بنفس الأساليب التي مورست من آلاف السنيين على مجتمعات مختلفة .
الأمر الآخر الذي لا ينتبه له البعض ان التطور لم يقتصر على العلوم و الأفكار بل وصل للوجدان الإنساني.
في الماضي كانت العبودية أمرا مقبولا بل طبيعيا فلا تجد تناقضا بينها مع التقوى ، كما كان صلب المخالف للسلطان و سمل عيونه و تقطيعه أمام العامة ممارسة تقليدية و حقا طبيعيا لأولي الأمر، كما كان استحواذ الحاكم على اموال الدولة تصرفا مقبولا و كم تزخر كتب التاريخ و الأدب بمدائح لسلاطين بذلوا اموال الأمة في العطايا لشاعر منافق أو إرضاء لزوجة غيور من جارية رومية جلبها النخاسون.
البعض يحاول أن يسد الهوة العقلية و الوجدانية من خلال التكفير و التخويف و المؤلم اننا نسمع من رجال دين دعوات للقتل بحجة وقف الشباب عن موجات الإلحاد ، و هي إن نجحت فستخلق مجتمعا منافقا يظهر إيمانا زائفا خوفا على سلامته البدنية.
تعلمنا التجربة التاريخية كيف قامت محاكم التفتيش في اوروبا بانتهاج التخويف و القتل كأسلوب لفرض الدين و كيف ادى الى النقيض تماما لتزول هيمنة الكنيسة و يتقلص الدين بشكل غير مسبوق.
نفس الأسلوب انتهجه الرومان لفرض معتقداتهم حيث قدموا كل من رفض آلهتهم الى الأسود لتلتهمهم امام جماهير روما المنتشية بالدم و هو ما تكرره داعش يوميا بصلب المخالفين و التفنن في قتلهم بأبشع ما تفتقت عنه المخيلة و الذي لم يؤد الى تقوية ولا انتشار العقيدة بل تحول الى أحد أكبر أسباب الكفر بالدين و أكثرها فعالية.
الحل لهذه المشكلة هو ما يحاول بعض المفكرين المجددين تقديمه من أمثال عدنان ابراهيم و محمد مختار الشنقيطي ممن جمعوا بين المعرفة الدينية و تشربوا بالفكر الحديث ، فهم القادرون على الإجابة على تساؤلات أجيال اليوم من أصحاب العقول الشكاكة و الضمائر المشبعة بقيم المساواة و الحرية و الإنسانية.