باباه ولد التراد
حقا أن " من لم يحسن صهيلا نهق " وأن الحاكم "إذا كثر ماله مما يأخذ من رعيّته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلعه من قواعد بنيانه ".
غير أن " الرأى يصدأ كالحسام لعارض ... يطرا عليه وصقله التذكير"
ومن هنا فقد تحتم على الغيورين من أبناء هذا البلد ـ وهم يتابعون في كل أسبوع " البيان الصادر عن مجلس الوزراء " الذي لايسمن ولايغني فحواه من جوع ـ أن يذكروا في كل مرة بالواقع المرير الذي يعيشه العمال والموظفون في الدولة ، وأن يصطفوا مع الشعب لأنالمعاناة أصبحت ترسم طريقها في حياة الناس بالموازات مع محاولات بعض الأطراف الرسمية وشبه الرسمية أن يتم غض الطرف عن الواقع السيئ الذي تعاني منه البلاد ، من خلال تفريغ المحتوى الابداعي من كل طاقة أو رمق ، وإدمان لعبة تبديل الكراسي ، وعدم جدية صانع القرار في بلادنا .
وقد يؤدي هذا الواقع ـ لا سمح الله ـ ببعض المواطنين إلى الاقتداء بما فعله بطل رواية (البؤساء ) لـ فكتور هوكو ، " جان فالجان " الذي سرق خبزا من أحد الافران من أجل إطعام أطفال أخته ، الذين عانوا من الجوع الفاحش ، حتى لبث في السجن 19 سنة .
وقد واكب هذا كله تجاهل واضح للنصوص المعصومة ومفاهيم العقول السليمة ، وازدراء بالموروث الحضاري للأمة ، مع تكريس بالغ للسردية الغربية والتزام مطلق بشرط الولاء للخطاب الإستعماري المتماهي والتابع ، ونقل حرفي لقوانين أمم بعينها تعتبر العقوق والفحشاء والشذوذ سلوكا متحضرا يتناغم مع الحداثة وحرية الإرادة والتعبير ، ذلك أن هذه الأمم التي يتم "الاقتداء بها " في هذا العصر قد مسخت حضاريا واستقر رأيها على أن استيفاء خوارم المروءة يعصم الفرد من الاستغلال من طرف أبويه وأهل بيته ومن ثم تدخلهم في حياته الشخصية .
لذلك يعتقد من يرتهن للآخر ويعيد انتاج ما يكتبه ، أن عليه أن يسلك سبيل قوم آخرين حتى في أبسط الجزئيات ، وهنا نستحضر قول نبينا الحبيب الذي لاينطق عن الهوى محمد صلى الله عليه وسلم : (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالَ: فَمَنْ؟) .
ومن هنا فإن على الكتاب والمثقفين وقادة الرأي عموما أن يواصلوا دفاعهم عن مادة التربية الاسلامية في بلادنا ، التي تعاني الآن التهميش والتبخيس الذي يطال موقعها ضمن المنظومة التربوية ، مما يجعلها معطلة الأهداف والمحتوى ،مع أن هذه المادة هي الوسيلة العملية الوحيدة في بناء وتكوين أفراد المجتمع، ،وذلك من خلال ما تتضمنه من أبعاد روحية وأخلاقية ، تجعل المتعلم يعيش في ظلها حياة ملؤها السعادة والاطمئنان ، لأن الإسلام دين يقوم على العقيدة الراسخة والعبادة الخالصة لله الواحد الأحد ، وهو دين يدعو الى التفكير والنظر ، ويحث على الأخلاق الكريمة والعلم والعمل .
كذلك فإن على قادة الرأي في بلادنا أن لايسأموا من المطالبة بترسيم اللغة العربية وجعلها هي لغة الإدارة والعمل بدلا من اللغة الفرنسية ، وإلا سيبقى جل المواطنين الموريتانيين مهمشين في وطنهم ، ويتأكد استبعاد علماء المحاضرمن وظائف الدولة ، وفي نفس الوقت سينظر إليهم بازدراء من طرف الإدارة و القائمين عليها ، مع أن العمل باللغة العربية في الإدارة هو في حد ذاته مجرد إقرار للمادة 6 من الدستور، التي تنص على أن اللغة الرسمية هي العربية ، واللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية .
ولتحقيق هذا الهدف يجب وضع قانون ينظم ترسيم اللغة العربية حتى تكون الوثيقة المقدمة باللغة العربية هي الوثيقة الرسمية وحدها ، أما الوثيقة المقدمة بأي لغة أخرى فتكون غير ملزمة لأنها لم تعد رسمية لكنها قد تكون عرفية فحسب ، وكذلك الحال بالنسبة لتصريحات المسؤولين الحكوميين فيجب أن لا تكون ملزمة إلا إذا كانت باللغة العربية ، وهذا ما نشاهده عند بعض الدول التي تحضر المترجمين أثناء تصريحات المسؤلين التابعين لها في الخارج ،لأن اللغة في أي مجتمع هي الواجهة الحاملة والحاضنة للملامح الأساسية للهوية