منذ أمد بعيد والعاصمة الاقتصادية انواذيبو قبلة المصطافين و فضلى وُجهات السائحين؛ لها جمالها الآسر وجوّها البكر الأخاذ؛ سحر جمالها وعذوبة هواها تعدى البشر إلى أهم وافد إليها من غيره؛ إذ تَنْثَالُ الحيتان عليها من فِجج كثيرة؛ مشتاقة بما يفوق الهيام عند معانقة الخلان؛
على إيقاع تيار كناري البارد؛ المُوجِه بعناية الله لهذه الثروة السمكية الهائلة..
تتميز المدينة بوجود أهم منشآت العملاق -اسنيم- بالإضافة إلى كبريات شركات الحديد؛ والشركات النشطة في مجال الصيد البحري؛ بالإضافة إلى
الفاعلين الفرديين والمستثمرين الكثر؛ اعتمدتها الدولة منطقة حرة؛ جلبا للمستثمرين وإنعاشا للاقتصاد الوطني بانتعاش الأنشطة التنموية على حيزها الجغرافي.
لا يوجد في مجال الاستثمارات؛ الإيجابيُّ بامتياز النقي من السلبيات، إلا إذا تمت التنقية بعناية وتم الالتزام بوقوف وحزم وإلزام.. وكي لا يتشعب
الحديث أكثر؛ سنركزه على شركات دقيق السمك؛ المعروفة اختصارا ب*موكا*؛ مما لاشك فيه أن هذه الشركات لها فوائد قد تكون كبيرة على الدولة - من
خلال رسوم التراخيص ومن خلال الاسهامات الضريبية وضمان شراء محاصيل المستثمرين الصغار وتجار السمك الذين ضمنوا حاضنة تسويقية حتى وإن تناهى
محصولهم إلى التلف والنتانة؛ وبالتالي ضمان الربح دون خسارة؛ تلك الخسارة التي كانت تترتب على تلف وضياع السمك، لكن هذه الشركات لها أضرار كبيرة
في الوقت الحالي وإن كان بالإمكان تقليل الأضرار من خلال تكييف الخطورة ومحاصرتها.
إن مخاطر هذه الشركات على البيئة البحرية جلية من خلال استنزاف المخزون البحري التالف (الحوت الميت) أو بالأحرى الغير صالح؛ وهو طبعا مصدر غذائي
أساسي للسمك الحي والنشط؛ لا تَرُدُّ هذه الشركات بائعا فهي تشتري السمك الجيد والعفن على حد السواء، ومن معالجة العفن في ماكناتها تنطلق البواعث الكريهة والروائح القاتلة لِتنضاف إلى المواد الكيميائية المنشطة لعملية المعالجة واستخراج الزيت واستخلاص دقيق السمك -الغالي- المفيد اقتصاديا من خلال استخدامه سماد صناعي لتنضيج التربة والاستصلاح الزراعي؛ وهنا بالذات ينبغي أن تكون هناك نسبة من المنتوج؛ إلزامية على هذه الشركات كل على حدة؛ من أجل إنعاش التربة الزراعية.
إن عدم تورع هذه الشركات عن شراء ومعالجة الحوت العفن الذي جعل الرائحة المنبعثة من مصانعها صادمة ومؤرقة ومزعجة لمن لهم قوة وعمر الشباب ونشاط
الرجال الأشداء ومُمْرضة وقاتلة لمن هم دون ذلك من الشيوخ والرٌّضَّعِ والحُمَّل.
عندما تَتَضَوَّعُ نتانة *موكا* لا يأخذك القرار في بيتك ولا في المسجد الذي يَفِدُ إليه المصلون لدقائق أصلا ينتعشون بها ويستريحون؛ لقد قضَّت هذه المصانع ذلك وجعلت المريح مسلوب الخاصية والمنتعش مغموم والصحيح مريضا والمريض هالك..
لن أقول كما يقول الكثيرون في هذه المدينة عندما يصبُّون اللعنات على هذه المصانع وعلى سلطة المنطقة الحرة التي تعتبر حاضنة إدارية لها ويطالبون
دوما بإغلاقها وترحيلها كليا؛ لأن الهدم أسرع من البنيان؛ ولن أتخذ من بعض دول العالم في طردها لهذه الشركات مثالا يحتذى كما البعض؛ لكن وبكل
واقعية وتفهم وبحثا عن الحلول الناجعة وتخفيف الأضرار؛ أطالب كما كثيرون يطالبون بمعالجة المشكل بطريقة صحيحة منصفة؛ تحفظ صحة المواطن ولا تُفلس
المستثمرين ولا تهُدُّ مصانعهم على رؤوسهم؛
إن إلزام هذه المصانع بتركيب مصفاة هوائية (فلتر) في كل مصنع كفيلة بحجب هذه الانبعاثات وكفيلة أيضا بتنقية الهواء والتقليل من الخطر بشكل عام، و
كما يُذاع أن المصفاة الواحدة تُكلِّفُ -50- ألف دولار؛ أي ما دون -18- مليون أوقية تقريبا ، فإنه على سلطات المنطقة الحرة ومن ورائها القيادة
الوطنية أن تُلزم هذه الشركات بهذه الإجراءات وتعهدها بالصيانة ضمانا للاستمرار في حجب الانبعاثات الممرضة وصونا لحقها في الاستثمار والاستفادة من العقود المبرمة سلفا والمكفولة قانونا؛ إلا إذا ترتب أو ظهر الضرر -وقد ظهر- .
على مُلاك هذه المصانع بعد ذلك أن يقدموا خدمات اجتماعية؛ دعما للصحة القاعدية والتعليم، من خلال الاسهام المباشر بالمساعدات العينية الموجهة للمستشفيات والمدارس؛ بتأطير وتوجيه من السلطات أو بفرضٍ وإلزامٍ؛ حسب المقتضى، وعليهم بدءا وختاما أن يعالجوا المشكل بتركيب المصفاة الهوائية المذكورة سلفا وتعهدها واستمرار نجاعتها أو فليرحلوا ولو إلى الجحيم وليسلم الشيخ العجوز والمرأة الحامل والطفل الرضيع ولِيُمارِسَ الكل ضرورة التنفس بنقاء.