مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

كم أخشى يوم الضاد!

بقلم: محمدُّ سالم ابن جدُّ

(خبير لغوي)

يا يومُ عَرِّجْ، بل وراءك يا غدُ ** قد أزمعوا بينا وأنت الموعد!

حين يقترب الثامن عشر من دجمبر يتضاعف إحساسي بسريان البرد في مسامّ جسدي، وتجتاح العواصف الهوجاء ضميري.. وأتخيل الحبر متحجرا في قعور الدَّوَى، والأقلام هُتْمًا، والأوراق مُخَرَّقَةً أسفا على الواقع المخجل. لذا صار هذا اليوم سوطا يجلد ضميري تعزيرا على ما اقترفه مجتمعي.

شعور مركب غامض ينتابني حين أرفع غطاء الحاسوب لأعزف نشازا على ملامسه محاولا ترجمة ما أحسه من متناقضات أضمن أن لا تكون بمفازة من عدوى حالي النفسية!

1. أشعر أن قامتي مجهرية حين أجيل الفكر في الحرف النوراني الذي أضاء مشارق الأرض ومغاربها واختاره الله وعاء لكتابه المعجز ولشرعه الخاتم الأبدي، ولغة لأفضل خلقه بالإطلاق (صلى الله عليه وسلم) وللنواة الأولى لهذه الأمة الخيرة (رضي الله عنهم أجمعين) ثم وسيلة لتفاهم أهل الخلد في دار الهناء الأبدي.

2. أشعر بالفخر ممزوجا بالدهشة حين أستحضر المعارف الفنية الدقيقة من نحو وصرف وعروض وبلاغة.. وغيرها مما أنتجته عبقريات السلف استنباطا دون احتذاء مثال ولا منة من الغير. عدا عما احتوته لغتي وعبرت عنه من معارف سماوية وأرضية جمة، وما أثمرته واختزنته من أدب. فأشعر أني أحق من إسحاق الموصلي بقوله:

عطستُ بأنفٍ شامخٍ وتناوَلتْ ** يدايَ الثُّرَيَّا قاعداً غيرَ قائمِ.

3. أشعر بالاشمئزاز حين أقرأ أو أسمع ما يجيش به من ينبغي أن يكونوا علية مجتمعي وحملة أقلامه مما قد يحتاج ترجمة إلى العربية التي أُرِيدَ له أن يكون بها! فأعجب لمن خسر الحسنيين فجانب الصواب في القول ولم يخصف على نفسه من ورق الصمت.

من أمثلة هؤلاء "كاتب" دأب على نشر المطولات في صحيفة كنت أعمل بها، فاستجديته مرة الإيجاز؛ موضحا أن من غير الحصافة الإطالة في عرض الرأي، وأني أتعب في تعريب مقالاته، فغضب "غضبة مضرية" كادت تلقي به إلى الشارع من الطابق الأعلى، وقطَّب أحد مسؤولي الصحيفة من صراحتي!

4. أشعر بالاستغراب وأنا أجد الوثائق والمحررات الصادرة عن الدوائر الرسمية في بلادي بلغة أجنبية لا مكان لها بحكم الدستور؛ وأسائل نفسي هل يدرك القوم انعدام تلك الوثائق شكلا ومضمونا بقوة القانون! وأتمنى ترسيم السنسكريتية لينتقل النحس إليها عل الكرة تكون إلى العربية ما دام الحظ لغير الرسمي.

5. أشعر بالخسارة والغبن وأنا أرى رصيدنا العلمي وقد استُحْفِظَه من يجهلون قيمته فأضاعوا كنزا لا يقوَّم، وضحوا بالمجال الفريد الذي قدم بني وطني إلى العالم.

6. أشعر بالقلق على مستقبل العقيدة ثم اللسان بين قوم تتباهى رياض الأطفال فيهم باكتتاب الفرنسيات لتربية أبنائهم (بعيدا عن التنشئة في هذيل!) وتتنافس فيهن لإقناع الوالدِينَ واستدرار جيوبهم.

7. أشعر باحتقار مجتمع يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ويغذي عقول ناشئته بالمواد العلمية (وهي أفكار لا ترتبط بلسان معين) عبر أفواه الأجانب وكأن أفواهه لا تصلح لبضاعته المردودة إليه، وأتوقع أن يكون حساب التاريخ إياهم عسيرا على تلك الفعلة النكراء!

8. باختصار أشعر بالقِصَرِ والتقصير والقصور.. قصور القائمين على الشأن العام وتقصيرهم وقصر نظرهم، وقصور محترفي الكلمة، وقصوري عن استيفاء هذا المجال. فأعتصم بالله وألوذ بالصمت.

جمعة, 16/12/2016 - 00:17