تحدثت نشرة يصدرها التيار البعثي في موريتانيا، عن وضعية الكتاب المدرسي، قائلة: "هو خير جليس في الزمان، يؤنس وحدتنا، منه نأخذ قيّمنا في الحياة، وبه نعطي بنات أفكارنا، وفيه نطالع ماضينا، ونستشرف مستقبلنا، يخاطب فينا إنسانيتنا، ويصدقنا القول لا يجاملنا، هو تلك الصفحات التي تشتمل على كافة الاهتمامات، وكلما قلبناها يزداد اتساع أفق المعرفة والتفكير لدينا، كما أنه رفيق الدرب الصادق عبر كبريات المحطات، لاسيما في المدرسة، حيث يكون السند الفعلي للمدرس، والمعلم الصامت الذي يفهمنا بإيضاحاته الرمزية، وتطبيقاته التدريبية، ومرافقته لنا خارج الحجرات الدراسية، ليكون أساسيا في التحصيل المعرفي وبناء الذات عند التلميذ، وقد خاب وخسر من رمى به عرض الحائط، ولم يعتمده معلما ومدربا له على الكتابة والتعبير والفهم والحفظ.
هذه الحقيقة يدركها اليوم بجلاء آباء التلاميذ في قطرنا، وهم ينتشرون في الأسواق وأروقة الإدارات التربوية، بحثا عن كتب تساعد أبناءهم على تجاوز المرحلة، وتروي شغفهم المعرفي، بحث دفع ببعضهم إلى شراء الكتب المدرسية بأسعار جزافية من السوق السوداء ـ وهي التي طبعت يوما على أن توزع مجانا على التلاميذ ـ وأولئك هم الفائزون، فكم من وكيل تلميذ اليوم يتحسر على أنه تأخر في البحث عن الكتاب، ولجأ في النهاية إلى نسخه، مما يزيد من تكاليفه، ومن داخل القطاع المعني تتسرب أنباء غير دقيقة ـ على حد علمنا ـ عن إجراء للحد من ندرة الكتب المدرسية في المؤسسات، حيث يقول البعض إن المعهد التربوي الوطني طالب المديريات الجهوية بإرسال مخزونها من الكتب ـ والذي يصل في بعض المديريات إلى 40 ألف نسخة عن كل كتاب ـ إلى المعهد التربوي، الذي سيقوم بضخها في السوق بأسعار رمزية هي 200 أوقية لكتب الابتدائية و300 أوقية لكتب الإعدادية و400 أوقية لكتب الثانوية، ويدل هذا الإجراء ـ إن صدق فعله ـ على التخبط الحاصل داخل قطاع التهذيب، تخبط يتجلى بوضوح في فوضوية التراخيص لمؤسسات القطاع الخاص وغياب الرقابة على أدائها، كما يتبين بجلاء في هشاشة المنظومة التربوية والمهنية بشكل عام، ومع هذه الهشاشة لا يكون مستغربا سرقة الكتب المدرسية والمضاربة بها في السوق السوداء، فسرقة المفسدين للمعلم الصامت هي امتداد لسرقة المعلم الناطق، الذي سرقته الظروف المعيشية الصعبة، والنظرة الاجتماعية الدونية من وضعه الطبيعي، كشخص كرمته الأديان. ويكفيه فضلا أنه الأصل في كل الصفات المهنية، فالطبيب والمهندس والمفكر..... خرجوا من رحم بذله وعطائه اللامتناهي. والمفارقة أن من يحددون أجور المعلم اليوم وتكريمه وعلاواته، ويرسمون ملامح صورته في المخيّلة الجماعية للمجتمع، جحدوا ما بذله يوما ليكونوا حيث هم، وحق فيهم مقولة الشاعر: وإذا أكرمت اللئيم عليك تمردا.