مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

لجنة الدعم والأفق الإعلامي المرتقب

 بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن 

تدريجيا بدأ يتجلى الطموح المشروع المنشود لمحاولة ترقية والدعم المنظم للعمل الصحفي المستقل، سواء كان ورقيا بوجه خاص، أو الكترونيا.

حيث تتردد في كواليس لجنة الدعم وما يحوم عليها من دوائر حرة ورسمية، ضرورة التفكير في إعادة تأهيل النشر الورقي، والذي بات مهددا بحق، نظرا لقلة الموارد وصعوبة إصدار عدد واحد من جريدة ما.

بينما بدأ التوجه والإقبال في العالم أجمع وفي الحيز المحلي الموريتاني أكثر على الصحافة الالكترونية، إلا أنها رغم أهميتها قد لا تتمكن من تكريس كل ما كان يمثله النشر الورقي من معاني التوثيق وغيره من الدلالات، وإنما تغلب   النشر الالكتروني في باب الانتشار الواسع وفقط أحيانا لدى مستخدمي الأجهزة الالكترونية.

وهو جدل قد يطول، وحله الوحيد الموضوعية و"اتكادي ليدين"، وبعض زملائنا في الإعلام الالكتروني، من أدعياء المقار ولا مقار، ولا عمال ولا ولا، يأخذون بصورة فجة عقوقية أحيانا حق صاحبة الجلالة التقليدية، الصحافة الورقية المصابرة ، والتي تمثل امتداد القرطاس والقلم وما تبعهما من تطورات في هذا السياق "ن والقلم وما يسطرون".

ويسوغ بعض إخواننا ضرورة تغليب النشر الالكتروني في الدعم المالي المتواضع حتى الآن، بأن نشرهم هذا هو النشر الملائم للعصر انتشارا وأسلوب تصفح، غاضين النظر عن حقيقة بسيطة أن هذا الجدل لم يحسم بعد في موريتانيا على الأقل، فمازال للنشر الورقي نفس معتبر، بحجة مفحمة ،أن المستخدمين للأجهزة مازالوا في مستوى محدود بحكم معطيات جغرافية "عدم وصول هذه الأجهزة إلى الداخل وكثير من الأيدي في العواصم والمدن الكبرى بسبب العجز المالي عن الاقتناء".

والناظر للعالم أجمع يلاحظ فعلا تقدم النشر الألكتروني، دون أن يلغي في بقاع كثيرة دور النشر الورقي التقليدي.

أما محليا فواضح مستوى التعاطي مع الصحف رغم تراجع الإقبال عليها عند النخبة وتفضيلها للتصفح الالكتروني.

 وفي عدة دول مجاورة تلافي المعنيون رسميا هذا التراجع في الإعلام الورقي بالتمييز الإيجابي عند الدعم ، مما يعني باختصار أن الإعلام الورقي المتراجع ، أحق بالمال وإعادة التأهيل حتى لا يندثر، وهو الحال الذي بات مهددا به بقوة في التجربة الموريتانية في الوقت الراهن، مع ما تعانيه المطبعة الوطنية، و ضرورة حصولها على دعم مالي ذي بال، حتى لا تثقل دائما على الدعم الرمزي الذي تقدمه الدولة منذ سنوات محدودة للإعلام المستقل، وقد لوحظ تفاهة مبلغ مائتي مليون بعد ما أدمجت فيه السنوات الماضية المطبعة الوطنية بتعويض فارق السعر، بمبلغ سنوي من الدعم المالي المذكور، وقد وصل هذا التعويض لصالح المطبعة لـ64 مليون أوقية.

وعموما لا مشاحة في مآل الحساب الدقيق لمستوى الإنتشار، وإنما الأفضل والأسلم التوازن ولو نسبيا على الأقل بين الإعلام الورقي والألكتروني وغيرهما، فكلها أغصان من الشجرة الإعلامية الوارفة الظليلة، وحتى لو تعلق الأمر بالإعلام الرسمي، رغم كل ما يقال عنه بإختصار.

الإعلام حان وآن أوان أن يكون إعلاما موضوعيا مستقلا، عن جميع السلط الثلاث، وإنما بإيجاز سلطة رابعة عنوانها الصدق في نشر الخبر والموضوعية في التقييم والتعليق، على منوال تعريف الصحفي، في قانون الصحافة الموريتانية الناقص، حيث يقول هذا القانون في تعريف الصحفي، هو الشخص المخول بالحصول على الخبر ومعالجته دون ضغوط أو مخاطر.

وسيظل مطلب تأهيل الإعلام الورقي مبررا، وبصورة ماسة ملحة، مما يعني ضرورة تعميق التكوين وزيادة التمويل والتفهم المرحلي لمختلف العيوب، إلى حين نجاح الإعلاميين وجميع الجهات المعنية في إنضاج إعلام متميز مستقل حقا، ليكون هو الضامن لدفع وتقويم ورقابة مسارنا التنموي المفقود المنشود، ولتتحول ولو تدريجيا كافة المنابر الإعلامية الرسمية إلى سياق الإعلام الحقيقي بدل هذه التسمية "الإعلام الرسمي" ، والتي تمثل أهم بقايا مصطلحات الاستبداد في مجال الإعلام بوجه خاص.

إن تحرير الإعلام الرسمي من قيده الاستبدادي هذا، سيفتح المجال لتحرير عقول كبيرة كثيرة، ظلت مطمورة تحت هذا القبو ، المكرس لكافة أخطاء وخطايا الأنظمة المتغلبة المتعاقبة منذ الاستقلال وإلى اليوم.

وأما قصة المبلغ المقتطع "24 مليون أوقية" من مخصصات المطبعة الوطنية من الدعم الحالي للصحافة المستقلة فهو مؤشر مهم على جسارة الفريق الحالي وتماسكه وشجاعة وصلابة رئيسه إبراهيم ولد بكار ولد اصنيبه، لأن المطبعة بحاجة مبررة للمال، ولكن لا ينبغي أن تأخذ على حساب من هو أضعف منها، من فقراء الإعلام الورقي والالكتروني، وهو إطلاق قد يصدق عليهم جميعا، خصوصا في هذه السنة "عام الرماده" التي تآمر فيها ولد انجاي وولد حدمين على الوطن بخنق إعلامه المستقل، عبر القرار الغريب المثير، الذي أصدرته المفتشية العامة للدولة بأمر من الوزير الأول الحالي، ولا داعي لإطالة الجدل المشروع في قصة 24 مليون، فهي مثل البيضة والدجاجة أيهما الأول.

الصحافة محتاجة وبوجه خاص الورقية ، والمطبعة محتاجة أيضا لتعويض فارق السعر، لكن قد لا يكون الحل في الاتكاء والإضرار بالجانب الأضعف، الذي أشرنا إليه سالفا.

فليصبر إخواننا في المطبعة على ما قدم لهم في هذا العام "عام شوي الكلب بالنص" أربعين مليون كثيرة وهي بمقام 64 مليون، إن تذكرنا ما ممرنا به جميعا في موريتانيا خلال هذه السنة الشهباء2016، ولله الحمد والمنة على كل حال. ولتجاوز هذه الوضعية لصالح الصحافة والمطبعة وغيرها من المعنيين بالدعم ، ينبغي إقامة صندوق جديد لدعم الصحافة وما تعلق بها برأس مال لا يقل عن عشر مليارات أوقية، بعدما صرح ولد حدمين بأن ست مليارات منها موجودة نظريا 2016، لكنها لا تصرف طبعا لصالح الصحافة وإنما يتلاعب بها القائمون على التوقيعات ويلقى منها نزر قليل للمقربين والمتزلفين للسلط المتعاقبة على حساب الشعب والمهنة.

إن المبلغ الحالي لصندوق الدعم مائتي مليون أوقية، لا يفضي إلا للصراع والنزاع والغل والكراهية، لتفاهته واتساع الحقل الصحفي وحاجيات المطابع وخصوصا المطبعة الوطنية المصابرة.

وأذكر هنا بقصة صرح لي بهام مسؤول كبير في وزارة الشؤون الإقتصادية والتنمية، حيث قال لي ذات مرة، أحصينا عناوين كل صحفكم ضمن الصحافة المستقلة وإلى جانب "الشعب" و"أوريزوه"، ولم نستثني أي ترخيص بغض النظر عن الصدور من غيره، وأحتسبناها كلها ، ووجهنا طلبا للجهات المعنية بالتمويل، والتعاون معنا، وحصلنا على مبلغ معتبر، وبعدما استقر في الحسابات محليا، قدمنا منه مبلغ محدود للشعب و"أوريزوه"، عن طريق وكالة الأنباء الموريتانية، والباقي صرف في اتجاهات أخرى لا صلة لها مباشرة ولا غير مباشرة، لا بالصحافة المستقلة ولا غيرها، وهذا حصل دون علم أي صحفي ليسربه مرتاحا أو منزعجا، وعلى هذا المنوال ،وهذا من كلامي الخاص، سار ولد اجاي وولد حدمين عندما علموا أن الصحافة ضعيفة ومغيبة، فمنعوا رسميا بمقرر من المفتشية العامة وبأمر من الوزير الأول كل الإعانات والإشتراكات والتكوينات لصالح الصحافة المستقلة على مستوى الدولة الموريتانية ومؤسساتها الرسمية، وهذا ما طبقه سائر القطاع الخاص تقريبا وحتى الأفراد، مما يعني أنه قرار مبيت لإلزام الصحافة الموريتانية بخط تحريري أعوج أكثر من الراهن، وإلا محقت عبر مخطط قطع الأرزاق، وكما يقال في المثل "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".

 وإن لم تبادر الدولة للتراجع عن هذا القرار الرهيب الغريب في مظلة أي مشروع ديمقراطي مهما كان عرجه، فإن الصحافة ستجد نفسها يوما مضطرة للتوقف بالدرجة الأولى عن الصدور الورقي ولاحقا عن ممارسة المهنة عموما، لأنها أصبحت تعني التسول والفضائح وإغراق العرض بما لا يمكن تحمله من سؤال المخلوقات.

اللهم أغننا بسؤالك عن سؤال خلقك وفرج عنا هذا الكرب ووسع علينا وخلصنا من عزيز ويحيى ولد حدمين وولد انجاي بما شئت وكيف شئت، إنك على ما تشاء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال الله تعالى: "لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" .

قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "جاز للمظلوم السب".

وإنما الوضع الحالي لصيغة صندوق الدعم مجرد ذر للرماد في العيون وللإيقاع بين المطبعة واللجنة الموقرة والصحافة وكلها أجنحة تتكامل افتراضا ولا تتآكل، لا قدر الله.

 وللأسف المآل الراهن لللعبة القذرة أدى لشيء من هذا الأخير، النزاع والتنافس السلبي بسبب قلة المال المخصص لهذا المجال الإعلامي الفسيح.

 فقصر مشيد لا يمكن بنيانه بمجرد الأمل ووسائل محدودة لا تكفي لوضع الأساس، فمن باب أولى التشييد أو البينان أو إعادة التأهيل.

 فكلما تحدثنا عنه من إعادة التأهيل ومصطلحات الدعم، فارغ ما لم توافق الدولة على إلغاء القرار الغريب وإقامة صندوق معتبر ومنظم وبمبلغ لائق لا يقل عن عشرة مليارات، وإلا فالأفضل حل المهنة وإغلاق ما تعلق بها من مؤسسات ، مثل المطبعة الوطنية المصابرة وبوسائل متواضعة، وإن لم تلجأ الدولة لهذا القرار فستؤول إليه المهنة تدريجيا، مما يعني سقوط البنيان الديمقراطي المتواضع بسبب سقوط أهم أركانه ،الصحافة المستقلة.

 ولعل الدولة من غير تعقل دخلت في هذا النفق المظلم بإصدارها لهذا القرار السالف المناقشة "حرمان الصحافة" من حقوقها المالية.

ما من صواب فمن الله، وما من خطإ فمني.

وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.

 

أربعاء, 09/11/2016 - 11:03