كلمة الإصلاح هذه المرة تحاول أن تلقي نظرة سريعة عن حقيقة علاقة السلطة والمعارضة في موريتانيا لتـتساءل هل هذه المسميات تعطي معناها من العمل أم هي مجرد مسميات على مسميات أخرى.
فالمتـتـبع لهذه العلاقة بين هذين الاصطلاحين وهما: السلطة والمعارضة أو السلطة والموالاة من جهة والمعارضة من جهة أخرى سوف لا يجد لها معنى حقيقيا يؤدي المعنى المقصود من المعارضة في الدول الديمقراطية وهي متابعة عمل الحكومة وتـنبـيهها في الوقت المناسب على أخطائها وطلبها الإصلاح .
ولا المعارضة في الدول الدكتاتورية التي تريد إسقاط الحكم حتى تحل محله، وتبذل في ذلك أرواحها بالمقاومة العنيفة .
وكذلك فإن السلطة في موريتانيا ليست سلطة ديمقراطية تعرف أنها فقط المسؤولة الأولى عن جميع أفراد هذا الشعب سواء كان مواليا أو معارضا فتعطي لكل ذي حق حقه والذي يهمها هو السياسة العامة للدولة وتسيـير مواردها على أحسن ما يرام ، أما خارج تسيـير السياسة العامة للدولة في أي مجال داخلي فلا دخل فيه للدولة ولا تعطي توجيها يفهم منه المسير للمرفق الحكومي أن لا مكان لأي معارض من عند البواب إلى الوزير في الانـتـفاع من موارد الدولة فالذي عند المعارض في الدولة هو أن يعمل حرا في تخصصه الخاص في غير المؤسسات التي يمكن للدولة أن تؤثـر على سيرها .
وفي نفس الوقت ليست سلطة دكتاتورية تأخذ على التصريح وتزج في السجون كل من تيقـنت أنه ليس معها بل كل من السلطة والموالي لها والمعارضة تـتـخذ من الأخرى ما يشبه الحرب الباردة التي لا تؤثـر في سير كل منهما على المعنى المتـقدم أعلاه وكل عازم أن لا يتجاوز هذه الحدود للأخر .
فلاشـك أن الملاحظ يتعجب عندما يسمع أحد من الموالين يشيد بحكمة السلطة وثـقة الشعب فيها عندما لم تزعزعها هتافـات المعارضة بكلمة الرحيـل عندما يقول أفراد من الشعب في يوم ما كلمة أرحل أرحل ، فأي ذبابة ترحل من مكانها بمجرد كلام ارحل بدون أن ترى المرحل ، وأتذكر أن المعارضة في ليلة واحدة قام بعض أفرادها وأغلبهم من مسني المعارضة ، أرادوا الاعتصام جزءا من الليل في ساحة ابن عباس فجاءت فرقة قـليلة من الشرطة ورشتهم بخراطيم مياه فذهبوا إلى الآن ولم يعودو ، فهل هذا يعـد عمل معارضة لإسقاط حكم أو ترحيله؟ وهل ذهاب المسنين عن مكان الاعتصام يعـد انتصارا للسلطة وثـقة للشعب فيها فالعقول لا بد للمتـكلم أن يجعل في حسابه أنها تستمع إليه وهي واعية لما يجري على الساحة .
كما أن الموالاة تذكـر أن المعارضة أرادت تـقـليد الحركة التي سميت بالربيع العربي ، وبما أن الحركات الإسلامية كانت مشردة من طرف دكتاتوري العرب وأرادوا الدخول في المنافذ التي أحدثها الشباب العربي في الساحات الدكتاتورية : فكل فشـل فيما بعد في تـلك الانتفاضة العربية التي نسبت إلى الحركات الإسلامية بدون أن تـنسب إلى الشعوب العربية الخاصة التي نفذت انـتـفاضتها على أولئك الدكتاتوريين العرب فـقيل هنا إن المعارضة الموريتانية أرادت التـقـليد وعجزت ، وتلك الإدارة لم يقع منها إلا رقما يقال له 25 فبراير وينطق به عدد قـليل من الشباب المناسبات فهذا لا يرحـل أحدا ولا ينـتـصر به أحد ولا يكون مكانا لثـقة الشعب .
فادعاء الانتصار هنا على هذا النوع من المعارضة يشبه ما نستمع إليه الآن من رئيس وزراء العراق يقول جيشنا البطل الشجاع المغوار يدخل مدينة كذا وهذا الجيش الذي يعـد بمئات الآلاف يقاتل بضعة آلاف أو مئات وفوقها طائرات مئات الدول تقصفهم يقول هو عـند ذاك جيشنا البطل المغوار فمثـل هذا يستحي العاقل من قوله .
فموريتانيا ليس فيها موالاة ولا معارضة بمعنى الكلمة فالموالاة معناها المنـتـفعون من الحكم بدون إبداء أي رأي يعود إلى الشعب نفعه وليس فيها كذلك معارضة يمكنها أن تـثـور .
فالشعب الموريتاني ولله الحمد لا تصح منه ثورة إلا إذا قام بها جنود من الجيش متيقـنين من الميدان أنهم سوف لن يقـتـلوا أي أحد ولا يقـتـلهم أي أحد وعـند الانقلابات الفاشلة في موريتانيا تصديق هذه الميزة الموريتانية وليست فيه معارضة إلا كرها شخصيا لرئيس الدولة وطلبا لمكانه فقط .
فانقلاب 16 مارس 81 وانقلاب 5 يونيو لم يفشـلهم إلا خوف قـتـلهم لأي شخص ، أما الشعب بعمومه وأشكر الله على ذلك لا يعرف القـتـل الإجرامي مثل ما وقع في رابعة والنهضة ، فأهل ذلك القتـل وأمثالهم مثـل داعش لا يخافون من قوله تعالى (( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون )) الخ الآية .
وبعد التحليل السريع البسيط لطبيعة السلطة وموالاتها والمعارضة في موريتانيا نعود إلى ما ينبغي أن يكون الآن ولا سيما بعد خطاب الرئيس في ختام ذلك الحوار الذي تسميه الدولة الحوار الشامل وتسميه المعارضة الحوار الفاشـل:
فأنا أتعجب من عقلاء مسلمين تربوا داخل البيئة الإسلامية بمعنى أنهم يعـتـقدون اعتـقادا جازما بقوله تعالى (( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم )) ــ ومع ذلك يتـلـقفون بحماسة مسميات ـ جاءت من خارج الإسلام بل جاءت من أناس لا يرجون لقاء الله ألا وهي الموالاة والمعارضة لأن كلمة المعارضة لا وجود لها في الإسلام وبالمقابل لا وجود للدكتاتورية في الإسلام وإنما الموجود النصيحة بدل المعارضة وقبول النصيحة في الحق مقابل الدكتاتورية ، إلا أن هذه المسميات بما أن معناها التبادل السلمي على السلطة بطريق سلمية فالإسلام يرحب بها ولكن الجميع لم يرعها حق رعايتها لأن السلم هو إعطاء كل ذي حق حقه ، فالله يقول لنبـيه وهو قادر على تدمير أعدائه بقوله كن ولكنه يخاطبه بقوله (( وإن جنحوا للسلم فاجنج لها وتوكل على الله )) ويقول (( والله يدعوا إلى دار السلام )) فما هو هذا التبادل السلمي على السلطة الذي يدعو إليه الإسلام وتـعتـز الأمة بمعناه هل هو تبادل الشتائم والرسول صلى الله علية وسلم يقول : أن المفلس في الآخرة من جاء بحسنات كثيرة ولكن أكل مال هذا وشـتم هذا الخ الحديث .
فماذا فعـلت السلطة وموالاتها والمعارضة ومنـتـداها في التبادل السلمي على السلطة ، فالسلطة فهمت من جهتها أنها مادامت في السلطة فإن أرزاق الموريتانيـين من الدولة تمتـلكها ملكا تاما لا ينازعها في ذلك إلا ظالم فـتـعطيه لمن تـشاء وتمنعه ممن تـشاء حتى ولو كان الممنوع منه أكثر كفاءة وأمنا ومهنية .
وكذلك فإن المعارضة لا يعنيها من الدولة إلا تمني إسقاط الحكم والوصول إلى مكانها ولو كانت هذه السلطة رفعت بمستوى الدولة إلى القمم العالية ، فـنشاط الرئيس لصالح الوطن وأمانة بعض الموالين وفنيته وتضحيـته فالكل يعمل عندهم مياومة مع السلطة.
والكارثة الكبرى الساحقة الماحقة في الدنيا والآخرة لكل من السلطة والموالاة والمعارضة هو إطلاق كل واحد منهما لسانه الحاد من غير التـفات إلى أوامر الإسلام في هذا الصدد ، فلا يعنيهم أن إطلاق اللسان الحاد علامة على النفاق يقول تعالى (( فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير )) ويقول صلى الله عليه وسلم : أن علامة المنافق أنه إذا خاصم فجر .
فالموريتاني الموالي والمعارض ينسي نفسه في الدنيا والآخرة ويحلو له التفـنن في شتم خصمه مع أن الشتم لا يقوم به إلا لئيما كما فسر به الشاعر الموريتاني عندما قال لخصمه :
وإذا الكريم بسبه قد رامـنا فحلومنـا فلاله لذبابه
ففهم الخصم المعنى أنه قال له : أنت لئيم لأن الكريم لا يـسـب .
وخلاصة ما تـقدم من هذا المقال أني أقول للجميع موالاة ومعارضة هذا الايعاز العسكري "خلف در" فبعد خطاب الرئيس الأخير الذي حدد فيه زمنه في الرئاسة إذا كان حيا .. فعلى السلطة وموالاتها أن تعرف أن المعارضة مواطنون لهم من الحق في هذا الوطن ما للموالاة وأن تعرف المعارضة أن هذه السلطة عملت ما في وسعها من مصالح هذه الدولة ما لم يفعله جميع من سبقها في كل الاتجاهات إلا ما سوف أذكره إن شاء الله بعـد قـلـيـل .
فهي قد وجدت موريتانيا جثـة هامدة لا تـنـتـظر إلا من يدفنها ، فلا يأتيها رزق من معونة من خارجها إلا تــلقاه آنذاك موالاة لا تسأل عن ما تـفعل فتجعلها في ملكها الخاص وحالة الدولة الداخلية مزرية يدخلها من يشاء من أي مكان شاء ويتجنس منها متى شاء ويخرج منها كيف شاء .
ومن هنا نريد أن نشخص عمل الرئيس كما يتراءى لنا فهو قطعا في معاملته لغيره لم يأت من المؤسسة السياسية التي يتدرب فيها على الدبلوماسية ، كما ظهر أنه ليس من ضباط رواد الصالونات الموريتانية التي تختـلط داخلها المهن مع غيرها،ولكنه جاء من المؤسسة العسكرية الموريتانية التي ميزة أكثر ضباطها أنهم يلبسون زيهم العسكري تحت لباس عقيدتهم الإيمانية الراسخة بعكس زملائهم من الدول العربية الذين ينزعون لباسهم الإيماني عندما يرتدون زيهم العسكري وكذلك تفعل شرطتهم وعند مصر والشام خبر التطبيق الحرفي لذلك .
وأنا أعرف من الأمثـلة على ما ذكرته في سلوك أولئـك الضباط الموريتانيين الكثير ، ولذلك السبب فإن هذا الرئيس لم يؤاخذ الكثير عن ما يقولوه عنه من ما يحتاج إلى إثبات ولا إثبات .
والآن سوف نبدأ بتـعـداد ما أنجزه هذا الرئيس لهذا الشعب من غير تفصيل لأن المقالات لا تـتـسع للتفصيل ولا سيما إذا كان هذا الانجاز كـثـيرا .
أولا : ظهر أن الرئيس كانت عينه دائما على التصرف في الماليات التي نهبت من كل جهة وهو يرى بعينيه بطش المفسدين المتولين لتسيــيـر تـلك الموارد سواء كانت معونة أو إنتاجا محليا فأوقف ذلك كله وأنجز به كثيرا من البنى التحتية ومما يفيد الدولة ويزيد من سمعتها .
ثانيا : السمعة الخارجية للبـلد فوزارة الخارجية آنذاك مستهلكة فقط لتـذاكر السفر ولكن موريتانيا الآن أصبحت أنبائها شاغـلة لإعلام العالم عربـيا أوربيا وافريقيا .
ثالثا : الجيش الموريتاني كان بمعنى ديكورا للدولة يقوم بالنشيد ساعة المغادرة والحضور وعند متابعة قـتـلة الجيش في لمغيطي تفسير ذلك الضعف القاتـل .
رابعا: الدولة الموريتانية كانت ملعبا مفتوحا لمن أراد أن يلعب داخله ، ولاشك أن جميع هذه المسميات أنجز فيها هذا الرئيس انجازات عالية سوف يصعب مجاراته فيه مستـقبلا .
والمعجزة الكبرى في ما فعله هذا الرئيس هو وجود هذا المطار الجديد لم تصرف فيه الدولة إلا أراضي كان المسؤولون في الدولة يعطونها للأغنياء وعـند أرض تفرغ زين المجاورة خبر التصديق على هذا المثال .
هذا في نظري هي الصفحة البيضاء لهذا الرجل وتفصيلها يحتاج إلى كتاب مجزأ .
أما الصفحة السوداء في نظري والتي لم يـبق من زمنه ـ إذا لم يأت للسلطة ـ من نافذة أخرى ما يمكنه من تـبـيضها فيه فهي كالآتي :
أولا : الوضع الداخلي بمعنى الإدارة الإقليمية التي يجمعها كل ما يتبع لوزارة الداخلية واستـثـنى منها فقط قوة الحرس الوطني المشمولة في القوات المسلحة الذي حلب لها بكـلتا يديه فجميع ما يطلق عليه اسم القوات المسلحة أرواها حتى أصدرها وعللها عطـنا .
فكل مؤسسة يؤذن لها في للباس العسكري لا يكون عليها إلا ضابط من القوات المسلحة ، وهنا أقول حسنا فعل لأن قوة الجيش هي التي توزن عليها قوة الدول في الخارج ولكن ليته لم يترك الجناح الآخر للدولة ميتا وهو الأمن الداخلي الذي هو قوت الشعب وحضارته وحياته السلمية الخ
فـتـفـتيش وزارة الداخلية لم يفعل فـلو رأى شخص شوارع ومكاتب مقاطعات انواكشوط لما ظن أنها تـتـبع لرئاسة هذا الرجل الذي تـتـبعه وزارة المالية الذي فعـل تـفـتيشها وذهب بأهلها إلى السجون فـلو فـتــشت وزارة الداخلية والتعليم والصحة لاحتـجنا إلى سجون إضافية .
فالأمن الداخلي لولا أنه طرأ عليه في الأخير ضابط حزمه ونباهته وصرامته تعد من الوزن الثـقـيـل ولا سيما في هذه الموضوعات لكان اللصوص أظهر في الشوارع من رجال الأمن ولكن الأمور الآن أصبحت نسبية فكـل بيت في الأحياء الشعبية كان يخاف على نفسه من كثرة اللصوص ولكن أصبحوا الآن يبحث عنهم بالوسائل المتبقية من الأمن الداخلي عددا وعتادا .
فالإدارة الإقليمية نزع منها الرئيس الصلاحيات التي لها مردودية فنزعت هي رعايتها للحياة الحضرية بين الشعب والمحافظة عليها .
ثانـيا: الفقراء وهم الأغـلبية حقيقة في موريتانيا فإذا كان للرق آثاره فـلفقراء موريتانيا جميعا من كل شريحة آثاره من شـدة الصبر والعفاف على الجوع فلو تحرك المسؤولون في المقاطعات تحرك عمر بن الخطاب لتـفـقـد الجياع لرجعوا إلى مكاتبهم محملين بنداءات الإغاثة فلم يهد الله هذا الرجل لعمل ما يمسك الرزق في بعض المواطنين من خفض الأسعار أو وجود هيئة خيرية تغيث الجائع كما هو موجود في المغرب وهو يعرف ذلك
ثـالثا : التحام الشعب الموريتاني فيما بـينه ففي هذا العهد تكاد كل قـبـيلة تكون شريحة وحدها نــظرا لعدم تبني هياكل تجمع بين شرائح هذا الشعب فـلو أعيدت بنية الهياكل الآن ولكن تكون لقادتها رواتب لأختـلطت المصالح وتآزرت فيما بـينها ليحال دون كل دعوة تفرق بين هذا المجتمع .
وخلاصة الخلاصة هو أنه بعـد خطاب هذا الرئيس الذي عرفت زمن مدته ظاهرا فعليه وعلى زعماء المعارضة أن يعطوا لشجاعة هذا الخطاب جوابا يناسبه ألا وهو رفض المسيرة القادمة بموضوعها القديم أو تبديلها بمسيرة لصالح الفقراء والأمن الداخلي ويصرحون فيها أنهم من الآن سيـفعـلون زعامة المعارضة بالتـناصح والتعاون مع الدولة والوقوف ضد كل خارج عن هذا الاتجاه ولا سيما النداآت العنصرية المفرقـة لهذا الشعب ويعـلنون أيضا لكل الكتاب والمدونين والمقابـلين للتفزيونات أن موضوع المعارضة الفوضوية المبنـية فقط على الكلام غير اللائـق ضد النظام قد انتهت ، كما على الرئيس من جهـته أن يقوم بشجاعة أخرى وأن يقول لموالاته ولا سيما أصحاب الأقلام وللسنة الحداد أنه قـد استغني عن خدمتهم حتى إشعار آخر.
وهنا أنبه السيد الرئيس أنه يدعوا دائما إلى مراعاة حق الجيـل القادم ولا يعين هل هو الجيـل القادم إلى الدنيا أو الجيـل القادم إلى الآخرة مع أنه كم من جدة رحمت على ابنة ابنـتها .
فالجيل القادم على الآخرة أحق بالرعاية فيها لأن الدنيا يمكن فيها تغيـير الحالة الراهنة والآخرة يقول فيها تعالى (( لا يـبـدل القول لدي وما أنا بظلام للعبـبـد )) ( وهذا معناه) رعاية ما أمر الله به دائـما جماعة وكل فرد على حـدة في الدولة .
وعلى الجميع أن يـردد بعد ذلك قوله تعالى (( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كـنـتم أعداءا فألف بين قـلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكـنـتم على شفا حفرة من النار فأنـقـذكم منها كذلك يـبـين الله لكم آياته لعـلكم تهتدون )) .