مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

البطل السينمائي عزيز...من روصو إلى نواكشوط

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن

بعد ما غادرت الأسرة "اللوكه" )السينغال(، سكنت وقتا غير قصير منزلا ببغداد على الحدود بين موريتانيا والسينغال، داخل الأراضي الموريتانية بضواحي روصو، كان الأب في مرحلة أحيانا سائق سيارة أجرة، وكان المراهق عزيز مشغولا بالصراعات التي يكسبها غالبا بدهاء ومكر، عند بوابة سينما روصو، وكان صحبه يسمونه على بطل سينمائي معروف، مفتول العضلات، يدعى "ماسيس".

"ماسيس" الموريتاني هذا أو عزيز الحالي، عانى ذات مرة من فاقة المراهقين، فاضطر حسب الرواية "الروصوية" المتواترة عند العارفين، لجمع قرابة 100 قط تقريبا، وباعها لشركة أجنبية في روصو، يقال إنها صينية.

جماعة قصر المؤتمرات، تمثل في مجملها على الأقل، قطط "ماسيس"، السمينة أحيانا والهزيلة غالبا والمتوسطة أحيانا أخرى، فهل ستتم عملية البيع لجهة أجنبية أومحلية، على صيغة "ماسيسية" صعلوكية ماكرة مدروسة، قبل الإستفتاء أو بعده؟.

لا داعي للمقدمات حوار قصر المؤتمرات المنتهي للتو مجرد حلقة "ماسيسية" باختصار، وانتظروا في قابل الأيام، نسخة متطورة تلائم المنعطف الحرج الحساس الخطير لا قدر الله، وذلك عندما تنتهي المأمورية الحالية أو تقترب من نهايتها. فالمهم عند "ماسيس" على منحى "ميكيافيلي" طبعي، ليس الصدق أو الكذب، وإنما الحفاظ على اللقب والمكانة، ضمن المشهد السينمائي الطريف أحيانا، والمسالم أحيانا أخرى، لكن تحقيق هدف التفوق والخداع، هو خلفية التفكير والتخطيط الجوهري، لدى "ماسيس".

في المثل الحساني "لعمه إلى قال لك وهاي نزاركو فاعرف عنو واطي اعله حجره"

إذن، لا يستبعد أن تكون الخطة "ب" جاهزة للتطبيق بدقة، على حساب قطط قصر المؤتمرات بالدرجة الأولى، وبقية المغرورين المخدوعين المبهورين بالمشهد والخطاب "الماسيسي"، المنسوج بإتقان ومكر فائق نوعي.

ترى ماهي أهم محاولات الإلتفاف من قبل الدولة العميقة عبر ما أجبر عزيز على التصريح به، ونعني بوجه خاص بالدولة العميقة أهم مكوناتها في الوقت الراهن، ومنذ 1978، أي المؤسسة العسكرية، التي دبرت قرابة عشر انقلابات، لم تخل من تصفية الحسابات غالبا، وإن كانت بثوب "أبيض"، ملوث –أحيانا- ببقع حمراء داكنة.

"اصنادره" وبتخطيط من المستعمر السابق، فرنسا، يتهيئون للدور المرتقب الراجح قبل أو بعد الإستفتاء بقليل، بحجة وجود فتنة تهدد كيان الوطن، السيمفونية الجديدة القديمة، المكرسة لضياع أمل النخبة والشعب في حصول تناوب سلمي، أو حكم رشيد ولو نسبيا، يكرس أيضا الطابع الجمهوري للمؤسسة العسكرية الوطنية، وينقذها من الورم الإنقلابي السرطاني المتفاقم )ظاهرة الإنقلابات المزمنة(، الموشكة على الإجهاز على ما بقي في هذه المؤسسة العسكرية الوطنية من خير، بل ربما على ما بقي في الوطن كله من خير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الخير وفي أمتي إلى يوم القيامة".

أجل، سنسمع من جديد البيان رقم واحد، وسيلقي عزيز ضمن تكتيك مؤقت في براثين السجن كما ألقى فيه الكثير من المظلومين، طيلة فترة نفوذه منذ الأربعاء الثالث أغسطس2005 وإلى اليوم، "وكما تدين تدان" كما جاء في الحديث القدسي وسجن الدنيا  أخف من سجن الآخرة طبعا، ونرجو أن يكون هذا السجن المتوقع ضد رئيسنا الحالي بعيدا عن تصفية الحسابات ،وربما يكون ذلك عن قصد بسبب حماية الفرنسيين ،الحاكم الفعلي،لأسرار وفضائح اللعبة القذرة، وقد تبقى إلى وقت معتبر غير قصير الدولة الموريتانية في قيد الإنقلاب ثم الإنتقال، حلقة مفرغة، وهكذا دواليك، وبإختصار، لأن المعارضة متنازعة وبلا بوصلة، وفرنسا لا تثق في عمالتها المطلقة، و"اصنادره" منافعهم لا تحصى ظاهرا وباطنا من الحكم وسيطرتهم على دفته، وخصوصا نخبتهم ومافياهم، ذات الرتب الكبيرة ،ولكثير من الأسباب ،يرجح بقاء السلطة عموما في يد العسكر في وطننا وغيره من بقاع الوطن العربي خصوصا، كما أن المغالبة على هذا الإشكال ستكون مكلفة للدول والشعوب، وإن بمستويات متفاوتة.

ويبقى التذكير ضروريا إلى أن معارضتنا فعلا بلا بوصلة ومقدرتها على التوقع والتكيف محدودة، ما قبل الإنقلاب على عزيز وما بعده في الوقت القريب، وغير ذلك من باب أولى. وكل الأجهزة ذات الشأن لها خلايا ذات رؤوس أموال معتبرة وعنصر بشري عميق مخصصة للتوقع والتقييم والتكيف والإستبصار والإستشراف، ولعل ذلك ضروري لنا حتى في أسرنا ومكاتبنا وسياراتنا وأحوالنا كلها بإذن الله، ذات الطابع الشخصي أو الأسري أو الإجتماعي أو الوطني أو الكوني الفسيح، فصاحب اللب مشغول دائما، وقال بعض المتصوفة ومربي القلوب، "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فلنحرص على إشغال أنفسنا ووطننا وعالمنا بما ينفع في الدنيا والآخرة". قال تعالى: "فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

لا يمكن وطنيا قبول تغيير العلم ولا النشيد الوطني بحكم إعتبارات كثيرة لا داعي لشرحها، وأولها بصراحة أننا لا نعتبر هذه المرحلة العزيزية "الماسيسية" مرحلة نموذجية، تستحق أن تترك لها إشارة إلى الأبد في العلم والنشيد الوطنيين، فهي علامة عزيز وبعض مافياه أو قلة من ذويه على بلدنا الغالي موريتانيا، وإنما بإذن الله على منحى حديثه صلى الله عليه وسلم من رواية "بن ماجه": "إن الله يحب الفأل الحسن"، سينقذ الله البلد من هذه المؤامرة الصارخة المدوية، وقد يظل بقدر من الله في المقابل في أيدي إنقلابيين جدد، ما لم تتحرك المعارضة الصادقة أيا كانت مشاربها حتى من داخل الموالاة، وبأسلوب سلمي جاد مدروس متصاعد، طابعه التضحية المتوازنة المسؤولة شرعا، للخلاص من هذا الورم السرطاني العسكري الانقلابي المزمن، لصالح الوطن والأمة، ولصالح العسكر أنفسهم، ومهمتهم الحقيقية، وطبعا كما قلت سابقا لصالح شعبنا ووطننا بصورة أشمل وأأمن بإذن الله.

قد لا يخرج ولد عبد العزيز طوعا وإنما مكره أخاك لا بطل، عافاه الله، ولا نقبل مطلقا الإساءة إلى صهرنا رغم إساءته لتلك المعاني التقليدية النبيلة والمبررة شرعا، فهل كانت تجربته في الحكم أشنع من غيره؟ أو هم في المنطلق والتطبيق متشابهون تقريبا، سوى أن صاحبنا الحالي، كان أقل تلوثا بالدماء الصريحة، والله أعلم بما خفي، فربما كان أعظم لا قدر الله، وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق كما في المثل العربي الشهير المعبر.

ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولنحذر تصفية الحسابات من أي لون، ظاهر أو خفي مباشر أو غير مباشر، خصوصا عندما يختفي "ماسيس" خلف غياهيب السجن، لا قدر الله.

لن تقطر قطرة دم إن شاء الله، في سياق الانقلاب المتوقع بقوة، إنهم أنصار معاوية و"ليد الشرقيه" أساسا، في المؤسسة العسكرية، وبحكمة

وعلى خلاف المعهود عند "بعض أهل الشرق"، ستسير السفينة الوطنية ردحا من الوقت، تحت مظلة حكم عسكري جديد يسع الجميع بتوازن نسبي، وستظل المعارضة عاجزة تماما عن التأثير بنسبة ذي بال على المشهد السياسي الوطني.

إنه التيه بداهة، إلى حين نزول الفرج، والله أعلم متى ستنفك الظلمة الانقلابية المعتمة المقرفة، مهما كانت إيجابياتها المدعاة، اللهم سلم....سلم...

سنجد صهرنا يوما في ضيافتنا في أطار، وسيعلم أن بعض من "سيتحمجون" له، لا يحملون بحكم التكوين والثقافة النفعية ذلك الخلق الرفيع، بل الأمر فحسب حساب تجاري مادي ضيق، كما فعل بعض "أسماسيد" مع صاحبهم.

ربما تكون إقامة عزيز المجبر عليها في أطار في إحدى منازل "أهل عبد الله" وليس بتنسيق من ولد محم ولا برغبة من المنفق الكريم اشريف ولد عبد الله أو طلب من الأخير حفظه الله، وإنما بأمر قضائي أو أمني من الدولة وقتها، لأن رجال الأعمال رغم ذمامة بعضهم، أهل إحسان وأمان وخوف مبرر لدى البعض من "المخزن"، لإدراكهم لأهميته وخطورته في آن واحد.

الدولة مكوناتها ثلاث، الإقليم والشعب والسلطة والأهم في تقييم البعض الأولان، والثالث مثل لون السيارة، فإن مثلنا الدولة بسيارة، فماكينتها وما تقف عليه أهم من لونها المتغير، المتبدل طبعا حسب الظرف والذوق.

وبعض الدول مثل أمريكا أصبح فيها تقريبا الرئيس شكليا وعرقه ومشربه السياسي كذلك ربما، فهل نتعظ ونعتبر لإحالة جانب من هذا المعنى إلى وطننا الغارق في لجة شكليات ومفاهيم لا تخدم مشروع الدولة.

لا بأس بخدمة النظام لمن أراد، حسب الاجتهاد، من أجل مصلحة بقية مكونات الدولة، ولا بأس بالتذكير أيضا لخطورة الخروج الفعلي على النظام، فوجود نظام ما أقرب للحزم من فوضى منفلتة عمياء لا حد لها ولا حاجز، ولتبقى كلمة حق عند سلطان جائر، سواء كان ذي سلطة فعلية عامة أو معنوية ما، أو مادية ما، مثل كبار التجار وأصحاب الدثور، فمن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، مصداقا لحديث جدنا محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

ذهب معاوية أو سقط الصنم الحالي "ماسيس" أو جاء غزواني أو غيره، حكم زيد أو عمرو مهم لكن الأهم الاستقرار ومصالح شعب مسلم واسع مقهور، هو الشعب الموريتاني المسالم غالبا، الضعيف الذاكرة الجمعية للأسف البالغ.

الدولة الموريتانية، منذ بزوغها في عهد الراحل المؤسس المختار ولد داداه رحمه الله، ظلت أسيرة لمصالح الأسماء والمجموعات المتغلبة قبل أن تكون خادمة لهذه الدولة المشروع، للمعاني والمبادئ التي قامت إدعاء وشعارا من أجل خدمتها وتكريسها، وللأسف ظلت المشاعر الأسرية والمصالح الضيقة تغطي على الصالح العام والأهداف والمقاصد الحقيقية للدولة المسلمة المحلية )الجمهورية الإسلامية الموريتانية( التي لم تتجاوز غالبا مرحلة الشعار، سواء تعلق الأمر بالشق الجمهوري أو الإسلامي أو الموريتاني، فقد أفسد الجيش المعنى الجمهوري لهذه المؤسسة وابتعد الجميع عن التطبيق الحقيقي المدروس الواعي الفعلي للشريعة الإسلامية، وظلت موريتانيا أحيانا مختطفة على حساب سائر الموريتانيين تقريبا، تستفيد منها امرأة بريطانية الجنسية، نمساوية الأصل، ألمانية السكن، بالمليارات من الأوقية أكثر ربما من الحاكم نفسه، الذي استودع ماله –بإتقان- على حساب ولده رحمه الله، وحصلت الورطة بعد الحادثة.

إذن، جميع هذه المعاني لم تنزل إلى الواقع بشكل نموذجي في أي فترة من فترات الحكم السابقة، سواء في عهد ولد داداه أو العسكر الانقلابيين.

وباختصار الحوار مفيد، لكن ما حصل منه مشوب وناقص وبعض الشيء خير من لا شيء وما لا يدرك جله لا يترك كله، ولا أحسب هذا الحوار الراهن إلا قنطرة عبور بإذن الله، والله أعلم هل هو عبور لمؤامرة منسوجة متقنة الإعداد داخليا وخارجيا أم إلى فرج عميم واسع للجميع، وهذا ما نرجوه من الله ونحسن الظن بـ"ماسيس" المتغلب ولا نأمن مكره إطلاقا، فذلك ما غلب عليه، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ما من صواب فمن الله وما من خطإ فمني.

ثلاثاء, 25/10/2016 - 05:39