مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

الكهرباء بين ذريعة الشبكة وحقيقة الشركة!

 م. محفوظ أحمد

 نكتة فائض الكهرباء وتصديره تصطدم بالانقطاعات المستمرة بنفس الوتيرة والعموم في نواكشوط (جميع الأحياء، دفعة أو تناوبا). وبدلا من أن تقنع الناس، تأكل مصداقية السلطة التي تكررها في الظلام!

لا أكَذب تصديرنا الكهرباء، فهو صحيح. ولكنه قد يكون من باب تصديرنا للقمح؛ فقد تم إنتاج شيء منه قليل للتجربة، ويمكن تصديره!

اكتشقت الحكومة إزاء أزمة الطاقة المزمنة، عذرا عجيبا: هو سوء شبكة توزيع الكهرباء. وكأنها مسئولة فقط عن "إنتاج" كمية محددة من الكهرباء، والباقي لا يعنيها؛ وهو نقل وتوزيع التيار الكهربائي!
ألم يكن إصلاح الشبكة وصيانتها وتوسيعها على نفس القدر من الأهمية، مثل بناء محطات الإنتاج؟  إنه أكثر أهمية، من حيث المخاطر والهدر الذي تمثله الشبكة القديمة التي تهالكت وعاث فيها مسئولو وموظفوSOMELEC والوسطاء والراشون والمرتشون فتكا وفسادا؛ فأصبحت أسلاكها وحبالها المنثورة شركا للصعق والهلاك والحرائق... في كثير من أحياء نواكشوط، وخاصة مناطق الفقراء والمحرومين الواسعة؟!
ومع ذلك فإن من لهم أدنى خبرة بالكهرباء يعلمون أن اعتذار الحكومة بحال الشبكة، مجرد ذريعة سرعان ما يدحضها الاضطراب والانخفاض الشديد في جهد التيار الكهربائي إلى حد الفشل في بعض الأوقات (قد يهبط إلى 160V بدل 240)!.
**
والحقيقة أن هناك ما هو أسوأ من الشبكة تعاني منه حالة الكهرباء، ولن تفلح معه أي زيادة في الإنتاج ولا أي إصلاح لشبكة التوزيع.
إنه شركة الكهرباء نفسها: SOMELEC التي عشعش فيها الفساد واستوطنها الفشل.
فهذه المؤسسة التي ظلت تتردى وتنهب طاقات الدولة والمواطنين معا، تعاني من حالة عجز عضوية، بسبب ما تعاورها من إدارات فاسدة تطرد عنها ذوي المهارة وتغرقها بموظفين وعمال وعاملات لا خبرة لهم ولا قدرة ولا وعي...
إن هذه المؤسسة التي تعرج منذ ثلاثة عقود أو تزيد لا تتوفر على الخبرات الفنية ولا الوسائل المناسبة. فأصحاب الكفاءة المستقيمون لا يستطيعون البقاء في أكنافها ساعة، والوسائل اللوجستية التي تتعاطاها في الغالب رديئة أو مغشوشة؛ بسبب اعتماد إداراتها ومصالحها على صفقات الفساد والزبونية والمحاباة... في اختيار المزودين والوسطاء، في كل كبير وحقير.
وطوال هذه المسيرة المخجلة ظل المواطنون هم "الحائط القصير" والضحية للفشل والابتزاز. فزيدت الأسعار بشكل احتيالي قائم على الاحتقار والإهانة المبطنة: (مثلا: إذا اشتريت ثلاجة أو تلفازا فسيرتفع استهلاكك قليلا، فتضاعف الشركة عليك الأسعار والضرائب 100% تقريبا، ولن تراجعها إذا تخلصت من تلك "الرفاهية" وخفضت استهلاكك إلى أقل من سابقه!).
ومن المعروف في مراكز الشركة وبين عمالها أن جميع خدماتها، وخاصة في الأحياء الشعبية، لا ينجز منها شيء في الأوقات المعقولة ولا بالطرق المشروعة. بل يستخدم بعضها للابتزاز المفضوح ونصفية الحسابات!
فحين تُسقط الرياح أو رداءة التركيب عدَّادك ـ مثلا ـ تتعرض للحرمان والغرامة بحجة أنك "ربما" سرقت الكهرباء، وإذا زودوك بعدَّاد كهرباء يأتيك منهم من يقول إنه "غير مسجل" وبالتالي فأنت سارق أحمر عليك الحرمان والغرامة (وهم من يحددون الغرامات بطريقة تخدم الرشوة):
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه == وصدق ما يعتاده من توهم
وإذا كنت مشتركا جديدا في خدمات "صوملك" فعليك أن تدفع ثمن التجهيزات ثم تشتريها مرة أخرى من السوق! وتدفع لمن يركبها من عمالٍ ووسطاء؛ وهم جيش موازٍ من عمال الشارع، بلا أدنى خبرة، تستغلهم الشركة دون مسئولية، ويستغلهم الموظفون لتبييض الرشى، ويستغلون هم بدورهم المواطنين دون رحمة!!
وهكذا فإن الشركة في المراكز الشعبية على الأقل باتت "مقاذر" (منازل شعبية مؤجرة بدون صيانة ولا نظافة) لإهانة المتعاملين معها. فلا توجد مكاتب محترمة، ولا مقاعد استقبال، ولا نظام... ولا من تخاطبه أو يرى أو يسمع!
حتى خدمة توزيع الفواتير وإشعار الزبائن بمواقيت الدفع، لم تعد تصل المستهلكين؛ مما يحتم الوقوع في التأخر عن أجل الدفع، فيكون الإشعار هو بقطع التيار الكهربائي عن المشترك وتغريمه مقابل إعادته، التي لن تقوم بها الشركة في الوقت المناسب؛ مما يحتم على المستهلك أن يدفع الغرامة أولا ثم يدفع للعمال الموازين لإعادة التيار...!!
وبينما يُجبى من كل مشترك مبلغ ضريبي مثبت على فاتورته ـ المفقودة ـ باسم "الإنارة العمومية"، فإن الشركة لا تكلف نفسها تركيب مصابيح (أمبول) في أعمدة الإنارة التي كانت موجودة في بعض الأحياء القديمة. أما الأحياء الجديدة فلم تكلف الشركة نفسها وضع شبكة إنارة عمومية فيها. ولكنها تجبي ثمنها من المواطنين بشكل تلقائي ودون علم أغلبهم!
ومن الطريف أن المهذبين في إدارة الشركة، وبعض مراكزها "النظيفة" المجهزة بمقاعد ـ الموجودة حصرا في "تفرغ زينة"ـ يبررون لوسائل الإعلام وللأصدقاء انقطاعات الكهرباء بأعمال أشغالٍ وحفرٍ تقوم بها جهات أخرى؛ مثل تمديدات الماء والصرف... والكهرباء نفسها!
والحقيقة أن ذلك نتيجة لثالث الموبقات التي ترتكبها SOMELEC وهي عدم وجود خرائط لشبكة الكهرباء العامة في نواكشوط (أحرى غيرها!).
فخلافا لأي مؤسسة كهرباء أو ماء في العالم (بما فيه الدول المجاورة التي نحن أحسن منها!) ظلت "صوملك" تردم كابلاتها كما تردم القطط فعلاتها! فلا توجد رسوم ولا علامات تحدد مكان تلك الكابلات والتوصيلات الحيوية.
وهذا الإهمال لا تتوقف خطورته على تعرض الشبكة "لنبش" الآخرين، ولكنه يجعل الشركة نفسها بحاجة "لأولياء" أو "ﮔـزانين" يدلونها على عروق شبكتها المطمورة، عند الحاجة لاكتشاف مكامن التلف أو الانقطاع مثلا!!
**
والحاصل أنه إذا كان الغرض من بناء محطات توليد الطاقة هو تحقيق أرقام عن الإنتاج والاكتفاء والتصدير... للدعاية السياسية، فهذا قد تم فعلا أو مجهول لدى العموم (ونعلم خبرة الحكومة في استغلال جهلنا!) وأما إن كان الغرض توفير الطاقة الكهربائية بشكل دائم يفي بحاجة الناس ومتطلبات المرافق الحضرية لمدينة نواكشوط، التي يفتك بها كل نظام جديد بإضافة أحياء بائسة إلى أحيائها المرمية، فإن ذلك لم يتحقق بعد.
وما تزال المعاناة من انعدام الكهرباء وانقطاعاتها وإرجاعاتها الفجائية وضعفها، كما كانت؛ بل أكثر حدة، بسبب تزايد الحاجة والاعتماد على الكهرباء في حياة الناس.
 

أحد, 02/10/2016 - 00:02