عثمان جدو
تعيش بعض مقاطعات العاصمة انواكشوط هذه الأيام وضعا أمنيا استثنائيا من حيث عدد عمليات السطو وخطورتها ونوعيتها..
لقد ابتدع هؤلاء اللصوص طرقا مختلفة لتنفيذ خططهم الإجرامية وإذعان ضحاياهم فاعتمدوا في هجومهم اللصوصي على فرق تتألف من خمسة إلى ست عناصر -على الأقل- مدججين بأنواع الأسلحة البيضاء (سكاكين، سيوف،مفكات العجلات) ؛ يستخدمون السيوف والسكاكين لإرعاب ضحاياهم ويستخدمون المفكات لتكسير شبابيك النوافذ التي يبدو أن تجربة قلعها المتكررة مع أغلب المنازل المستهدفة من طرف هؤلاء اللصوص؛ أثبتت ضعفها وهشاشة صنعها أصلا !
وبتتبع العمليات المتكررة لهؤلاء اللصوص يلاحظ أنهم يتوزعون على الأدوار؛ أحدهم للحراسة الخارجية وواحد أو اثنان أو ثلاثة حسب عدد الموجود من الضحايا الرجال؛ مفرجًا كل منهما بين ساقيه على ظهر الضحية حاملا سيفا ومصباحا غالبا ما يكون ضوءه أزرق شديد الزُرْقَة، وأحيانا يكون من معداتهم في هذه العمليات مسدس كهربائي ورذاذ للتنويم مدة دقائق.
يستهدف هؤلاء غالبا الهواتف المحمولة والحواسيب بالإضافة إلى النقود طبعا بوصفها مقصود دائم؛ وقد تجاوزوا في تعاملاتهم مع سرقاتهم هذه الطرق القديمة التي تعتمد على السرقة الفردية والمكشوفة غالبا وكذلك تجاوزوا بيع الهواتف التي كانت غالبا ما تؤدي إلى الإمساك بالسارق؛ فلقد أصبح هؤلاء أكثر تنظيما إذ صاروا يفككون هذه الهواتف ويبيعونها قطعا قطعا؛ كما يفعل زملاؤهم مع السيارات المسروقة والتي يلاحظ في الآونة الأخيرة استهداف نوعية (كارينا) منها بشكل كبير رغم قدمها وتهالك كثير من الموجود منها، ويتضح من آثار عمليات السرقة التي تطال هذه السيارات أن وراءها ميكانيكيون مهرة ولصوص ذوو خبرة عالية؛نظرا لبراعة التفكيك والسرعة في تنفيذه!!
لقد اشتد عود هؤلاء اللصوص وقويتْ شوكتهم وصار سيفهم ماضٍ؛ فاستمرؤا تنغيص أمن المواطن المسالم الأعزل حين عزلوه في زاوية من بيتة وانثالوا عليه دون هوادة ترويعا له وسلبا لممتلكاته، وبلغت بهم حقارة الجسارة والاستهتار بالأمن إلى أن أدمنوا العودة إلى نفس المنازل التي نفذُّوا فيها سرقاتهم في ليال متتالية، وباعتمادهم غالبا في الدخول لهذه المنازل على نزع شبابيك النوافذ؛ لم يعد للباب المحكم الإغلاق معنى؛ فالنافذة هي المنفذ المفضل والمدخل السالك!؟
إن هذه العمليات المتكررة التي استهدفت ساكنة انواكشوط بشكل عام ومقاطعة تيارت بشكل خاص؛ تأخذ وتيرة متسارعة وخطيرة هي الأولى من نوعها في غياب تام لوجود *الشرطة* المسؤولة عن أمن المواطن الداخلي وفي تلاشٍ تام لتأثيرها؛ وهي التي تحتاج إن هي أرادت رجوع الألق واسترجاع الهيبة إلى عمليات نوعية متتالية وناجحة جدا جدا، من أجل كسر شوكة هؤلاء المجرمين الذين ألِفوا سلب أموال المواطنين بمنتهى السهولة مما يعني أن تراجعهم أو إفطامهم عن ذلك من الصعوبة بمكان.
كل هذا يحدث وبلادنا تمتلك فصائل أمنية متنوعة ومدعومة ماديا ومعنويا من طرف الحكومة والدولة والمواطن؛ لكن غياب التنسيق الكافي وتقصير البعض والاستهتار والرعونة كلها عوامل من شأنها أن تكون سببا في تفاقم الأزمة واستفحال المشكل ووصول الحال إلى ماهو عليه؛ هذا إذا ما استثنينا بعض التدخلات القليلة التي يقوم بها عناصر من *الدرك* من حين لآخر-بعد الطلب والاتصال طبعا- حيث تمت مشاهدتهم وهم يسوقون جماعات منهم من تأبط سيفا ومنهم القابضُ سكينا..!
إن الوضع القائم في مقاطعة تيارت-خصوصا- وفي انواكشوط-عموما- يحتاج هبة شعبية وصرخة في وجه هؤلاء اللصوص والتنسيق بين الأهالي وتبادل أرقام الهواتف من أجل مواجهة هذه الجماعات اللصوصية بجماعات شبابية أهلية تكون لها بالمرصاد توقفها عند حدِّها، ويحتاج الوضع أيضا صرخة من الجميع في وجه *الشرطة* حتى تقوم بدورها وتكثف من دورياتها التي لا ينبغي أن يقل أفرادها-إن هي أرادت نجاعتها- عن عشرة أفراد في السيارة الواحدة وعلى تلك السيارة أن لا تكون كالتي ينفذ وقودها قبل الشروع في المطاردة ليبدأ البحث لها هي عن من يساعدها في استعادة الحركة ومواصلة المسير !؟
علينا أن نرتقي بعملنا الأمني حتى يواكب التطور الحاصل والملاحظ في المجالات المختلفة؛ إذ لا يخفى على الناظر ما شهدته العاصمة وتشهده من تغير كبير في البنية التحتية خاصة الطرق التي أصبحت فسيحة ومرتفعة ومميزة بأرصفتها النوعية وإنارتها الفريدة والصديقة للبيئة وكذا المقرات الإدارية العصرية والمرافق الصحية المجهزة بأحدث الوسائل والمنشآت التعليمية ذات المواصفات العالمية وما مطار انواكشوط الدولي*أم التونسي* إلا عنصرا هاما في هذه المتتالية التي ينضاف إليها الضبط المحكم الذي شهدته الوثائق المؤمنة عن طريق وكالتها المستحدثة والتي تعد صمام أمان ينبغي أن يوازيه تأمين ميداني لأجساد المواطنين وممتلكاتهم بعد تأمين انتمائهم؛
الدولة سائرة في طريق التقدم و النمو بثبات ويتجلى ذلك في عديد المشاريع المنجزة والأخرى التي تشرئب لها الأعناق في قابل الأيام، وينبغي أن يكون كل ذلك مدعوما بمنظومة أمنية موازية تستجيب لكل التطلعات وتلبي كل الحاجات؛ فالجريمة تتطور يوميا ويجب أن لا تبقى وسائل وطرق مكافحتها بدائية ورتيبة.