بقلم \ محمد الكوري ولد العربي..
ليس من عادتي الدخول في مناقشة قناعات الناس ، وخصوصا الناس الذين يتميزون بالوعي والحصافة والنزاهة عموما.. ولست ممن يدافعون عن الأفراد ، مهما علا شأنهم، اللهم الذين تنتهك أعراضهم ، ظلما، وهم تحت الثرى. وليعذرني أصدقاء أعزاء يأخذون علي الإطالة في الكتابة ، مع أن الوقت لا يسمح بقراءة ( المطولات). ولعلي أجد العذر في أني لست ممن يسبحون كل يوم على مساحات التواصل الاجتماعي. الحقيقة أنه أثارني ، بدرجة تساوى فيها طرف الدهشة مع طرف الطرافة، مقال لكاتب مثقف وسياسي محنكن بعنوان : " حذاري من استعداء العرب لإيران"، أو بصياغة قريبة من هذا، لا تحضرني حرفيا. وما أدهشني هو هذا العنوان ( استعداء العرب لإيران)؛ فأعدت النظر كرتين فيه. وقلت في نفسي : أين يستعدي العرب إيران.. وهل مازال في هذه الجغرافيا ، من جزيرة العرب وحتى شواطئ الأطلسي، قوة عربية، من أي نوع، ومن أي حجم، بمقدورها استعداء سنجاب ( مندريش) كسير ، أحرى دولة إقليمية عاتية ، مثل إيران.؟. فو الله لو أنه بقي ثمة في جغرافيا الوطن العربي "كيان سياسي" متماسك ، وسليم من التصدع الداخلي ، لاستنكحني الوسواس أن هذا العنوان وجيه، ولأدخلت قلمي في المحبرة لأدافع عن الدولة الإيرانية. والمشكل في هذا المقال أن صاحبه ليس من الناس الذين يستغفلون الناس ، أو يستسخرون من عقولهم ، أو يلعبون بالهزل ؛ فيكتبون بالطرق التهكمية.. وهو، بكل ثقة، منزه عن انجذاب المغفل السلبي نحو التشويش المكثف ، الذي راح ضحية له نخب كثيرة من العرب المغفلين، فاستجابوا لهذه " الاتهامات" الباطلة بأن العرب يستهدفون إيران بغير وجه حق؛ وهي التي تقاوم " اسرائيل"، بالنيابة عنهم. فالمتواتر مع قوة السند، بلغة أهل الحديث، قولا وفعلا، هو أن قادة إيران ، عسكريين وسياسيين، يتباهون بالسيطرة على أكثر من عاصمة عربية، وأن من أشعل الفتن المذهبية في الأقطار العربية هم الإيرانيون ، بدليل أنها لم تعرف مثل هذه الفتن قبل مجيء النظام الثيوقراطي في إيران. والذي لا يرقى إليه شك هو أن إيران لعبت الدور الحاسم في احتلال العراق، بدليل تصريحات نائب رئيس الجمهورية، أبطحي، في مؤتمر دبي، 2005 ،الذي قال، وهو منفوش الريش" لولا الدور الذي قدمته " الجمهورية الاسلامية الإيرانية" لما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية اسقاط نظام صدام حسين، وبالتالي احتلال العراق. وهذا موثق ، وتناقلته وسائل الإعلام الدولية في حينه. فما عليكم إلا الاطلاع عليه عبر محركات البحث . وإذا نظرنا مسالة إيران من زاوية قومية ، فإيران هي التي تحتل الأرض العربية، وليس العرب من يحتل الأراضي الإيرانية ( من يحتل إمارة الأحواز العربية، وجزر الإمارات العربية المتحدة، ومن يزعم، علنا، ملكيته للبحرين العربية، ومن يتدخل ، الآن، بقواته سوريا واليمن ولبنان...، ومن يحرق العراق، أرضا وشعبا واقتصادا وتاريخا وحضارة؟ ).
فلو أن دولة عربية، يا جماعة، هي التي تتدخل في إران ، أو تحتل أراضي إيرانية، أو تعبث بالنسيج الاجتماعي لإيران ، أو تآمرت مع قوة عالمية لاحتلال إيران ، لو أن أمرا من هذا القبيل حصل لوقفنا مع الشعوب الإيرانية ، ولاعتبرنا أن العرب يستعدون إيران ، بل يعتدون عليها. وعندما تكون إيران من قام ويقوم بكل ذلك ، فمن الطريف والمدهش، معا، أن نطالب العرب بالكف عن استعداء إيران. طبعا، لا نوجه هذا الكلام لتلامذة الخميني من " القوميين العرب" ولا لمريدي نظامه، من بعده، لأنهم أكثر غيرة على إيران منهم على العرب. فهؤلاء ينافحون عن إيران بوصفها قائدة محور مقاومة الاحتلال الصهيوني من أجل الاحتلال الصفوي.. وهم على هذا المنوال ، حتى لو احتلت إيران الوطن العربي من جبال زاغروس وحتى انجاغو، في موريتانيا. إنما حديثنا موجه للنخب العربية التقدمية ، التي تنطلق من مبدأ رفض الاحتلال، ولا تعطي طعما لذيذا لاحتلال إيراني، وطعما مرا لاحتلال صهيوني. فمبدأ رفض الاحتلال واحد ، لا يتجزأ، بغض النظر عن مصدره؛ والتي لا تدفعها ضبابية الظروف العربية إلى الاستدارة حول أمتهم لتحميلها المسؤولية فيما لا تتحمل فيه المسؤولية. فالعرب لم يعد بأيديهم سلاح إلا فكرة أنهم موجودون ؛ وحتى هذه الفكرة ثمة ،من ضمننا، من يحاول، جاهدا، أن ينتزعها من نياط قلوبنا ، ليتقرب بها لإيران. غير أن الأفراد بملكهم التضحية بأنفسهم في سبيل هدف أسمى.. ولكن الأمم لا تضحي بوجودها من أجل أمم أخرى. وحقا أنه لا شك أن ما نحن فيه من عسر شديد تقع المسؤولية العظمى فيه على أقطار عربية بذاتها ؛ ولكن هذه الكلمة الحق لا يجب أن تشكل منصة شرف لإيران القوية المهيمنة، أو صك براءة مفتوح لعملائها في لبنان. فإيران، اليوم، يدفعها تشوق مجنون للسيطرة والتسلط والهيمنة على العرب، وليس العكس. فما لم تدمره " اسرائيل بحروبها خلال أكثر من نصف قرن ، تعمل إيران على استكمال تدميره بإثارة الفتن المذهبية وتمزيق الأنسجة الاجتماعية. وهي ( إيران) لا تتردد في التعبير عن رغبتها في السيطرة على أرض العرب. إن الجماهير العربية هي ينبوع قوة المقاومة العربية ، وهو ينبوع تسعى إيران لتجفيفه بالحروب الطائفية والاقتتال البيني، وفي ذلك مصلحة مشتركة استراتيجية بين امريكا و" اسرائيل وإيران... وكل أعداء العرب. فحتى بعض العرب بات يكذب الوقائع المشهودة ويصدق الدعاية الإيرانية بأن العرب يستعدون إيران.
إن العرب لا يريدون من إيران إلا أن تتوقف عن تمزيقهم ولجم شهوتها المندفعة للسيطرة عليهم . إننا نعتقد أن العجز حيال ما يجري من مآسي والفراغ النضالي هما أصل هذه الاستدارة حول الذات لتبرير تدميرها. وتلك دلالة سيكولوجية .. " فأحيانا ينتاب الانسان يأس مطبق و لا يستطيع أن يتغلب عليه إلا إذا كان أمام الجماهير مرة أخرى". وملخص هذا الكلام أن العرب ، يا جماعة، يخوضون صراعا مضنيا من أجل البقاء وحفظ الوجود والهوية، وليس بإمكانهم استعداء كائن من كان . وإيران هي التي تمتلك القوة وتتملكها الرغبة الطائشة للعدوان على الكيانات العاجزة . وموقفنا من إيران ، ليس تعبيرا عن مشاعر شخصية ، ولا لدوافع مذهبية ، فهي التي خلقت المذهبية وأشعلت نيرانها. فلتعبد إيران عليا أو الحسين، كرم الله وجهيهما. فهذا شأنها. ولكن ، لتكف عن نزعتها التوسعية على أمتنا. فحسب. وليس مطلوبا منها أن تقاوم وتمانع في جنوب لبنان ، لتحتل العراق وسوريا واليمن والبحرين، وتسعى فسادا في باقي الأقطار الأخرى. و لا نعتقد أن هناك متسعا من المذلة أسفل مما نحن فيه إلا تحمل " الظلم في صمت" ، أو تبرئة المعتدي من ظلمه جهرة .