بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن
انعقدت ما بين 11 إلى 14 يوليو2016 أيام تشاورية تحت عنوان: "الأيام التشاورية لإصلاح الصحافة"، ورغم ما كان يتوقع البعض من منحى إقصائي ومسار تنقية يكرس هذا الإقصاء المرفوض، إلا أن الأيام التشاورية فتحت أمام جميع الصحفيين المجال لنقاش حر دون قيود أو تضييق على الرأي، وصدرت عنها توصيات، شملت ما اقترحه الصحفيون لإصلاح مهنتهم، ولم تلقى هذه الأيام التشاورية رفضا قويا، سوى ما صدر باسم مجموعة محدودة، باسم "حراس المهنة".
أما الأغلبية فقد حضرت وناقشت بحرية واقترحت بعض التوصيات لإصلاح القطاع.
وأريد هنا أن أسجل باختصار رأيي في هذا الأمر، رغم ما قلته في حينه، أيام "التشاور".
فالتخوف من الإقصاء مشروع لأن هناك من الإعلاميين من يدعمه خفية، وتؤازره بعض الجهات الرسمية، أما الإصلاح فمطلب ملح ينبغي أن يتم أساسا عبر عامل الزمن وتراكم التجارب، مع إجراءات محدودة منصفة، ضد التلاعب بالمهنة وسمعتها وأخلاقياتها.
أما أن تتم التنقية لتقليم أظافر الأقلام الجريئة، أو لاستحواذ بعض المتنفذين في الحقل على منافعه عبر إخراج ضعافه كليا أو جزئيا، فهذه سياسة الاستبداد والغابة فحسب، وليست سياسة إصلاح شفاف.
ومبدئيا لا أتماهى مع منهج التنقية، لأنه في حد ذاته إقصائي، ويجسد التدخل السافر في الصف الصحفي، تحت شعار جذاب، لا يمكن أن يطبق دون المساس بحقوق بعض الإعلاميين، مهما كانت أخطاؤهم أو نواقصهم.
وجدير بالصحفيين أو الرسميين أن يعلموا أن القطاع الإعلامي الموريتاني، قطاع مفتوح يحكمه القانون-نظريا على الأقل- وليس النزوات والأغراض المشبوهة.
ومن وجه آخر، ما دامت المهنة الصحفية دون دعم مالي حقيقي، فستبقى معرضة للاسترزاق وعدم الاستقلالية، مما يفضي تلقائيا إلى تدني المستوى الأخلاقي والسقوط في مطبات متنوعة.
فعامل الدعم مهم وملح، إذا أرادت الدولة بحق إصلاح هذا القطاع المميع.
الحرية الإعلامية موجودة إلى حد معتبر، والحرمان مقابل الرأي تنتهجه الدولة بطرق مختلفة، وقد قيل قدما "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق"، والتكوين المهني ضروري واستعجالي، لكنه لا يكفي بصراحة دون دعم مالي معتبر ملموس.
وكل هذا وجد طريقه للطرح في النقاشات المفتوحة، خلال هذه الأيام التشاورية المهمة، وظهر أغلبه في التوصيات.
فقد وصل مبلغ الدعم المالي، الذي طلبه الصحفيون في توصياتهم إلى 2 مليار أوقية، كما طالبوا بتحويل الصحافة المكتوبة "الورقية والالكترونية" إلى مجلس أعلى للصحافة، وترك المجال السمعي البصري وحده لرقابة الـ"هابا".
ومن الضروري التذكير دائما بالرأي القائل عند البعض، بإلغاء الوزارة الوصية على القطاع، وفتح المجال للاستقلالية التامة.
فمن خالف تعرض مخالفته على المجلس الأعلى للصحافة أو الـ"هابا" بالنسبة للسمعي البصري، وإن عجزت هذه الدوائر عن الحلحلة أحيلت الحالة للقضاء، ليقول كلمته بعدل إن أمكن ذلك.
ينتظر الصحفيون بفارغ الصبر وكبير اهتمام الرد على توصياتهم، بعدما وعدت الحكومة بدراستها بجدية.
فهل كانت الأيام التشاورية مجرد مسكنات قبل القمة، أم الأمر يستحق بعض "الأمل"؟.
وليس من المحرم الممنوع أن نتفاءل، بل العكس، إن الله يحب أن يسمع الفأل الحسن.
لتصبح باختصار الكرة في مرمى الجهة الرسمية التنفيذية، عسى أن لا تكون الوعود مجرد كلام معسول ذهب سدى.
ذلك ما لا نرجوه، والتذكير بالاستثناء في باب "أخلاقيات المهنة" لا بأس به، فكظم الغيظ أولى ولو عند الظلم، وفي القصاص المتوازن راحة، وقال ربنا جل شأنه: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما".
قال القرطبي رحمه الله: "جاز له السب"، فإن حدث ظلم فادح لصحفي، عجزت الجهات المعنية عن رده، وخرج المظلوم عن السياق التقليدي لأخلاقيات المهنة، فقط لدرء الخطر أو الرد على بعض السهام السامة، فهذا مفهوم.
والأصل التسامح والتمسك بعروة "النموذجية"