شهدت الأيام الأخيرة نقاش قانون يعدل بعض أحكام القانون رقم 2010/043 الصادر بتاريخ 21 يوليو 2010 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، يأتي ضمن سلسلة من النصوص القانونية التي اختار وزير التعليم العالي والبحث العلمي تمريرها دون أدنى حد من التشاور والتنسيق مع ممثلي أساتذة التعليم العالي. وفي الوقت الذي يشكل فيه تمرير هذا القانون و ما رافقه من تصريحات تمس من مكانة وهيبة أستاذ التعليم العالي تراجعا خطيرا عن مكاسب مهمة حققها الأساتذة بنضالهم وتضحياتهم وبشكل خاص فيما يتعلق بدمقرطة واستقلالية مؤسسات التعليم العالي التي كرستها النصوص السابقة، حمل تبرير وزير التعليم العالي و البحث العلمي ودفاعه عن هذا القانون الكثير من المغالطات و المعطيات التي تتطلب الرد والتوضيح.
وبوصفي مترشحا لرئاسة المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للتعليم العالي رأيت من الواجب علي إنارة الرأي العام حول هذا القانون و ما رافقه من تصريحات، وذلك من خلال الملاحظات التالية.
الملاحظة الأولى: ما أثاره الوزير في هذه المناسبة وغيرها بخصوص العبء التدريسي لأستاذ التعليم العالي ومقارنته بالعبء التدريسي لأساتذة التعليم العالي في الدول المجاورة لم يكن منصفا ولا موضوعيا، حيث غاب عن ذهن الوزير مقارنة رواتب أساتذة التعليم العالي في موريتانيا مع رواتب نظرائهم في الدول المجاورة ،و التي لا تتجاوز في أحسن الحالات 50% كما غاب عن ذهنه الجهد التأطيري الكبير الذي فرضه النظام الجديد واستحقاقاته والذي لم توفر له الدولة الموارد المادية و البشرية الكافية وتحمل الأساتذة وحدهم الجزء الأكبر من هذه الأعباء وهو ما جعلهم يصلون الليل بالنهار في عمل دؤوب لم يكن في الحسبان ولا يتقاضون عليه أي أجر إضافي.
الملاحظة الثانية:
تبرير الوزير لزيادة العبء التدريسبي للأساتذة بعدم انشغالهم بالبحث العلمي، تبرير مردود ،فمع أن البحث العلمي موجود بالفعل في جل المؤسسات و عدد مهم من الأساتذة وبجهودهم الخاصة ينتجون سنويا بحوثا علمية رصينة يتم نشرها في مجلات علمية محكمة في الخارج في أغلب الحالات بالإضافة إلى ما فرضه إطلاق مرحلة الماستر والدكتوراه من ضرورة القيام بأنشطة بحثية، إلا أن الوزير تجاهل كل ذلك وفضل تحميل الاستاذ مسؤولية ضعف البحث العلمي في المؤسسات في الوقت الذي لم توفر الوزارة المعنية الحد الأدنى من متطلبات الظروف المناسبة للقيام بالنشاط البحثي.
الملاحظة الثالثة:
تبرير التراجع عن آلية انتخاب العمداء المعتمدة في النصوص السابقة بأنها تكرس هيمنة لوبيات (قبلية، جهوية ، ايديولوجبية...) في هذه المؤسسات لم يكن موفقا ولا مقنعا، والآلية التي اقترحها الوزير يمكن أن تكرس ما هو أدهى وأخطر، فبأي منطق يكون اختيار العمداء بآليات ديمقراطية معيبا ، وإتباع آليات أخرى خارجة عن الإرادة الحرة للفاعلين الأساسيين في هذه المؤسسات هو الأمثل والأجدى؟ وهل بهذا المنطق نتراجع عن آلية انتخاب العمد والنواب والرؤساء لأنها ستكرس هيمنة تلك اللوبيات؟.
لقد كان الأولى تحسين الآلية السابقة ومعالجة عيوبها و نواقصها وزيادة مستوى التمثيل فيها بدل منطق النكوص والتراجع.
الملاحظة الرابعة
بخصوص حديث الوزير عن غياب الأساتذة وأن 1/3 منهم لا يداوم بشكل دائم في المؤسسات نود التذكير بأن ما تلزم به النصوص المنظمة لسلك أساتذة التعليم العالي هو واجب تدريسي يصل إلى (156) ساعة تدريس سنوية يمكن للأستاذ أن يؤديها في فصل دراسي واحد وقد لا تتطلب منه دواما مستمرا في المؤسسات وإن تطلبت وقتا للتحضير والإعداد يتجاوز ساعات التدريس المحددة بالكثير. والمسؤول عن التأكد من وفاء الأساتذة بهذه الالتزامات هي جهة الوصاية التي تتحمل وحدها مسؤولية محاسبة المتهاونين والمقصرين.، كما أن عددا معتبرا من أساتذة التعليم العالي يزاول مهاما ووظائف سامية في الدولة وفي مستويات مختلفة قد تمنعه من الحضور الدائم في المؤسسات.
وفي الأخير يمكن القول بأن ما ينتظره أساتذة التعليم العالي اليوم من وزير التعليم العالي والبحث العلمي هو العمل على تطبيق الاتفاقات والالتزامات التي وقعها ممثلوا أساتذة التعليم العالي مع الحكومة (اتفاق مارس 2009) و إشراكهم في إعداد سياسات القطاع، والكف عن المساس بالمكتسبات التي حققها الأساتذة وعلى رأسها السير في اتجاه دمقرطة واستقلالية مؤسسات التعليم العالي وإتباع آليات أفضل لاختيار رؤساء الجامعات .
ما يحتاجه أستاذ التعليم العالي اليوم وما يتطلبه النهوض بهذا القطاع وترقيته هو وقف سياسة الإقصاء والاستهداف والنيل المستمر من أستاذ التعليم العالي ومكانته ومركزه المعنوي والمادي، والوعي بحقيقة أنه بدون أستاذ تعليم عالي معزز ومكرم لا يتصور تعليم عالي رائد وناجح.
نواكشوط بتاريخ 3 يوليو2016
د. ابراهيم المين
المرشح لرئاسة المكتب التنفيذي
للنقابة الوطنية للتعليم العالي.