بقلم : محمد الكوري ولد العربي
قبل سنوات اتصلت بالمرحوم ودها ولد اسنيكل ، وكان صديقا و رفيقا لي برغم فارق السن وفارق النضال و التجربة .كان هذا المرحوم يكن لي احتراما ملحوظا و كنت ارى فيه الصفاء و الصدق الذي رأيته في رفاق قضو جميعا الى رحمة الله مثل الدكتور محمدن النحوي و الاستاذ خطري ولد الطالب جدوو عبد القادر الناجي و يمهل ولد ختاري ، طيب الله ثراهم جميعا ، وجزاهم بأحسن الذي كانوا يعملون .و طلبت من الرفيق الفقيد نبذة عن حياته ، فوافق بابتسامته الاصيلة التي تفصح عن قلب طيب و ضمير نزيه و انا الآن أكتب شذرات من تلك النبذة عن حياة هذا المناضل الشريف ، الذي لم يكن يعمل من اجل الظهور الاعلامي او الامتياز الشخصي .
حياته الاجتماعية
ولد محمد الملقب ودها ولد محمد لسنيكل الملقب أولش ، عام 1937 ميلادية في وادي بوراكه ببادية المجرية في ولاية تكانت .و ينتمي المرحوم الى قبيلة عربية محاربة ، معروفة بالشجاعة و البأس في الحرب و بالكرم الأصيل ، هي قبيلة إدوعيش (أهل أبكاك).
وقد تربى في أسرة غنية ، في تلك الظروف الطبيعية و الاقتصادية القاسية ، في حقبة من تاريخ البلاد عرفت موجة جفاف امتدت من 1913 وحتى 1942 . وقد كان ودها شابا قويا بدنيا و صاحب طموح و ذكاء و عزة نفس في ظل الاستعمار الفرنسي البغيض .فكانت نفسه تواقة للحرية و الانعتاق من قهر المستعمر و من سطوة القوى الاجتماعية التقليدية . و يروي المرحوم حادثة أثرت كثيرا في حياته ؛ و هي أن شجارا نشب بين أسرته مع منمين .فقامت سلطات الاستعمار ، بتحريض من زعامة تقليدية ، باعتقال جميع أفراد اسرته البالغين 37 فردا بمن فيهم والدة المرحوم ، مع أن بعض أفراد الأسرة لم يكن حاضرا عندما نشب الشجار .كما أخضعت هؤلاء لأقسى صنوف التعذيب و التنكيل .فمثلا كان كل واحد يتلقى عددا كبيرا من الصفعات و الركلات عند كل شروق للشمس و عند كل مغيب لها ، و ذلك لمدة ثمان و عشرين يوما . لم يكن المرحوم حاضرا عند اعتقال افراد اسرته ، ولكنه عاش ظروف الاذلال فاقسم ان يخرج من ولاية تكانت التي أهين فيها كبرياؤه.
حياته المهنية
التحق المرحوم ودها بمركز مامادو توري بنواذيبو للأعمال الانشائية ّ، حيث تخرج منه متفوقا بأعلى درجات الكفاءة في بناء العمارات .وقد ذكر أنه ، هو من بنى بناية المطبعة الوطنية و السفارة الالمانية و بناية أسمار ، التي كان يغطي سقفها عندما هاجمت البوليساريو العاصمة نواكشوط .و يتذكر أن الجنود كانوا يصيحون عليه بالنزول من قمة البناية حفاظا على حياته ، خصوصا أن العمال معه قد فروا و بقي و حيدا .فكان يرد على الجنود : لن أنزل إما ان أموت أو اواصل تأدية أمانتي .و قد اصيب بكسور إثر سقوطه من بناية كان يشيدها عشية الانقلاب على الرئيس الأسبق المرحوم المختار ولد داداه، و بقي في المستشفى يعالج تلك الكسور لمدة ثلاثة عشر شهرا .كان خلالها يقدم المساعدة للمرضى على الأسرة التي معه في الغرفة.
حياته السياسية
كان المرحوم ودها ولد اسنيكل شابا شديد الحماسة ، فانخرط اول الامر في حركة الكادحين ، لكنه لم يمكث فيها كثيرا و عندما كان يعمل في شركة أهل محمد لغظف في اكجوجت 1970 ،عرف بواكير وعيه القومي خصوصا البعثي منها .و في 1973 ، التحق بشركة لرجل الاعمال محمد ولد مركو ، حيث ارسلته هذه الشركة الى الحوضين و لعصابة لبعض اعمالها هنالك و في هذه الولايات قاد المرحوم مسيرات لاحقة مؤيدة لتأميم شركة ميفرما ، وفي النصف الثاني من سنة 1977 ، انتقل بأسرته إلى نواكشوط ؛ حيث أجر أول منزل في حي المربط ، وكان بجوار أسرة يتردد عليها الشاعر و المناضل البعثي المرحوم فاضل أمين وكان المرحوم ودها يعمل في محل تجاري صغير له في هذا الحي الشعبي ، حيث تعرف عليه فاضل أمين . ويروي المرحوم ودها أن فاضل أمين ابتكر اسلوبا ذكيا جدا للتعرف على ودها عن قرب ، حيث ادعى انه يريد جلسات مع والدة ودها ليتعلم منها الامثال الشعبية في تكانت ، بينما كان هدفه الحقيقي هو كسب هذا الشاب المتدفق حيوية لحزب البعث العربي الاشتراكي . وقد نجح المرحوم فاضل امين في مهمته و ظل المرحوم ودها وفيا لمبادئ البعث و أهدافه و أخلاقه و متسلحا بصبره ، فكان قدوة و نموذجا للمبدئية و الزهد في حطام الدنيا ، الذي يتهافت عليه الكثيرون و تساقط من اجله خلق كثير ..
وظل ممارسا للعمل السياسي من خلال المشاركة في تأسيس حزب الوطن و عضوية مجلسه الوطني الى ان انتقل الى الرفيق الاعلى .
فرحم الله ودها ولد اسنيكل و اسكنه جنة الخلد مع النبيين و الصدقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا.