مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

شهر رمضان في نواكشوط: عبادة وتكافل... مع مسلكيات مشينة

على الرغم من سماحة رمضان وما يقوم فيه الموريتانيون من عبادة وتكافل وتسامح في الشهر الفضيل، فإن الشارع العام مازال يشهد وللأسف خاصة في انواكشوط مسلكيات مشينة لا تمت لسماحة وفضل الشهر الكريم بصلة وتنم عن جلافة وبداوة متجذرة في من يمارسونها.

وطبعا تنغص هذه المسلكيات مظهر الشهر الهام بموريتانيا ،كما تتسبب في فوضى كبيرة وهرج ومرج في الشارع العام، بالإضافة لما تسببه من سوء السمعة لبلدنا الإسلامي لدى الزوار الأجانب على وجه الخصوص.

قمنا بجولة في بعض شوارع العاصمة خلال الأيام الماضية من رمضان ومن خلال  هذه الجولة عدنا بالتحقيق التالي.

 

التسول.. مرض المجتمع

 

لا تكاد تمر من شارع بوسط العاصمة خصوصا إلا وصادفك سائل تارة يستجدي بعاهات وتارة أخرى بدموع الفاقة وحسرة غياب رعاية المجتمع والدولة له .

ومن أكثر المسلكيات المشينة في رمضان خاصة، هي ظاهرة التسول حيث يلجأ الكثيرين له ويمارسونه في كل مكان خاصة الأماكن الرسمية حيث طوابير النساء والرجال والأطفال يستجدون الناس ويشوهون مظهر المدينة.

وفي السنوات الأخيرة استفحلت هذه الظاهرة، حيث لجأ بعض المتسولين إلى التخصص في فرع منها يعرف بـ"المتسولين المحترفين"، وباتوا يستخدمون أساليب مختلفة لاستجداء الناس، كأن يشوهوا أجسادهم عمداً أو يدّعون المرض. وفي شهر رمضان، يُكثرون من الحِيَل.

مسلكيات مشينة لا تمت لنقاء وسماحة الشهر الكريم حيث يتخذون من التسوّل وسيلة للحصول على المال.

الخيار الأول بالنسبة إلى المتسولين المحترفين، هو "التمثيل" وتقمّص شخصيات عدة للفوز بالمال. ونادراً ما يخسرون الزبائن، الذين يغيب عن بالهم احتمال أن يكون المتسوّل نصّابا.ً

ويجلس البعض على أرصفة الشوارع، ويتظاهرون بالشلل، فيما لا يتوقف آخرون عن الكلام وإخبار المارة عن قسوة الحياة التي جعلت من التسوّل خيارهم الأخير. كذلك، يستخدمون عبارات على غرار "ليس من عاداتنا مدّ أيدينا لأحد". "لا يتوقف البعض عن إخبار المارة عن قسوة الحياة التي جعلت من التسول خيارهم الأخير".

 

شهادات من الواقع ...

يقول بعض المواطنين الذين استجوبناهم حول المسلكيات المشينة إن التسول يعد من أكثرها انتشارا حيث يمتهنها الكثيرون للأسف وأصبح البعض يقومون بالحيل والتمثيل لاستجداء الناس.

وفي هذا السياق يقول سيدي موظف لا تكاد تسلم من فرض في مصلى أو مسجد بنواكشوط إلا وينتصب سائل يسأل تارة لبناء مسجد أو إعالة أبناء أو نفقة محظرة أو شراء دواء، ومع جهل هؤلاء بحرمة التسول في المسجد، فإنهم لا يجدون من يصرفهم من العلماء ولا الدولة تعتني بحاجياتهم وهذا أمر مقلق.

وتقول موظفة في إحدى المستشفيات الحكومية، إنها "في إحدى المرات، صادفت فتاة في موقف للحافلات تطلب من الركاب مساعدتها لإعالة أخواتها اليتيمات. وبطبيعة الحال، لم يتردد أحد في مدها بالمال".

وتضيف: "بعد أيام، توجهت الفتاة عينها إلى المستشفى وهي تحمل رضيعاً ملأ صراخه المكان. راحت تتنقل بين الناس وتروي لهم قصة طفلها اليتيم الذي لا يكف عن الصراخ بسبب الجوع".

وأكدت: "حينها لم أحتمل أن يقع غيري ضحيّة هذه المتسولة التي تجيد التمثيل، فطلبت منها الجلوس لترتاح، وهاتفت الشرطة التي تولت التحقيق معها، ووجدت أن لها سوابق في قضايا نصب واحتيال".

بدوره، يؤكد احمد صاحب حانوت، أنه "وقع ضحية متسوّل محترف حين اقتنع بإصابته بالفشل الكلوي، فبادر إلى مساعدته. وبعد أيام، صادف المتسوّل ذاته يدعي الإصابة بمرض السرطان، ويطلب المساعدة لاستكمال علاجه".

وتقول خديجة مدرسة إن بعض الفتيات تتظاهر بأنهن يتيمات ويرفضن الانحراف، فلجأن إلى التسول. كما تقول نساء أخريات إنهن أرامل يسعين لإطعام أطفالهن بعدما لم يجدن فرص عمل. كذلك، يدعي البعض أنهم سجنوا ظلماً، وقد تم الإفراج عنهم لكنهم لا يملكون ثمن بطاقة السفر للذهاب إلى عائلاتهم.

حيلة أخرى باتت رائجة بين المتسولين، تتمثل في أن تطلب مجموعة منهم المال من المواطنين للإعداد لجنازة ميّت وهميّ.

ويقول سيدي وهو أستاذ إن هنالك مسلكيات مشينة كثيرة أخرى منها التجاهر بالإفطار وزحمة المرور الدائمة في كل الطرق والمنعرجات وسوء أخلاق الكثير من السائقين والحديث الطويل الممل في الهواتف ورنينها وبعض مسلكيات الشباب المشينة في المظاهر وأحاديثهم البذيئة والتدخين في الشارع والأماكن العامة، والتبول في الشوارع. وفسخ السراويل في المساجد ووضع النعال على فراشها وكذا البصاق وغيره.

وتضيف عيشة ربة أسرة إن من المسلكيات الشاذة في رمضان، التزاحم مع النساء على سيارات الأجرة وعدم إعطائهن الأولوية مع الشيوخ، خاصة في أوقات الزحمة كالمساء والصباح الباكر، وتعمد الكثير من التجار الزيادة في الأسعار وغياب الرقابة السمية عليها في الشهر الكريم طوابير حوانيت مل الذي يعكس المجاعة والفاقة لأصحابه كل يوم .

ومن المسلكيات في المنزل الطفيليون وزياراتهم المتكررة وإحراجهم للآسر في كل الأوقات وفوضى الدخول والخروج من المنزل.

 

علم الاجتماع : المسلكيات المشينة نتاج المجتمع

 

يرى بعض الخبراء في علم الاجتماع أن كل تلك المسلكيات المشينة تبقى من إنتاج المجتمع الذي يتعاطى معها وتنمو فيه.

ويقول الباحث الاجتماعي محمد ولد العابد إن: "الشارع بات يعرف حالات تسول جديدة. كأن يعلن متسول أنه تاب عن السرقة وملّ الاعتداء على الناس، وبات يفضل أن يعطيه المواطنون أموالهم عن طيب خاطر، حتى لا يسلبها إياهم بالقوة". ويلفت إلى أن "عالم المتسولين يخضع إلى تدبير محكم، ويرعاه سماسرة على دراية بالمناطق الإستراتيجية. حتى أن بعض العصابات التي تحمي المتسولين تتنافس على استغلال الأماكن الأكثر ربحاً".

ويضيف ولد العابد أن "ثمّة أمثلة عدة عن أشخاص ميسورين يملكون عقارات وأراض وورشاً لصناعات تقليدية مربحة، إلا أنهم يتمسكون بالتسوّل الذي كان مصدر رزقهم الأول". ويدعو إلى "محاربة التسوّل الاحترافي الذي يعتمد على استدراج عطف وسخاء المحسنين بادعاء المرض واستغلال الأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة"، لافتاً إلى أن "هذه الظاهرة باتت مقلقة في المجتمع، نظراً لتزايد عدد المتسولين".

ويرى ولد العابد أن "توعية المجتمع ومساعدة المتسولين على إيجاد عمل، ووضع قوانين لتجريم التسول الاحترافي، جميعها كفيلة بمعالجة هذه الظاهرة".

كما يرى خبير اجتماعي آخر ان غياب رعاية الدولة للطبقات المحرومة وانتشار البطالة وغلاء الأسعار والتخلف وضعف التمدرس وارتفاع نسب الرسوب والتسرب، كلها عوامل تؤدي في النهاية لهذه المسلكيات ناهيك عن غياب ضبط الدولة عموما للشارع العام في رمضان على الأقل.

 

مزيد من المسلكيات المشينة...

 

هنالك أيضا الكلام البذيئ والخصام والفحش في القول في الأماكن العامة وعدم السكينة والوقار في الكثير من التعاملات وعدم المرونة في الأوقات الصعبة والأماكن الصعبة، مثل وسائل النقل وانتظار الطابور.

وكذا الفوضى التامة في النوم واليقظة والصخب تبقى هما سيدا الموقف في الليل لدى الكثير من الأفراد والأسر والإزعاج بالزيارة في أوقات غير مناسبة أو الضيافة. وجعل رمضان موسما للكسل والنوم الزائد نهارا وتعطيل كل الأعمال بل وتأخير الحفاظ على العبادات مثل الصلاة مثلا و التمظهر بالتدين الزائد خلال رمضان والتحلل منه بعده وتضييع  الوقت في ما لا يفيد.

من  المسلكيات المشينة أيضا برمضان في موريتانيا التدافع على وسائل النقل والاختلاط فيها وكثرة اللغط والصخب فيها وفي الشارع العام وعدم احترام قدسية الشهر الفضيل في اللباس والسير والكلام. وباقي المعاملات الأخرى من بيع وشراء وإجارة وجعل وغيرها، وعدم ترك الكذب والغيبة والنميمة وهي أمور شائعة في مجتمعنا حتى في رمضان مع المباهاة في المظاهر.

وهنالك النوم في المساجد حيث عندما تدخل احد الجوامع الكبيرة ستجد أكواما من البشر متكدسين في وضعيات غير جيدة، بعضهم نائم وبعضهم يتحدث في أمور الدنيا، وكأنه في منزله والكثيرون منهم يرتدون أسمالا ولباس غير مناسب من حيث الهيئة وربما الطهارة لدخول بيت الله.

وثمة بعض من الزائرين للمسجد من يفسخ فيه بعض الثياب الداخلية والبعض يحمل علبة فيها تراب للبصاق والبعض يعلي من الصوت في أمور غير الذكر والكثيرون لا يحترمون آداب المسجد من نظافة وخشوع وعبادة.

وطبعا هنالك أيضا فوضى أوقات الصلاة والأذان خاصة لوقتي الإفطار(المغرب) والصبح حيث قد تجد مسجدين في حي واحد يفصل بين أذانهما نصف ساعة.

 

نتاج البداوة والتخلف...

يرى بعض الخبراء الاجتماعيين أن كل تلك المسلكيات المشينة يرجع إلى أمرين:

1- الجهل: حيث ان غالبية من يقومون بمثل هذه المسلكيات لم يتلقوا تعليما كافيا، خاصة في الجانب الديني يعرفون من خلاله قيمة هذه العبادة الصوم وتأثير هذه المسلكيات عليها خاصة وأن أجيالا كبيرة من الشباب اليوم، لم تنل القسط الكافي من التربية الدينية "تدهورها في المدارس" وعدم الذهاب للمحاظر الأصلية، بالاضافة للضعف الشديد الملاحظ في غياب دور الأسرة في التربية والتنشئة الاجتماعية مما ينعكس على غياب وجود سلوك جمعي قويم .

2- البداوة :حيث أن الانتقال الفجائي للمجتمع الموريتاني من عالم البداوة والخيمة الى المدينة خلق نوعا من التعاملات ذات الطابع البدوية في كل تعاملاته، حيث يعيش الموريتاني ظاهريا في المدينة (وسط) ولكنه في كل التعاملات تحكمه البداوة، خاصة في ما يتعلق بالسلوك، بالإضافة إلى أن البنية التحتية العصرية التي تصنع إنسانا متحضرا لا توجد هنا. وبالتالي بقي الإنسان الموريتاني في وسط قريب من البداوة وتحكمه السلوكيات البدوية التي تناسب الفوضى التي تعود عليها.

فمثلا لا يستطيع الموريتاني التقيد بضوابط المدنية، من قبيل الالتزام بالمواعيد وأوقات الغذاء والنوم والاستيقاظ  والزيارة، تماما كما لا يستطيع برمجة مصاريفه ولا يعول على ابسط قواعد الادخار ولا برمجة لديه للأولويات في أي من مراحل حياته. وهذه كلها من مظاهر البداوة التي ماتزال مستحكمة في مجتمعنا للأسف.

وطبعا في مجال الصحة والغذاء يسجل غياب الاعتناء بضبط أوقات الطعام وعدم الاعتناء بجودته وهو ماله تأثير كبي على صحة الفرد خاصة في هذا الشهر الفضيل ما له تأثير سلبي يمتد لعدة أشهر على مصروفاته.

 

نقلا عن جريدة "الصحيفة" الأسبوعية

 

 

خميس, 16/06/2016 - 05:31