بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
التقارير تكشف مدى عمق البطالة في أوساط الموريتانيين، بنسبة أزيد من 31% غياب الثقة بين الحاكم والمحكوم تزداد تفشيا خصوصا بعد خطاب النعمة 3 أيار(مايو) 2016. الذي بدا فيه ولد عبد العزيز منفعلا مغرورا ببعض المشاريع قيد الانجاز، خصوصا في الحوض الشرقي.
أجل، يعلن القضاء على مجلس الشيوخ، حتى قبل إجراء الاستفتاء المثير، ويصف المعارضة بأعداء الوطن والكذب، ويومئ لتدخل الأوربيين لصالح المعارضة رافضين العهدة الرئاسية الثالثة، ويشكك في جدية معارضة نساء المعارضة، ويلمح لعشوائية شريحة بعينها في مجال الإنجاب والتكاثر، ويؤكد أن المعارضة لا مستقبل لها في تولي الحكم، ويمن على الصحافة وأصحاب الأحزاب الحرية الإعلامية و التعددية الحزبية، ويقول نحن من حميناها، رغم أنه منذ انقلابه على معاوية (وهو مدبره الرئيسي باعترافه مرارا مع افتخاره بذلك الانقلاب)، سجن بشكل تعسفي الكثير من الصحفيين وأصدر غرامة في هذا السياق المهين، هي الأكبر منذ بزوغ الكون ضد أي منتج معرفي، أكثر من مليون دولار، ثلاثمائة مليون أوقية، على يد القاضي صمبو محمد الحبيب بمحكمة نواكشوط الابتدائية، يوم الأربعاء الموافق 07 نوفمبر 2007.
ويعيش كل إعلامي مناوئ لخط النظام الحرمان تقريبا والإقصاء من كل النشاطات الرسمية.
ويتجرع الكتاب والصحفيون الجادون مرارة التهميش والتمييز.
ولم تسلم الموالاة في خطاب النعمة من تهجمات ولد عبد العزيز، حيث تعرض للأحزاب الحاكمة، مشبها إياها ب"الريش" المتطاير عند ما يسقط زعيمها الموالية له، ورغم ذلك لم يستغني عن الحشود ليغطي على ضعفه وعدم قبول أسلوبه في الحكم.
لأن كل الوسائل المعنوية والمادية استغلت لإظهار مهرجان النعمة في ثوب جماهيري.
خطاب النعمة كشف أسلوب التفكير والتوجه لدى ولد عبد العزيز، فقال بالحرف الواحد: سموا الحوار ما شئتم "مفاهمة "وينعقد بمن حضر، ضمن سياق يوحي بقوة بتحضير طبخة مثيرة، يحرص عزيز على تمريرها في صيغة حوار،ولو كانت كل صفاته تنفي الجدية والحرص على إشراك كافة ألوان الطيف السياسي، أو على الأقل أبرزها.
ومن الملاحظ أن زيارة النعمة لمجرد انقضائها اندلعت أزمة في محيط مجلس الشيوخ وأخرى في وسط الإعلام والسياسة عموما، خصوصا ضد التصريحات الحرجة إبان الخطاب الضعيف الإخراج.
ولد محم في نواذيبو يتعثر في حشد الجماهير لمهرجاناته، ويناشد أهل نواذيبو أن لا يتخلوا عن عزيز، وكأنه يحس بقرب منعطف التحول وتصاعد التأزم.
"كينروس تازيازت" تعاني من أوسع إضراب في تاريخها، حملة الذهب والتنقيب السطحي، قد تتحول إلى أزمات سياسية مقلقة، حيث تحصلت الدولة وباعة الأجهزة على المليارات من الأوقية في الوهلة الأولى، وبقي أغلب المنقبين في وضع لا يحسدون عليه.
كل هذه الأزمات وغيرها توحي بعدم تقدم الأحوال، وتؤكد في بعض أوجهها أن المشروع الذي يمهد له الحاكم المتغلب للبقاء وقتا أطول في دفة الحكم، بصيغة ما، قد لا يكون سهلا البتة.
الحزب الحاكم والمولاة عموما، وهي تعيش انشقاقا صامتا نسبيا، غير قادرة على حشد الدعم المطلوب المريح للنظام القائم، والمقاربة الأمنية لا تكفي لمنع المعارضة الراديكالية من التأثير جديا وسلميا على مسار الشأن الوطني، بحيث تدفع الأمور إلى أفق متوتر، يستدعي تغييرا في رأس السلطة بطريقة ما.
فالمؤسسة العسكرية عندما تصل الأوضاع إلى مرحلة الاحتقان أو بعبارة أخرى الاجتياح الواسع للميدان، قد لا تكون هذه المؤسسة العسكرية لوحدها قادرة على ضمان بقاء عزيز في الحكم.
والحوار مآله الأرجح للكرنافالية وللاجتماعات الصورية الجوفاء، بسبب ضعف نوع الحضور المرتقب لهذا الحوار المتأخر حتى الآن، بعد مضي ثلاثة أسابيع، والقمة العربية المتوقعة في نهاية تموز(يوليو)، مهما كان مستوى حضورها ونتائجها الشكلية عادة، لا تكفي للتغطية على وضع محلي ساخن بهذا القدر الجلي المتصاعد، والذي يستدعي من العارفين بالشأن الموريتاني الحساب والحزم.
ومهما كان تطبيل النظام القائم للقمة العربية المنتظرة، فيومين اثنين لا يكفيان لحل أو محو أزمة وطن، بات مهددا بالصراعات المفرقة المهلهلة للنسيج الاجتماعي القائم، إن لم يحصل تحول سلس يمنح فرصة التفكير ومحاولة رأب الصدع الخطير.
ومع تناقص معدل النمو وتبذير مردودية ارتفاع الحديد والمعادن عموما في فترتهم الذهبية وتوسع دائرة البطالة والفقر المدقع وتزايد الاحتجاجات من كل لون، اندفعت السلطة القائمة لزيادة العبء الضرائبي على الاستمارات المحلية، مما دفع الكثير من رجال الأعمال الموريتانيين للهروب خارج الوطن.
وعموما، أجواء الاستثمار طاردة، فالأموال الخارجية المستثمرة محليا قليلة جدا، وطبيعة الحكم القائم لا تشجع رأس المال المحلي الوطني أحرى الخارجي، وإنما تكرس طبيعة المافيا واللوبيات في أغلب الأحوال، مما دفع بعض التجار للاحتماء ببعض "الحجابة" والاندفاع الأعمى في صفوف الموالاة، دون قناعة طبعا، خوفا ورهبا بالدرجة الأولى، قبل الطمع النادر المحدود، المحفوف بالإحراجات المتنوعة، ففضل كثير منهم الهروب بجلده على الأقل وبنزر من ماله.
ومن وجه آخر، المؤشرات تدل على خطورة الدعوة لحل مجلس الشيوخ وصرامة موقف المعارضة الراديكالية ضد النظام الحالي، وقنوط الكثير من الموالين من ايجابية عزيز وحكمه، والتوجه تدريجيا يصب في ساحة المواجهة، التي قد لا تكفي الجهات الأمنية لحسمها، مما يستدعي ضرورة التدبير المدروس المسالم لمخرج آمن جاد بإذن الله، يؤمن التحول السياسي الذي يضمن مشاركة منصفة، تسمح برسم خطة وطنية جامعة شاملة.
ورغم ما يؤخذ على الحاكم الحالي من أسلوب الرويبضة (الضعيف الذي يتكلم في الشأن العام) إلا أن ضرورة السلمية في مثل هذه الحالات تتضاعف الحاجة إليها، لأن مثله قد لا يحذر كثيرا من إدخال البلاد في دوامة الشحناء والاحتكاكات المهددة بحق للاستقرار الهش، وستبقى سائر تصريحاته الصحفية الأخيرة ولو نفت نسبيا نيته الإقدام على خرق العهدتين الرئاسيتين، محل شك لدى الكثيرين، لأنه معروف بحرصه على كرسي الحكم بأي ثمن، بعد تدبيره لانقلابين وتلاعبه بكل شيء من أجل تكريس السلطة والمال في يده ويد قليل ممن يختار في هذا المنحى المحصور.
وستظل التصريحات الواردة للتو بشأن تحصين موضوع العهدتين أو قسمه في هذا الشأن، في حيز التشكيك عند البعض، نظرا لطبيعة المسار السابق وجملة التحديات والأزمات الثقيلة والعميقة، التي خلفها نظام ولد عبد العزيز، مما قد يفتح الباب على مصراعيه للتأزم المتصاعد.
وقد تكون التصريحات الأخيرة مجرد "بالون" اختبار ومحاولة لفك الحصار عن مشروع حواره المتعثر المكشوف.