
خبير دولي في مجال التغذية و الصحة العمومية
أستاذ بجامعة نواكشوط
في خطوة تعد من أبرز القرارات الإستراتيجية في مجال الصحة العمومية و التنمية المستدامة أعلنت الحكومة الموريتانية في يناير 2023 عن إنشاء الوكالة الموريتانية لسلامة الأغذية AMSSA
هذه المبادرة ليست مجرد إجراء إداري بل هي إستجابة علمية و واقعية لتحديات سلامة الأغذية التي تواجهها الدول في ظل العولمة و تغير أنماط الإنتاج و الإستهلاك.
منظمة الصحة العالمية OMS و منظمة الأغذية والزراعة FAO تؤكدان أن إنشاء وكالات وطنية مستقلة لسلامة الأغذية يعد من الركائز الأساسية لحماية و ضمان صحة السكان و تعزيز الثقة في السلسلة الغذائية.
شبكة INFOSAN الدولية التي تضم أكثر من 190 دولة ، تظهر أن تبادل المعلومات السريع بين السلطات الوطنية يقلل من مخاطر الأوبئة الغذائية و يعزز الإستجابة الفعالة.
التجارب الدولية مثل وكالة سلامة الغذاء الأروبية EFSA و الهيئة الأمريكية للغذاء و الدواء FDA أثبتت أن استقلالية هذه المؤسسات عن الوزارات القطاعية تعزز فعاليتها و تجنب تضارب المصالح.
و رغم أهمية القرار فإن اختيار وزارة التجارة كمظلة مؤسسية للوكالة يثير تساؤلات جوهرية حول مدى استقلاليتها و فعاليتها. فوزارة التجارة مهما كانت مكانتها، تظل جهة تنظيمية للسوق و قد تجد نفسها في موقع "الحكم و الخصم" في آن واحد مما يضعف لا محالة من حيادية الوكالة و يقلل من قدرتها على فرض الرقابة الصارمة على المنتجات الغذائية.
إن وكالة بهذا الحجم و الدور يجب أن تكون تحت إشراف رئاسة الحكومة أو حتى رئاسة الجمهورية لضمان استقلاليتها و توفير الدعم السياسي و المؤسسي اللازم، و تمكينها من التنسيق بين مختلف القطاعات كالزراعة، و الصحة، و الصناعة، و البيئة، و التجارة، إلخ.
إن إنشاء AMSSA هو قرار تاريخي، لكنه يحتاج إلى رؤية مؤسسية استراتيجية تضمن له النجاح و الاستدامة، فالسلامة الأغذية ليست قضية قطاعية، بل هي قضية وطنية تتطلب قيادة مركزية، تنسيقا متعدد القطاعات، و استقلالية تامة
و الله ولي التوفيق