مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

الوطن بين نفوذ القبيلة و نفاذ القانون/ بقلم: اباي ولد اداعة

تشهد الساحة الوطنية من حين لآخر تصاعدا غير مسبوق في إتجاه الإهتمام بقضايا مصالح القبيلة الضيقة و الإبتعاد عن الهم الوطني العام .

في زمن راجت فيه خطابات الكراهية و التحريض علي العنف و الترويج للشرائحية علي نطاق واسع.

في ضوء ما نشهده من إستباحة للتجمعات القبيلة و الولائم و اللقاءات المعلنة و غير مرخصة ، و التي تتدخل بكل شاردة و واردة من شؤون البلاد و العباد بقوة نفوذ قادة القبائل و المال و الأعمال.

رغم نفاذ قرار الحظر بشأنها علي المستوي الوطني .

مما ساهم بشكل أو بآخر في العودة القوية للدور المتعاظم للقبيلة في إذكاء العصبية و إثارة النعرات الضارة التي تعيق نهوض و تقدم الوطن .

و تدفع الناس إلي نصرة الظالم علي المظلوم دون الإحتكام إلي القضاء الوطني .

و التي قد تتطور إلي ملاسنات فظة علي صفحات التخاصم الإجتماعي.

أو تتنهي بصراعات يسيل فيها دم الإخوة من أبناء الوطن الواحد جعلت منهم القبيلة ألد الأعداء .

و هو ما يعد خروجا صريحا علي دولة القانون و المواطنة يقوض مفهوم و هيبة الدولة .

قد يشكل خطرا حقيقيا علي السلم الإجتماعي و التعايش الأهلي و الإستقرار السياسي .

إذ لا يختلف إثنان علي أن القبيلة هي نقيض الدولة و إن الولاء للقبيلة بدل الوطن يلغي مفهوم الوطن .

و عليه فإن القبيلة بالمفهوم السياسي تشكل عائقا أمام بناء دولة المواطنة الحديثة التي تستند إلي الشرعية و المواطنة و الكفاءة و هي القيم التي تناقض أعراف و تقاليد و عادات القبيلة القائمة علي القرابة و الولاء و الإتباع و العصبية و الإنحياز .

في حين يجمع كل المحللين و المراقبين علي أن إتساع نفوذ القبيلة لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو إمتداد لمسار طويل من الممارسة السياسية الخاطئة منذ إنطلاق العهد الديمقراطي.

و نتيجة حتمية للتراخي و التمايز في تطبيق القانون و لغياب العدالة الإجتماعية و لظهور علامات الثراء الفاحش غير شرعي دون مساءلة و انتشار الفساد في كل تجلياته .

حيث تعد القبيلة بيئة مناسبة و محمية و حاضنة للفساد .

ظروف كرست للحكم الأحادي في المراحل السابقة و إعلاء صوت القبيلة علي حساب صوت الوطن .

أسست لمرحلة جديدة من التعاطي الديمقراطي السلبي .

خدم الأنظمة الحاكمة المتعاقبة و زاد من حالات الظلم و الغبن و التهميش و إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع .

وفر قيم مجتمعية و وطنية بديلة خاطئة أطغت علي مختلف مناحي الحياة السياسية و الإجتماعية كالنفاق السياسي و النفوذ القبلي و انتشار الفساد و سوء الإدارة و التسيير و إستغلال النفوذ.

حيث أعتادت المواسم الإنتخابية منذ عقود سيطرة الإعتبار الشخصي و النفوذ القبلي و الجهوي في تحديد وجهة التصويت لصالح النظام الحاكم علي حساب عامل الولاء الحزبي أو الوطني.

رغبة في التوظيف أو التوزير أو لحاجة في نفس يعقوب .

لعوامل عدة أبرزها : -

. غياب الوعي الوطني .

. الجشع المالي .

.إعتماد النظام الحاكم علي الأعيان والنافذين في المجتمع من أجل ضمان المقعد الإنتخابي و إستمرار الحكم .

إلا أنه في ظل غياب سياسة تشغيل ناجعة .

دأبت الأنظمة الحاكمة علي تجاوز الإلتزام بمبدأ الجدارة و الكفاءة و الإستحقاق .

و إعتماد معايير مزدوجة و سياسات إنتقائية علي مستوي التعيينات في الوظائف الحكومية أو الدبلوماسية أو المناصب العليا أو إدارة المؤسسات من قبيل القرابة و المصاهرة و إقتراحات شيخ القبيلة و مراعاة بعض التوازنات القبلية دون غيرها و الولاء الحزبي و المناطقي و المحاباة و الزبونية أو تدوير مفسدين و هم في حالة دفع مسروقات سابقة .

كما تم تمكين أصحاب نصب و إحتيال من الإستفادة من نفس الإمتيازات و الترقيات و هم مطلبون لدي العدالة في قضايا إحتيال .

في الوقت الذي تمنح فيه الصفقات العمومية بالتراضي لرجال مال و أعمال و أصحاب نفوذ دون غيرهم من أبناء الوطن .

مما عزز من نفوذ القبيلة و كرس البعد الجهوي و قوض مفهوم الدولة .

و هو ما يعكس عجز و فشل سياسات حكوماتنا في الماضي و فساد النخبة و الأنظمة السياسية .

فهل يعقل في ظل دولة القانون و المواطنة أن يتم االإحتكام إلي القبيلة و الخوض أو التعاطي في قضايا و جرائم معروضة أمام القضاء الوطني ؟!

إن الوقوف في وجه النفس القبلي المتصاعد المنافي لمنطق الدولة الحديثة ،

يقتضي ضرورة العمل علي بناء مشروع إجتماعي إقتصادي وطتي متكامل يساهم في غرس و تطوير قيم المواطنة و حب الوطن و صون الوحدة الوطنية بما يحقق الترابط الإجتماعي في إطار الوطن الواحد و الدين الواحد و حقوق الإنسان و قوانين الدولة .

و الإلتزام بالترفع عن أكل المال العام و تغليب المصلحة العامة علي الخاصة.

من خلال وضع إستراتيجية وطنية محكمة تهدف إلي تعميق الإنتماء الوطني وفق أصوله السليمة و الحضارية،

تؤسس لحماية وحدته الوطنية من كل التحديات و المخاطر الداخلية و الخارجية ، حيث تعتبر الوحدة الوطنية المرتكز الأساسي في إستقرار الدول و نمائها و التي يقوم عليها البناء الوطني السليم .

و بالتالي يشكل هدف التنمية السياسية و غايتها الأولي.

صحيح أن أهداف ترسيخ و تعزيز مفهوم القيم لا تتحقق بمجرد تسطيرها و إدراجها ضمن الوثائق الرسمية بل يستوجب ترجمتها إلي إجراءات فعلية و عملية .

و أن المرحلة الراهنة تتطلب أكثر من أي وقت مضي إرادة جادة و صادقة في إحداث التغيير المنشود عبر إرساء سياسات إصلاح ناجحة و عدالة تذوب فيها الفوارق الإجتماعية و تقسيم عادل للثروة في ظل تكافؤ فرص تزول فيها حالات الظلم و الغبن و التهميش و الإقصاء .

تتحقق خلالها تنمية مستدامة تتيح معيار مقبول للعيش الكريم .

و تعمل علي تعزيز دولة القانون و المؤسسات و تطوير و إصلاح المنظومة القضائية و العدلية من أجل ترسيخ قضاء مهني عادل معزز لدولة القانون و المواطنة و مصدر طمأنينة للجميع .

تجسيدا لما قاله فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.

في إطار إشرافه علي إفتتاح أشغال المنتديات العامة حول العدالة بقصر المؤتمرات أنذاك ، و التي تم التوافق علي مخرجاتها في شكل وثيقة وطنية لإصلاح و تطوير العدالة تم رفعها إلي رئاسة الجمهورية .

مازال أهل الإختصاص من قطاع العدالة في أمس الحاجة إليها في انتظار الشروع في تنفيذها علي أرض الواقع .

حيث قال : ( أن ليس ثمة ما هو أكثر تأثيرا و محورية في حياة الفرد و المجتمع من عمل القضاء بوصفه أساس الوحدة الوطنية و اللحمة الإجتماعية ) .

كما أن القضاء العادل يعتبر رافعة أساسية في كل مخطط تنموي و مصدر لجلب الإستثمار .

ففي شأن العدالة سأل رئيس الوزراء البريطاني الراحل و تسون أتشرشل

أحد مستشاريه عن حال القضاء في بلاده إبان الحرب العالمية الثانية بعد أن دمرت البني التحتية و وصل الإقتصاد البريطاني إلي الحضيض فأجابوه بخير.

فقال مقولته الشهيرة( طالما العدالة و القضاء بخير فكل البلاد بخير ) .

كما ذهب إبن خلدون إلي القول : ( إن العدل أساس العمران و الظلم مؤذن بالخراب ) .

، فالعدل هو المنطلق لقيام الدولة و عمرانها .

ولا يأتي العمران إلا بإستقامة العدل و رفع الظلم عن الناس حتي يطمئنوا علي أنفسهم و حقوقهم و ممتلكاتهم .

فإلي متي ستظل الدولة رهينة لأطماع القبائل و الأشخاص ؟

بالتأكيد الوطن سيبقي إن شاء الله و تتلاشي الأطماع و تتواري الأشخاص و القبائل !

حفظ الله موريتانيا

 

اثنين, 03/02/2025 - 00:23