أختلفت المواقف بشأن تقييم أداء حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي .
خلال فترة المائة يوم الأولي من عمرها .
إذ يجمع البعض علي أن هذا الأداء كان إيجابيا.
فيما يري آخرون علي أنه كان مطبوعا و مصحوبا بنواقص جوهرية .
و للإشارة فإن تقييم المائة يوم الأولي من عمل الحكومات أضحي تقليدا سياسيا راسخا داخل بعض المجتمعات الديمقراطية تتعاطي معه الأوساط السياسية و الرأي العام و الإعلام بإهتمام بالغ .
إلا أن هذا التقليد لا يمكنه إطلاقا أن يشكل معيارا لتكوين نظرة موضوعية عن أداء الحكومة أو تقييمية لتنزيل برنامج سياساتها العامة علي أرض الواقع .
خاصة مع الظرفية الإقتصادية الصعبة و الآمال المعقودة عليها .
لكون الحكومة مازالت في طور إكتشاف ذاتها خاصة بالنسبة للوزراء الجدد في ظل ما شهدته التشكيلة الحكومية الأخيرة من إستحداث و دمج لقطاعات وزارية و إعادة هيكلة لأخري في مجالات واسعة .
مازال البعض منها يعمل علي إصدار و تنزيل بعض المراسيم المؤطرة لعملها و إختصاصات وزرائها .
إذ لا ينبغي الحكم علي نجاح أو فشل الحكومة في هذا الحيز الزمني المحدد
بحيث لا يمكن تحقيق إنجازات ملموسة و بلغة أرقام بين عشية و ضحاها .
في الوقت الذي كانت فيه الحكومة منشغلة بإعادة النظر في إعداد و إصدار القانون المالي الجديد و مناقشته علي صعيد البرلمان للمصادقة عليه .
إلا أنه من المستحسن أن تشكل هذه الفترة المبكرة فرصة سانحة للوقوف علي الملامح العريضة لما سيكون عليه عمل الحكومة في المراحل القادمة بشكل يعكس إرادة واضحة لتمكين هذه التجربة من النجاح في إطار تحديد الأولويات و تحقيق الإنسجام الحكومي اللازم .
من المعلوم أن الحكومات تشكل النظام السياسي الذي تقع علي عاتقه المسؤوليات بتنوعاتها المختلفة.
فما يتم إنجازه يعد من مهامها الرئيسية و ما يحدث من إخفاق ينبغي أن تحاسب عليه حتميا .
صحيح أن شعار المرحلة تضمن عناوين عريضة مثل الحرب علي الفساد في كل تجلياته و تمكين الشباب و إرساء تعليم جمهوري و الحفاظ علي محددات الأمن الوطني.
إنطلاقا من مقاصد و مضامن البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
طموحي للوطن .
الذي يضم بين دفتيه خمس رافعات أساسية للتنمية : -
‐ تحسين الأمن و الإستقرار .
‐ توطيد و تعزيز الوحدة الوطنية و اللحمة الإجتماعية .
‐ الحرب علي الفساد و الرشوة و سوء التسيير .
‐ تحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي .
‐ تبني سياسات و برامج ناجعة تستهدف و تتضمن إجراءات لتحسين الحكامة و تحفيز الإستثمار و دعم القطاعات الإنتاجية و تطوير البني التحتية لتعزيز النمو الإقتصادي و تحسين و تطوير الخدمات الإجتماعية الأساسية: التعليم ، الصحة ، الماء ، الكهرباء ...الخ.
فقد تم خلال الأشهر الأولي من مأمورية الشباب التعامل بشكل حاسم مع العديد من القضايا الشائكة أبرزها فوضي الأسعار و جشع التجار و رداءة الخدمات الأساسية.
مع التركيز علي التنمية المستدامة و الحفاظ علي البيئة.
هذا وقد كشف معالي الوزير الأول في خضم عرضه للسياسة العامة أمام البرلمان أنذاك عن إتفاق خفض أسعار وقعته حكومته ممثلة في وزارة التجارة و السياحة مع إتحاديات التجارة .
يقضي بخفض مواد غذائية أساسية مثل السكر ، الأرز ، القمح ، زيت ، لبن ...الخ
إضافة إلي مواد البناء اسمنت ، حديد ...
جهود حكومية لم تتوقف عند هذا الحد بل تجاوزته لاحقا لتشمل خفض أسعار السمك ( نوعية الكوربين ) و غاز البيتان ..
مما ساهم في التخفيف من وطأة أعباء هذه الأسعار علي الطبقات الإجتماعية الهشة و الأقل دخلا .
و التي أستفادت أيضا من معونات مجانية نقدية تعد بالمليارات و توزيعات واسعة لسلات غذائية من خلال تدخلات مفوضية الأمن الغذائي و مندوبية تآزر و التي شملت مئات العوائل و الأسر الفقيرة دون دخل .
كما تم إطلاق مشاريع وطنية طموحة و ورشات عمل و بناء ستساهم بشكل أو بآخر في تحقيق عدد من أهداف البرنامج الإنتخابي طموحي للوطن .
منها تحسين البني التحتية التعليمية و غيرها و دعم المشاريع الابتكارية لتمكين الشباب و توفير سبل أفضل للحياة .
في حين شهد قطاع المياه و الكهرباء أسوأ حالات عجز في الإنتاج خلال السنوات الأخيرة نتيجة تراكم الفساد و سوء التسيير و التدبير و حجم التحايل عليها لدرجة أن معالي الوزير الأول وصف الحالة الصحية للشركتين SOMELEC و SNDE في مستهل عرضه حينها أمام البرلمان بالموت شبه السريري .
و هو مادفع مجموعة صوملك إلي القيام بحملة تحصيل و مكافحة غش و إحتيال علي نطاق واسع بالتعاون والتنسيق مع وزارة الطاقة و النفط و بإشراف بعض أطرها .
جهود حكومية متواصلة أتت أكلها في إطار خطة عمل تستهدف تحسين الوضعية المالية للشركة و الرفع من أدائها و تقريب الخدمة من المواطن .
حيث تم رصد 17 مليار اوقية قديمة للتغلب علي النقص الحاصل في الجهد و التيار و تصحيح الإختلالات علي مستوي الشبكة و بيوت التوزيع و الحد من الإنقطاعات و بالتالي تحسين الخدمة الكهربائية.
نظرا لمحورية و دور شركة الكهرباء في التنمية و الإقتصاد و في مختلف مجالات الحياة و إستقطاب المستثمرين .
يأتي ذاك ضمن إصلاحات جوهرية هامة و تدابير دعم حكومية كبيرة قامت بها وزارة الطاقة و النفط في هذا الإتجاه
تطبيقا لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
و تنفيذا لبرنامج حكومة معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي.
بشأن إصلاح المجال الطاقوي.
ففي ضوء الفيضانات التي شهدتها منطقة الضفة مؤخرا نتيجة التغيرات المناخية.
بادرت الحكومة بتعليمات فورية من فخامة رئيس الجمهورية للتدخل ميدانيا عبر مختلف القطاعات الحكومية كل من موقع إختصاصه بالتعاون و التنسيق التام مع السلطات الإدارية الإقليمية و العسكرية و الأمنية .
في الوقت الذي تم فيه تشكيل لجنة وزارية برئاسة معالي الوزير الأول لتقييم الوضع و الوقوف علي حجم الأضرار وتعبئة الموارد اللازمة لمواجهة مخاطر الفيضانات .
في حين تم إنشاء لجان جهوية للطوارئ و مواكبة الأحداث يقودها ولاة الولايات المتضررة .
إلي جانب السلطات العسكرية و الأمنية و مسؤولي القطاعات الجهوية .
كما لعب الجيش الوطني دورا بارزا في إنقاذ العديد من العالقين بإستخدام زوارق مطاطية .
و نقلهم نحو مناطق إيواء مؤقتة آمنة تمت تهيئتها بكل الوسائل الضرورية كنقاط صحة و ماء شروب و إضاءة ...الخ
إضافة إلي التوزيعات النقدية المجانية و الغذائية الواسعة و معدات الخيام شملت كل العوائل والأسر و الأفراد المتضررين .
فلولا الإستجابة السريعة للدولة و التدخلات المنسقة و الموفقة لتفاقم الوضع و خرج عن السيطرة.
الشئ الذي يؤكد جليا أن أداء الحكومة الحالية ينسجم مع التوجه الإصلاحي و يلامس جوانب هامة من حياة المواطن .
بينما يري بعض المراقبين للشأن الوطني أن إيقاع العمل الحكومي الحالي متوسط في الوقت الذي مازالت فيه التحديات و العوائق قائمة و ماثلة .
و أن الرهان الملقي علي عاتق الحكومة يتمثل في تنزيل البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية طموحي للوطن علي أرض الواقع .
حيث ظل أرتفاع الأسعار و عدم إستقرارها يؤرق المواطن و الحكومة معا رغم تحرك الأخيرة الجاد .
فأسعار مختلف المواد الأساسية التي شملها الإتفاق الأخير كالسمك و الغاز و المواد الغذائية ...
مازالت تراوح مكانها داخل الأسواق المعهودة و المحلات ولدي تجار التجزئة .
نظرا لجشع و نفوذ و خذلان التجار و تجاهل بعضهم لتعليمات الحكومة و غياب الوازع الوطني و الديني لديهم مما يقوض عمل الحكومة في ظل فوضي الأسواق و غياب الرقابة الصارمة المستمرة .
رغم جهود قطاع التجارة و دور حملات حماية المستهلك المعلنة لضبط الأسعار و الأسواق .
( إفكن من ما أبخل شي و لا أز شي ) .
ففي مجال التعليم و في الوقت الذي تم فيه حظر مستويات من التعليم الأساسي علي المدارس الخصوصية الوطنية .
و أمام فرض الحكومة نظام المدرسة الجمهورية تم السماح عبر قرار من وزارة التعليم لأعداد كبيرة من المدارس الأجنبية مزاولة تدريس المناهج الفرنسية بكل المستويات ابتدائي و غيره داخل الوطن
في خطوة و صفت بالغير منصفة لأبناء الوطن و الغير عادلة في حق المدارس الخصوصية الوطنية وغير مسبوقة لتوطين الثقافة الفرنسية من خلال تربية أبنائنا علي تعليم فرنسي مبني و قائم علي عقيدة علمانية محضة كنمط و سلوك و تاريخ .
و جعلها جزءا من شخصيته .
دون مراعاة خصوصية الثوابت الدينية و الوطنية و الأخلاقية للبلد .
حيث شكلت هذه المدارس و جهة و قبلة لأبناء النخب الوطنية النافذة و رجال المال و الأعمال
دون غيرهم .
بحكم إرتفاع رسوم الدراسة فيها و أمور أخري .
و هو مايؤكد جليا أن الثقة باتت شبه مفقودة إن لم تكن معدومة لدي المسؤول الحكومي و طبقات واسعة من المجتمع إتجاه نظام التعليم العمومي .
بدليل تسجيل أبنائهم بالمدارس الخصوصية الأجنبية
مما سيكرس للطبقية من جديد في التعليم
و سيخلق جيلين متباينين داخل وطن واحد .
و سيزيد الفجوة بين مختلف مكونات الشعب الواحد .
و بالتالي سيقلل من جدية و مصداقية عملية إصلاح قطاع التعليم التي تبنتها الحكومة .
في محاولة للإلتفاف علي مقاصد و أهداف المدرسة الجمهورية و وأد المشروع الوليد و الطموح .
ففي سياق شعار الحرب علي الفساد شكلت عهود الأنظمة السابقة و اللاحقة في مجال الفساد تركة ثقيلة شملت جميع مناحي الحياة الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية لدرجة أن الفساد أضحي ثقافة راسخة و ممارسة سائدة داخل المجتمع و هواية متأصلة لدي النخب الوطنية في إطار لوبيات متحكمة في مفاصل الدولة .
دأبت علي إفلاس مؤسسات عمومية و قطاعات وزارية بمستويات أوصلتها إلي العجز عن القيام بالأدوار المنوطة بها .
و كذلك الشركات الوطنية و إدارات الدولة و نهبها و الإستحواذ علي مقدراتها و ميزانياتها نتيجة الفساد و سوء التسيير و التدبير دون مساءلة أو عقاب
في ظل ضعف الرقابة وغياب بعثات التفتيش لفترات طويلة ( و هو ما حصل مع شركة وطنية حيوية خدمية تم العبث بأصولها المالية و تفريغ خزائنها عانت الأمرين لم تزرها إطلاقا بعثات المفتشية العامة للدولة طيلة المأمورية الأولي حتي الآن ) .
رغم المطالب المتكررة للقائمين الجدد علي شأن الشركة بضرورة دخول مفتشية الدولة العامة علي خط التفتيش و التدقيق دون إستجابة .
في ظل تقييد تدخلات المفتشية العامة للدولة بأوامر عليا تحدد الوجهة بإستهداف مؤسسات أو إدارات دون أخري .
و هو ما يعطل و يعيق عمل المفتشية و يقلل من جدية و مصداقية و شفافية الحرب علي الفساد .
و مع ذلك كله نجد نفس الأشخاص المتورطين في قضايا فساد بينية و عارمة في مقدمة التشكيلات و التركيبات الحكومية و التعيينات داخل مختلف الدوائر الحكومية و علي رأس كبريات المؤسسات العمومية و الشركات الوطنية .
ففاقد الشيء لا يعطيه .
عن أي إصلاح إذن أو حرب فساد نتحدث ؟
ما تتطلبه المرحلة هو إرادة جادة للإصلاح و محاربة الفساد و الصرامة في تطبيق القانون و ترسيخ قيم العدالة .
و إخضاع الضالعين في إيصال البلد إلي هذه الحالة المزرية للمساءلة و العقاب و إسترجاع الأموال المنهوبة .
فشرط النهايات تصحيح البدايات !
حفظ الله.موريتانيا