أثار تصريح معالي وزير الشؤون الإسلامية و التعليم الأصلي الموريتاني القادم لتوه ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة نحو قطاع خارج دائرة إختصاصه .
عقب زيارة للهيئة العامة للشؤون الإسلامية و الأوقف و الزكاة بدولة الإمارات العربية المتحدة .
زوبعة من الإنتقادات و المآخذ و طنيا عبر وسائل التواصل الإجتماعي و بعض المواقع الإعلامية .
حيث أعرب عن أمنياته أن تحذو الدول حذو دولة الإمارات في نشر السلام .
شئ جميل !
لكن عن أي سلام يتحدث ؟
في ظل إستباحة الكيان الصهيوني للدم الفلسطيني في إطار الإبادة الجماعية المستمرة في غزة الجريحة و داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة .
و إغتيال الحقيقة و التغاضي الدولي و تقاعس و خذلان الحكومات و الشعوب العربية و الإسلامية .
إلا أن أي مساعي سلام لا تمهد لتسوية عادلة و دائمة للقضية الفلسطينية لا تعد علي الإطلاق سلاما .
و لا تتماشى مع الموقف الموريتاني الثابت حكومة و شعبا و الداعم لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و تلبية حقوقه المشروعة .
و في طليعتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشريف وفقا للقرارات الشرعية الدولية و مبادرة السلام العربية .
ذلك ما أكده فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خضم خطابه علي مستوي القمة العربية الإسلامية المقامة بالرياض حول العدوان الإسرائيلي علي غزة رغم مواقفها الخجولة و عجزها عن الخروج بموقف موحد يدين و يشجب و يستنكر العدوان الإسرائيلي الغاشم حينها .
حيث بين أن عمق خصوصية المكانة التي تحتلها القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب العربية و الإسلامية هي كونها مظلومية شعب و مسألة مقدسات ليس إلا .
كما أشار إلي أن تراخي و تراجع المجتمع الدولي في بذل الجهد اللازم لإقرار السلام و الوقوف في وجه جرائم الكيان الصهيوني و فرض وقف إطلاق النار الفوري و إدخال المساعدات الطبية و الإنسانية الضرورية بالكم المطلوب .
سيفقده إن أستمر علي هذا النحو مصداقيته و يسقط الثقة بشعاراته و مبادئه و دعواته للسلام و يجعله شريكا أساسيا في هذه الجرائم اللاإنسانية غير مسبوقة ...الخ .
و إذا كان معالي الوزير يقصد في هذا السياق السلام الإبراهيمي المستمد من مشروع الديانة الإبراهيمية تحت رعاية دولة الإمارات
فإنه مشروع ليس وليد اللحظة بل مطلب و دعوة يهودية مشبوهة قديمة جديدة تتمثل في الدعوة إلي توحيد الأديان و دمجها و إلي الوحدة أو التقريب أو التوفيق بين اليهودية و النصرانية و الإسلام و إسقاط الفوارق الجوهرية فيما بينها و الإلتقاء عند القوائم المشتركة فيها و الإعتراف بصحتها جميعا تحت مظلة الإنتساب الي سيدنا ابراهيم عليه السلام
(حق أريد به باطل ) دون ان يتخلي المنتسبون لأي من هذه الأديان عن دينهم الخاص بهم .
كما يعتبر هذا المشروع بوتقة لصهر الأديان السماوية الثلاثة الإسلام اليهودية و المسيحية لينتج عنها ديانة جديدة يدعوا إليها بنو صهيون و يزعمون انه من خلالها سيعم السلام و الأخوة الإنسانية و المشترك الديني وذلك عبر جميع نقاط الإشتراك بين الثلاث ديانات و تنحية نقاط الخلاف فيها جانبا ، بغية خلق تقارب في المواقف و نبذ العدوات و الإضطهاد بين اليهود و النصاري و المسلمين بسبب الإختلاف في الدين.
مما سيخدم و يدعم سياسات الإحتلال علي حساب القضية الفلسطينية العادلة.
في حين ستكون نقاط الإلتقاء عند اليهودية حيث أن المسلمين سيعترفون بالديانات الثلاث بينما النصاري يعترفون بالمسيحية و اليهودية فقط اما اليهود فلا يعترفون إلا باليهودية.
لذا سيتقاطع الجميع في الإعتراف باليهودية .
ظهر مصطلح الإبراهمية مؤخرا وتم تداوله علي نطاق واسع بالتزامن و بعيد إعلان إتفاق تطبيع كل من الإمارات العربية المتحدة و البحرين مع الكيان الصهيوني برعاية آمريكية في منتصف سبتمبر 2020 م.
وكان الرئيس الآمريكي حينها اترامب هو من أقترح تسمية هذا لإتفاق الثلاثي بإسم ( اتفاق ابراهيم ) ضمن مساعيه لتهويد القدس و دعمه المعلن و اللا مشروط للدولة اليهودية .
كما تقف وراء الديانة الإبراهمية الجديدة مراكز بحثية ضخمة و غامضة انتشرت مؤخرا في ربوع العالم أطلقت علي نفسها إسم مراكز الدبلوماسية الروحية برعاية ودعم جهات دولية قوية مثل : الإتحاد الأوروبي صندوق النقد الدولي ،البنك الدولي و الولايات المتحدة الآمريكية
تنشط في مجالات متباينة بحجة نشر ثقافة السلام و المحبة و فض النزاعات و دعم التنمية المستديمة . ....الخ.( الوجه المعلن ) .
مما جعل بعض دول المحيط العربي تجاهر بتبني الإبراهيمية و تسخر الكثير من الأموال و تحشد الجهود البشرية و الإعلامية و تقيم الفعاليات و المشروعات المتنوعة للترويج للإبراهمية و تكريسها علي أرض الواقع لاسيما تلك التي تجمعها علاقات تطبيع مع الكيان الصهيوني كالإمارات العربية المتحدة التي ما فتئت تبذل في هذا الأمر جهودا جبارة، حيث قامت بتشييد
مبني في شكل مجمع ضخم يضم مسجدا و كنيسة و معبدا تحت سقف و مكان واحد.
سمته البيت الإبراهيمي ،فما بني علي باطل فهو باطل.
قد لا يتوقف الأمر عند مشروع البيت الإبراهيمي بل يمكن أن يتجاوزه لاحقا إلي فكرة طبع القرآن الكريم و التوراة والإنجيل في غلاف واحد يسمي ( الكتاب الإبراهيمي ) .
أو ربما يتطور إلي التفكير في إقامة صلاة مشتركة تجمع اليهود و النصاري و المسلمين في إقامة و تكبيرة ابراهيمية واحدة .يطلقون عليها صلاة أبناء ابراهيم و هكذا دواليك .....
إن العبث بالأديان و الكيد للإسلام خاصة أمر قديم قدم الصراع الأزلي بين الحق و الباطل
فمن الأكيد أن هذه الدعوة المشبوهة الي السلام عبر الديانة الإبراهيمية تدخل ضمن تداعيات هذا الصراع
و السعي الي تبني نهج التلبيس و الكتمان و الخلط بين الحق و الباطل في محاولة يائسة .
علي غرار ما ورد في سورة التوبة ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبي الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون ) صدق الله العظيم .
وكما نجد في الآية الكريمة من سورة البقرة مخاطبا اليهود أيضا ( و لاتلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و انتم تعلمون ) صدق الله العظيم .
فثمة آية أخري من نفس السورة تبين شدة عداء عموم اليهود للإسلام و خطورة الإرتقاء في أحضانهم ( و لن ترضي عنك اليهود و لا النصاري حتي تتبع ملتهم قل إن هدي الله هو الهدي و لئن أتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير ) صدق اله العظيم
كما أن مصطلح الدين الإبراهيمي ليس له أصل في الشرع فماهو معروف مصطلحا هو دين الإسلام الذي هو دين ابراهيم و جميع الأنبياء والرسل عليهم جميعا صلاة الله وسلامه لقوله تعالي في سورة آل عمران ( ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا و لكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين ) و قوله تعالي أيضا في نفس السورة( إن الدين عند الله الإسلام ...) صدق الله العظيم .
فأين نحن يامعشر المسلمين من هذه الآيات القرآنية الكريمة .؟؟!
تأسيسا لما سبق يتضح جليا أن السلام الإبراهيمي هو محطة جديدة من محطات الصراع العربي الصهيوني و وجه من اوجه الصراع ضمن سياق عقائدي فكري تتجسد خطورته في تناوله للدين كميدان وساحة للصراع.
كما أن من يتبني فكرة الدعوة و يتكفل بالإنفاق عليها و تسويقها هي دولة عربية إسلامية لها حضور و نفوذ قوي داخل المنطقة مما يساعد في تمرير و تنفيذ خططها و رؤاها وفقا لإستراتيجيتها المرتبطة بالإندماج الصهيوني و تغلغله داخل الجسم العربي .
فالمنطقة في ضوء ما تقوم به إسرائيل من تجاهل للقانون الدولي و إبادة جماعية و عدوان مستمر بدعم مباشر من قوي عظمي ردا علي عملية طوفان الأقصي المباغتة. مقبلة علي مرحلة جديدة من مراحل مسخ الهوية الإسلامية و الوطنية لصالح التبعية الصهيونية و من خلال توسيع دائرة التطبيع و نشر و إشاعة الديانة الإبراهيمية.
فإعادة رسم المنطقة من جديد يستدعي تغيير عقيدتها وفق نموذج تهميش الأديان و مسخها .
الشئ الذي بدأت ملامحه تتجلي في الأفق سبيلا للقضاء علي ما تبقي من مقاومة ميدانية و رفض شعبي للوجود الصهيوني.
بينما يبقي وعي و إدراك الشعوب و إيمانها القوي الركيزة الأساسية في نجاح هذا المخطط أو فشله.
حفظ الله الإسلام والمسلمين من كيد الكائدين و نصر أهل فلسطين
.