يعيش المجتمع علي وقع جملة من التناقضات و المفارقات علي جميع الأصعدة و في الإتجاهات، نتيجة عدم الإدراك و الوعي بشروط الحياة الكريمة المبنية علي الأخلاق و إحترام الآخر .
في ظل مانراه من تحولات إجتماعية عميقة تستهدف نمط الحياة من عادات وتقاليد ضمن تغيرات طارئة على مستوى العقليات و السلوك و القيم .
و ظهور ممارسات شاذة طغت علي السطح كالنفاق و التملق و الكذب و تزييف الحقائق و المعطيات و تفشي الفساد و عدم الإكتراث بالوطن و المصالح العامة .
أمام إنتشار واسع لعولمة غزت البيوت وأستباحت أعراض و خصوصيات الأشخاص و العوائل و الأسر دون وجه حق .
إننا في محيط إقليمي و دولي نؤثر كما نتأثر، و نعيش حقا عصر التناقض و إزدواجية الشخصية نبيح ما يروق لنا و نحرم ما يتعارض مع مصالحنا .
فما نعيشه اليوم من تناقض إجتماعي و خلقي و سلوكي أدي إلي إزدواجية الفقر مع الغني .
فالكل منا لابد أن يكون غنيا.
فالغني عند هؤلاء المتناقضين مشاع ليس له علاقة بالمهنة مهما كانت بسيطة أو وضيعة أو فاضلة .
فالمعلم يمكن أن يكون مدرسا في الصباح و مضاربا في الأسهم بالمساء أو أثناء الدوام فلا يعفيه مبدأ أو إلتزام و لا قدوة أو فضيلة .
فالأخلاق و القيم و الثوابت أصبحت في أيامنا تقرأ و لا تكتب تسمع و لا تترجم لواقع ملموس فهي في نظرة بعض المراقبين إلتزام تجاوزه الواقع المعاش و تاريخ عفا عليه الزمن .
و لو أدي ذلك للتعدي علي حقوق العامة و الخاصة .
فالغاية عندهم تبرر الوسيلة و المعاملات منفصلة عن العبادة و حب الوطن.
لدرجة أن المواطن البسيط يصبح فقيرا و يمسي ثريا ثراءا فاحشا مجهول أو معلوم المصدر دون مساءلة قانونية تذكر
في ظل الإفلات من العقاب و التهرب الضريبي رغم الشكوك و التهم القائمة.
‐ نحن مجتمع يمنع فيه إستهلاك الكحول و المخدرات و مع ذلك تنشط عبره عمليات تهريب نفس المواد السامة و الضارة و توزيعها و المتاجرة فيها علي نطاق واسع منذ أمد طويل بدليل ما يتم رصده و ضبطه من كميات كبيرة و هامة في حالات تلبس من حين لآخر عن طريق عناصر الأجهزة الأمنية، تكيف قضائيا و تختزل في شخصيات خارجية دون غيرها من كبار القوم من أبناء الوطن .
‐ نحن مجتمع ينبذ الغش في الخطاب لكن يطبع معه بسهولة في الواقع : في العمل ، المعاملات المسابقات الإمتحانات ..
يجد له كل التبريرات الممكنة.
نحن مجتمع في الوقت الذي يتحفظ وينتقد فيه البعض المحتويات الهابطة والتافهة عبر وسائل التواصل الإجتماعي نجد أن هذه المنصات تحظي بمتابعة كبيرة.
‐ نحن مجتمع لا يطالبك بإحترام ضميرك الشخصي بل بالخضوع لرقابة الجماعة ، افعل ما تشاء لكن في السر .
‐ نحن مجتمع، المفسد فينا المقال من عمله نتيجة سوء تسيير أو تدبير أو فساد يستقبل داخل أوساطه الإجتماعية بحفاوة و في جو من الإحتفالات الرهيبة و بترخيص من السلطات الرسمية كأنه بطل قومي.
‐ نحن المجتمع الوحيد الذي يمكن لأي شخص أن يثير أو يشهر أو يتساءل دون وجه حق عن مصادر ثراء خصوصي لا علاقة لصاحبه إطلاقا بالمال العام و لا بصفقات الدولة و يوجه له التهم لحاجة في نفس يعقوب قضاها من خارج دائرة إختصاص القضاء ممثلا في النيابة العامة .
في الوقت الذي تم فيه السكوت عن أسماء ضالعة في حالات فساد عمومي مبينة بالأدلة و الأرقام.
أموال شعب تسرق و تنهب بالجملة علي مرأي و مسمع من الجميع تصنع نخبة فاحشة الثراء قوامها صقور السياسة و كبار الموظفين و المسؤولين .
‐ علي الأصح برزت داخل المجتمع شريحة محدودة من رجال المال و الأعمال فاحشة الثراء أكتسبت أموالها بطرق مشبوهة خلال فترات زمنية قصيرة و في مراحل متباينة، بحكم الزبونية و المحاباة و القرب من أصحاب النفوذ و الإستحواذ علي الصفقات و التحكم بالأنشطة الإقتصادية و الأسواق الرئيسية دون مساءلة أو إثارة من أي كان ؟!
‐ نحن مجتمع طغت عليه المادة و تراجعت فيه القيم المجتمعية يهتم بالمظاهر مما يدفع الفقراء علي غرار أغنياء البلد إلي الإسراف و البذخ و عدم الإهتمام بالحرص و الإقتصاد في المصروف .
‐ نحن البلد الوحيد في العالم الذي تنشر فيه محكمة الحسابات و المفتشية العامة للدولة تقارير فساد بالجملة و بالتفاصيل المملة دون سجن أي شخص .
‐ نحن البلد الوحيد الذي يقوم بتدوير المفسدين في المناصب الوزارية و الوظائف العليا الحساسة و هم في حالة دفع مسروقات سابقة لدي الخزينة العامة .
‐ نحن البلد الوحيد في العالم الذي يقوم بالتوزير العائلي و الأسري منذ قيام الدولة المركزية إلي يومنا هذا .
نحن مجتمع مبني علي كل التناقضات في انتظار مآلات نجاحات مأمورية شباب شعارها الأول وتحديها الأبرز هو محاربة و مواجهة الفساد في كل تجلياته.
ما نراه اليوم من تناقض وتبريرات في المواقف والإتجاهات الفكرية و العقائدية مرده التشدد بالطبع و التنطع.
يرجع إلى تفكك القيم و تسيب السلوك و إنحلال الخلق بكافة أنواعه.
ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضى هو إصلاح شامل قائم علي التعليم و الإلتزام بالثوابت الدينية و الوطنية و القيم المجتمعية.
خاصة أن التناقض لدينا أضحي صفة مميزة لمجتمعنا.
إن الحياة تدور بشكل دائري، فإذا انهارت الأخلاق و القيم المجتمعية انهار بالضرورة كل شيئ
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
حفظ الله موريتانيا.