شكل الخطاب المفصل الذي ألقاه معالي الوزير الأول السيد المختار ولد اجاي أمام البرلمان بحضور أعضاء حكومته في إطار عرضه للسياسة العامة للحكومة الجديدة . منعطفا تاريخيا لاقي قبولا و إستحسانا داخل الأوساط الشعبية و شهد تقاطعا في المقاصد مع مطالب الطيف السياسي موالاة و معارضة .
خطاب ليس مجرد عرض لسياسات عامة بقدر ما هو انعكاس للرؤية العميقة التي جاء بها البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني طموحي للوطن .
إلا أن هذا العرض جاء هذه المرة مختلفا عما سبق بحكم وضوح الرؤية و تنوع و سلامة الطرح .
يعكس إرادة حكومية قوية جادة و صادقة لمعالجة مجمل التحديات الإقتصادية و الإجتماعية القائمة و المستعصية .
نظرا لما يحمله هذا العرض من رؤية شاملة و نظرة متبصرة لكل ما يجري من جزئيات و تفاصيل داخل الوطن
و تشخيص واقعي لمكمن الخلل و معالجة الإشكالات الحاصلة .
ما ميز الخطاب نصا هو مكاشفة و مصارحة الشعب حينما تحدث قائلا : - إن بناء الدول و الأوطان علي قدر الطموحات المتجددة لشعوبها .
و لا يكون إلا بناءا تراكميا لا ينتهي يشارك فيه الجميع .
و أن من أقوي اللبنات تعزيزات لصرح الدولة الموريتانية تلك التي وضعها صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني خلال مأموريته المنصرمة .
كما خلص بعدما بين كل الإختلالات الحاصلة في مختلف القطاعات و التي تمس جوانب هامة من حياة المواطن إلي رسم و تحديد الضوابط و السلوك التي ستحدد عمل الحكومة .
مؤكدا أن الحكومة ستعمل جاهدة علي أن يكون الطابع العام لعملها متسما بالتضحية و الجدية و الفعالية في الإنجاز مع الحرص الفائق علي القرب من المواطنين و مساواتهم أمام العدالة و فرص العمل و الحقوق و الواجبات ...!
فما تتطلبه المرحلة الآن هو بناء فوق نجاحات ما تحقق في المأمورية الأولي .
ففي سياق أعم يري بعض المراقبين أن خطاب معالي الوزير الأول حمل العديد من الرسائل ذات الدلالات العميقة و الملامح التي توضح شكل المرحلة القادمة في كافة المجالات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الأمنية.
كما يتضمن رسم الخطوط و العناوين العريضة لأهم محددات العمل الحكومي في قادم المراحل .
تجسيدا لمقاصد و مضامن البرنامج الإنتخابي لفخامة رئيس الجمهورية.
و الذي يضم بين دفتيه خمس رافعات أساسية للتنمية و النهوض بالبلاد و العباد نحو غد أفضل .
‐ تحسين الأمن و الإستقرار .
‐ توطيد و تعزيز الوحدة الوطنية و اللحمة الإجتماعية .
‐ الحرب علي الفساد و الرشوة و سوء التسيير .
‐ تحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي .
و تبني سياسات و برامج ناجعة تستهدف و تتضمن إجراءات لتحسين الحكامة و تحفيز الإستثمار و دعم القطاعات الإنتاجية و تطوير البني التحتية لتعزيز النمو الإقتصادي و تحسين الخدمات الإجتماعية الرئيسية : التعليم ، الصحة ، الكهرباء و الماء اللذان يشهدان أسوأ حالات عجز في الإنتاج و التوزيع و تدني الخدمة في تاريخ القطاع نتيجة سوء التسيير و التدبير و تراكم الفساد و حجم التحايل عليهما لدرجة أن معالي الوزير الأول وصف الحالة الصحية للشركتين SOMELEC و.SNDE في مستهل عرضه أمام البرلمان بالموت شبه السريري . ... الخ .
وتمكين الشباب و توفير فرص العمل له و تقوية شبكات الإتمان الإجتماعي و تنمية رأس المال البشري .
و ضرورة تحفيز التعاون و تعزيز الشراكة بين الحكومة و القطاع الخاص .
إضافة إلي التعامل بشكل حاسم مع العديد من القضايا الشائكة أبرزها فوضي الأسعار و جشع التجار و رداءة الخدمات الأساسية .
مع التركيز علي التنمية المستدامة و الحفاظ علي البيئة بشكل يتماشي مع برنامج طموحي للوطن في ضوء مأمورية الشباب .
كما يشار إلي أهمية أن يصاحب هذا البرنامج الحكومي برامج للمتابعة و التقييم الدوري .
هذا و قد كشف معالي الوزير الأول في خضم عرض برنامج حكومته أمام البرلمان عن اتفاق خفض أسعار وقعته حكومته ممثلة في وزارة التجارة و السياحة مع اتحاديات التجارة يقضي بتخفيض أسعار مواد غذائية أساسية مثل : السكر ، الأرز ، القمح ،الزيت ، اللبن ...الخ .
مما سيشكل خطوة أولي في الإتجاه الصحيح ستلامس هموم المواطن و ستحد و تخفف و
من وطأة و أعباء هذه الأسعار علي الطبقات الإجتماعية الهشة و الأقل دخلا .
خاصة إذا ما استمرت علي هذا النحو من التراجع في ظل متابعة دقيقة ومراقبة صارمة للأسواق .
في حين أجازت الجمعية الوطنية كما كان متوقعا إعلان السياسة العامة للحكومة الجديدة مانحة إياها الثقة التامة بأغلبية أصوات ساحقة 140 صوتا مقبل 25 .
بعد عقد جلسات نقاش واسع و حاد في بعض الحالات تباينت من خلالها مواقف و ردود و مداخلات و مقترحات السادة النواب اتجاه السياسة العامة للحكومة و من بينهم هذه المرة نواب من الأغلبية .
تناولت كل برنامج الحكومة بشكل تفصيلي ساهم في تحديد نقاط القوة و الضعف و الخروج بتوصيات دقيقة ستسهم في تنفيذ هذه البرنامج علي أرض الواقع لتحقيق نتائج ملموسة يشعر بها المواطن .
من المعلوم أن الحكومات تشكل النظام السياسي الذي يقع علي عاتقه المسؤوليات بتنوعاتها المختلفة .
فما يتم إنجازه يعد من مهامها الرئيسية و ما يحدث من إخفاق ينبغي أن تحاسب حتميا عليه .
بينما يجمع جل المحللين إلي أن التحدي الأكبر أمام الحكومة الجديدة هو مواجهة و محاربة و إستئصال الفساد علي كل المستويات .
نظرا لأن الفساد و إساءة إستخدام السلطة لتحقيق مكاسب خاصة أضحي ثقافة راسخة بعمق داخل النخبة المتحكمة في مفاصل الإدارة و الدولة .
خاصة إذا ما علمنا أن المؤشر الوحيد القوي لمدركات الفساد حتي الآن هو حالات الإفلات الواسعة المستمرة دون مساءلة أو عقاب في ظل تمكين مشمولين بقضايا فساد سابقة بعضهم مازال يدفع للخزينة من التدرج و الوصول إلي مناصب عليا حساسة .
الشئ الذي إن استمر علي هذا النحو سيعيق عمل الحكومة الجديدة و يقلل من جدية الحرب علي الفساد .
تأسيسا لما سبق ينبغي أن تظهر الحكومة الجديدة الإرادة الجادة للإصلاح و القدرة علي تحقيق برنامجها عبر تركيز الجهد في التخطيط الجيد و التنفيذ المحكم .
هناك أمور عاجلة يمكن إتخاذ قرارات و تدابير سريعة لعلاجها
و ثمة ما يتطلب الدراسة المحكمة يعقبها إعلان خطة عمل من الحكومة.
فتحديد المسؤوليات و وضعها في إطارها الصحيح علي كل المستويات هو أحد متطلبات الشفافية و القدرة علي المحاسبة
فحيازة الحكومة علي الرضاء الشعبي مرتبط بتحقيق النجاحات المتراكمة
و بناء الثقة متصل و مرتبط أيضا بمصداقية و واقعية الوعود .
لاشك أن الحكومة الآن تولت مقاليد الأمور بشكل شرعي وقانوني ورسمي .
ستنبئ الأيام القادمة و الممارسات و النتائج اللاحقة عن مستوي النجاحات و الإخفاقات .
فكل أمنياتنا لها بحسن الأداء و التوفيق و النجاح طبقا لما جاء في رسالة التكليف بغية تحقيق آمال و طموحات الشعب الموريتاني .
حفظ الله موريتانيا