سيدي الطيب ولد المجتبى
في مؤتمره الصحفي الأخير، أدلى الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد الناني ولد اشروقة بتصريح صحفي قال فيه أنه "لا يوجد نص يمنع تعيين الوزراء مديرين للحملات الانتخابية."
وهذا التصريح التضليلي ربما يكون مُحقا وفق فلسفة الحزب الجمهوري، ومصادفاً لهوى في نفوس الذين تركهم PRDS على قارعة الطريق، فانتشلتهم حظيرة الإنصاف، التي تتقاسم معهم ذات المرجعية.
الديمقراطية أيها الناطق الحكومي ليست من صنعية "اهل لخيام"، بل هي نهج من الحكامة، ونتاج لقرون من البحث والتفكير والتنوير، نحو آلية تسمح بإدارة شؤون الحكم، والتداول عليه بشكل سلمي.
لذا كان هدفها الأول إسكات البنادق، وتحييد السلاح والقوة عن طريق الحكم.
وهو ما تُعذرون في جهله، ونكرانه، وعدم استيعابه، لأنكم تتأبطون حقائب وزارية في ظل نظام لا يفقه ولا يحترم أدنى أبجديات الديمقراطية، ولم يحكم طيلة مأموريته الصفرية بالحد الأدنى من الحكامة المؤسسية المقبولة.
حين نتحدث عن غياب النصوص التي تمنع، أو تمنح الوزراء حقوقهم المدنية والسياسية فينبغي لنا ضرورة أن نطلع على ما يدور بدهاليز وأروقة المؤسسات الحكومية هذه الأيام، حيث تعطلت مصالحها المتواضعة والمتعطلة أصلا، وتحولت لمطبخ سياسي لحشد وتعبئة الموظفين العموميين، ترغيبا وترهيبا للانخراط في الحملة الانتخابية، السابقة لأوانها لصالح رئيس السلطة المنتهية مأموريته، والمحترقة أوراقه السياسية، بفعل الفشل التنموي والتخبط الكارثي في مجال تسيير وإدارة الشأن العام.
وللناطق باسم الحكومة أن يقول أيضا بعدم وجود أي نص يمنع الوزير أو الأمين عام، أو المدير، أو رئيس المصلحة من تهديد الموظفين العموميين، وإرغامهم على تكديس أصواتهم وأصوات عائلاتهم للحزب الحاكم، في تعد صارخ على حرية التصويت والاختيار، وقمع صريح ومكشوف للحقوق الأساسية والبديهية للمواطنين، المكفولة لهم بنص الدستور.
لكن حكام هذه البلاد وحكوماتهم يحتفظون بنسخة مشفرة من الدستور، لا يجيد المواطنون قراءتها ولا استيعابها، ولا تفكيك رموزها.
ولعل الزيارات المكوكية التي يقوم بها وزراء النظام منذ فترة، نحو المدن والأرياف هي حق آخر من حقوق الوزراء، الذين يغادرون أماكن عملهم، ويستخدمون الوسائل والأموال العمومية، لإبرام الأحلاف العشائرية، وعقد الصفقات مع زعماء القبائل ومنحهم القرابين والوعود والرشاوى من أجل إحكام القبضة التقليدية على صناديق الاقتراع، لتكون خالصة لرئيس السلطة الحاكمة.
هي دوامة عبثية ليلها طويل، تمحق مصائر الناس وترجئ فجرها المسروق، من طرف حفنة من جياع الفكر والتاريخ وعديمي الحكمة والنزاهة.
وعودة على بدء، لستُ مهتما بإقالة وزراء الحملة في هذه الظروف، لأن المصداقية والحكامة الرشيدة تقتضي تحييدهم منذ فترة، أما اليوم فقد أوشكت مهمتهم غير النبيلة على النهاية، وما بقى من أدوار تآمرية يقوم بها بشكل مواز ولاةُ السلطة وحكامها وجنرالاتها ورجال أعمالها، بدعايتهم الرجعية وحشودهم المعادية للديمقراطية.
وبحكم الواقع الماثل أمام الجميع، لا يمكن لمكابر نكران ما يقوم به رأس السلطة من تسخير وإهدار الأموال والوسائل العمومية، خدمة لمشروعه الشخصي، المُكرس لمزيد من الغدر السياسي والغبن الاجتماعي، لذلك لا نتوقع أية ضمانات في شفافية المنافسة الانتخابية، ولا تكافؤ في الفرص أمام الفرقاء السياسيين، لكننا مع ذلك مضطرون لخوض التجربة، تمسكا منا بالخيارات السلمية والديمقراطية الهزيلة، والتي نعمل على ترسيخها من أجل شعبنا، ومن أجل الأجيال القادمة، وإن كان هذه النظام وأسلافُه وأحلافه بها من الكافرين.!