تأتي مناسبة الذكري 61 لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية التي حل محلها الإتحاد الإفريقي و التي تصادف 25 مايو من كل سنة .
بعد ثلاثة أشهر من تولي فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئاسة الإتحاد الإفريقي خلفا لرئيس جمهورية جزر القمر غزالي عثماني المنتهية ولايته .
بإجماع من الدول الأعضاء في إقليم الشمال الإفريقي علي إختيار موريتانيا رئيسة دورية للإتحاد الإفريقي لموسم 2024 م خلال القمة السابعة و الثلاثين لدول الإتحاد المنعقدة في أديس بابا .
و بحكم أيضا ما يتمتع به رئيس الجمهورية من حكمة و رؤية متبصرة و ما يمتلك من قدرة علي التعامل مع القضايا العالقة و الشائكة المطروحة إفريقيا.
إضافة إلي ما نسج من علاقات جيدة علي المستوين القاري و الدولي و مع شركاء القارة .
الشئ الذي عكسه الحضور الموريتاني المميز داخل المحافل و علي مستوي المؤتمرات الدولية و جسدته النجاحات الكبيرة المتكررة للدبلوماسية الموريتانية ، و التي كان من شأن نتائجها الإيجابية دبلوماسيا تولي موريتانيا للمرة الثانية رئاسة الإتحاد الإفريقي في ظرف وجيز.
كما تأتي داخليا من حيث التوقيت بعد أيام قليلة من إعلان المجلس الدستوري الموريتاني عن قائمة من 7 مرشحين تم قبولها و إعتمادها لخوض الإستحقاق الرئاسي المرتقب ضمن موسم سباق إنتخابي رئاسي نحو القصر الرمادي لعام 2024 م .
قائمة انتخابية أستوفت كل الشروط المطلوبة حسب القائمين علي المجلس الدستوري يأتي علي رأسها مرشح النظام فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
نحو مأمورية ثانية يكفلها الدستور أطلق عليها ( مأمورية الشباب ) تشير كل القرائن و الدلائل و المعطيات الميدانية بأنها ستكون محسومة لصالحه
لتصدره المشهد السياسي من جهة و إلتفاف كل القوي التقليدية السياسية و النخبوية من حوله .
إضافة إلي دعم الحزب الحاكم و أحزاب الأغلبية له .
و في إطار ما تشهده المواسم الإنتخابية عادة من خروج مألوف علي الثوابت الوطنية و تعاط سياسي مبتذل بدوافع و مصالح ضيقة .
و ما يفرزه المشهد الوطني أيضا من تكتلات سياسية قائمة بحد ذاتها،
تشكل نواة دعم لكل النشاطات و اللقاءات المتكررة و المؤتمرات الحاشدة والمبادرات و المنسقيات الداعمة للنظام و التي كثيرا ما يطغي عليها البعد الفئوي و القبلي و الجهوي .
ممارسات سياسية دأب عليها المجتمع الموريتاني منذ العهد الديمقراطي .
أسست تاريخيا لمرحلة من التفنن في النفاق السياسي و المحاباة و التطبيل و الإحتيال و الولاء الزائف ، قلص دور الأحزاب و قوض مفهوم الدولة و أعاق تنمية البلاد في كل المجالات.
ساهم في تكريس القبيلة و ترسيخ البعد الجهوي علي حساب المصلحة العام و الولاء التام للوطن .
قد لا يكون مبالغا به القول إن المعارضة منقسمة علي نفسها و أنها عمليا عبارة عن معارضات لا معارضة واحدة
في ظل إرتماء معظم قادة المعارضة التقليدية في أحضان النظام و غياب منافس قوي .
و فشل أطراف المعارضة الأخري في دخول المعترك الإنتخابي بمرشح موحد .
مع أن بعضها داخل المشهد السياسي الوطني يمني النفس بخلق مفاجأة كبيرة علي مستوي النتائج إن لم يكن من باب الدعاية الإنتخابية المفرطة .
صحيح أن ما قيم به أمنيا من قمع مفرط و تنكيل بالمواطن يسيئ لسمعة البلد أستهدف متظاهرين أثناء وقفات إحتجاجية نقابية مسالمة ،
من فئة الأساتذة و المعلمين و الأطباء و الممرضين .
طالبت فيها بزيادة الرواتب و العلاوات و توسيع دائرة الإكتتاب و التوظيف في ظل انتشار البطالة و إتساع هجرة الشباب و في خضم أزمة غلاء معيشة مؤثرة و نقص ملاحظ في الخدمات الأساسية بإعتراف ضمني من رئيس الجمهورية نفسه علي هامش زيارته الأخيرة للعاصمة الإقتصادية انواذيب و علي وقع العجز الحاصل في الخدمات أنذاك .
حينما أعرب عن أسفه لإستمرار الحديث عن وجود نقص في المياه و الكهرباء .
متعهدا بتوفيرها بالكم المطلوب في القريب العاجل.
مستوي من القمع مثير للإستغراب و الإستياء خاصة في دولة القانون والحريات و يدعو إلي التساؤل عن الدوافع و الأسباب ؟!
في الوقت الذي تم فيه خصم أجزاء كبيرة من علاوات الأساتذة و المعلمين المعدومة في الأصل و حرمانهم من حق الزيادة .
تتحدث أخبار في الجانب الآخر من نفس البرزخ عن زيادات كبيرة و معتبرة تراوحت ما بين ( 1.5مليون و 500000 ألف ) أوقية قديمة ، منحت للولاة و الحكام دون عناء .
رغم الفوارق في المهام و المتاعب و التباين الكبير في الرواتب و مستوي المعيشة.
أي مفارقة إذن ؟ عن أي إنصاف نتحدث ؟
خطوات إرتجالية أساءت للنظام لا تخدم المرحلة إطلاقا قد تلقي بظلالها علي المشهد الإنتخابي .
و في سياق إفريقي أعم تأتي هذه الذكري في ظروف إقتصادية و سياسية خاصة و تحديات أمنية و مناخية تشهدها القارة علي نحو غير مسبوق وفي وقت عاني فيه العالم من تداعيات تراجع معدلات النمو الإقتصادي صاحبها إرتفاع في التضخم أثر بدوره علي القارة الإفريقية .
حيث لا شك ان معظم الأزمات التي تعاني منها افريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية
وغياب القيادة الصالحة بالإضافة الي سوء إدارة الدولة وتراكم الفساد وهشاشة المنظومة الصحية و فشل نظام التعليم وارتفاع المديونية والصراع الطائفي و العرقي....الخ
مما ساهم في عدم تحقيق غايات التنمية المنشودة .
إن السياسات الخاطئة والظالمة للمجتمع الدولي و الحكومات الغربية اتجاه حكومات وشعوب القارة الإفريقية المبنية علي منطق دول مانحة وأخري مستفيدة في ظل صراع مصالح محتدم بين القوي الإقتصادية العالمية في القارة ،هي التي زادت من تفاقم و تفشي الفساد وتردي الأوضاع.
وفتح الباب امام الإهتمام المتزايد بالقارة الإفريقية لكل من الصين وروسيا و تركيا و ايران وعودة النفوذ الجيوسياسي العالمي .
تعتبر إفريقيا محط طموحات يمكن ان تختار شركائها بنفسها طبقا لما يلائم مصالحها و توجهاتها في ظل مجموعة من المتغيرات يجب ان تشكل قطيعة تامة مع ممارسات الماضي الخاطئة وسياساته المؤلمة.
فحكومات وشعوب القارة اليوم ينبغي أن تتطلع أكثر من أي وقت مضي إلي شراكة واسعة مع مختلف القوي الإقتصادية العالمية قائمة علي الثقة المتبادلة و الفهم الواضح للمصالح المشتركة عبر رؤي واستراتيجية شاملة للإستثمار تؤسس لعلاقة اقتصادية قوية واستقرار دائم من خلال المحاور والآليات التالية : ‐
1 - سعي القوي الإقتصادية العالمية الجاد الي دعم وايجاد الحلول الناجعة للنزاعات و الحروب الأهلية الإفريقية كخطوة أولي نحو الإستقرار.
2 ‐ العمل علي صناعة وإشاعة ثقافة السلام و التسامح في إفريقيا.
3 - ضرورة تمسك دول القوي الإقتصادية العالمية بإحترام المبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد و دولة القانون و حماية حقوق الإنسان و الابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين .
4 - إلغاء المديونية و إطلاق حزمة استثمارات دولية إفريقية طموحة تعمل علي تحسين وتقوية إقتصاد بلدان القارة .
5 - توجيه الدعم ليلامس عمق المجتمع من خلال الدعم المباشر لتنمية محلية لها القابلية و القدرة علي خلق فرص عمل داخل الأوساط الهشة و امتصاص اكبر كم من البطالة كعامل استقرار سيحد من عمليات الهجرة غير شرعية وعدم تقوية و دعم الجريمة المنظمة بالعنصر البشري .
6 - عدم قبول منطقة الإتحاد الأوروبي ومناطق العالم ملاذا آمنا للتهرب الضريبي وغسيل الأموال وتهريب أموال الشعوب الإفريقية المنهوبة و المسروقة بإعتبار ان القوي الإقتصادية العالمية شريك وفاعل اقتصادي داخل القارة السمراء .
7 - التخلي تماما عن استباحة الأراضي الإفريقية بحجة الحرب علي الإرهاب والتطرف عبر انتشار قوات أمن خاصة و كبيرة ،
فحكومات المنطقة لها سياساتها الأمنية و آلياتها الرادعة في هذا المجال فأهل مكة أدري بشعابها.
8 - يجب ان يقتصر العمل في هذا الشأن علي تقديم الدعم اللوجستي المباشر والتكوين العسكري المستمر لأبناء القارة وتبادل المعلومات الإستخباراتية سبيلا في كسب الخبرة وضبط الأمور.
إن القارة الإفريقية اليوم تجد نفسها أمام تحاديات كبري جسام : -
أولها تداعيات الخروج من تبعات جائحة كورونا المتحورة التي شلت إقتصاد العالم كما شلت حركته .
بالإضافة إلي ما يشهده العالم من أزمات متكررة متباينة نتيجة تأثيرات و تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة و انعكاسها علي أسواق المحروقات و الحبوب .
كما تسببت في التراجع الكبير و النقص الملاحظ علي مستوي حجم الدعم الدولي و التمويلات و تجفيف منابعها و مصادرها مما كان له الأثر الضار المباشر علي الإقتصاد الإفريقي المشلول والمعدوم في الأصل.
إن الأوضاع المتسارعة و المتأزمة في ظل ما يشهده السودان الشقيق اليوم من صدام و حرب مستمرة وصراع قائم بين الجيش الوطني و مابات يعرف بقوات الدعم السريع مدفوع بهوس حب التملك و الرغبة في الإستحواذ علي السلطة من جانب واحد ، تغذيه جهات خارجية يعكس صورة فوتواغرافية لمستوي و هشاشة الوضع الأمني داخل دول القارة.
واقع ألقي بظلاله علي إستقرار و أمن السودان حيث تسبب هذا الإقتتال في مئات القتلي و الجرحى و تهجير و تشريد آلاف العائلات مما ضاعف من خطورة الوضع في ظل عجز بعض المنشآت الصحية عن العمل و عدم قدرة الجاهز منها علي إستيعاب المزيد من الجرحي و المصابين و المرضي .
مع تصاعد مستوي الإنفلات الأمني و فشل عدة محاولات لتحقيق الهدنة و عجز الملتزمين و الموقعين علي اتفاق جدة أنذاك لإحتواء الأزمة من خلال وقف إطلاق نار شامل و فتح ممرات إنسانية .
إن إستمرار الأزمة يقع علي كاهل طرفي النزاع و الجهات الخارجية الداعمة لكل طرف .
لذا ينبغي علي هؤلاء الأطراف جميعا تغليب المصلحة العامة علي الخاصة حرصا علي أمن وإستقرار السودان قبل أن يتحول إلي دولة فاشلة لا قدر الله.
بالإضافة إلي ضرورة تحرك المجتمع الدولي بالتنسيق مع الإتحاد الإفريقي ضمن مساعيه الحثيثة لوقف إطلاق النار و الدخول في مفاوضات جادة لدعم وتعزيز مساعي السلام و المحبة بين أبناء الشعب الواحد.
في المقابل عانت منطقة الساحل و الغرب الإفريقي هي الأخري منذ فترة من إضطرابات أمنية متلاحقة و عدم إستقرار سياسي خطير .
واقع شكل بئة خصبة و مناسبة للإطاحة بالأنظمة الديمقراطية المنتخبة و خاصة الموالية لفرنسا .
في ظل انتشار عدوي الإنقلابات داخل منطقة غرب إفريقيا و صعود نخبة عسكرية من الشباب معادية للغرب كان لها دور بارز في تشكيل تحالفات جديدة عقب موجة الإنقلابات التي شهدتها بعض دول المنطقة ، سرعان ما حظت بإجماع عسكري و علي تأييد شعبي واسع ، رغم إختلاف طبيعتها من إنقلاب نخبة عسكرية علي رئيس منتخب إلي إنقلاب نخبة عسكرية علي نفسها.
أزداد الوضع سوءا مع انتشار
المشاعر المعادية و الإحتجاجات الشعبية العنيفة ضد وجود فرنسا علي أرض إفريقيا ، و إتساع دائرة الإنتفاضة في وجهها علي المستوين الرسمي و الشعبي إقليميا .
إذ يلاحظ جليا أن أغلب الدول الناطقة بالفرنسية و المستعمرة سابقا تصنف اليوم من أكثر دول القارة الإفريقية فقرا و أقلها إستقرارا ، حيث مازال أكثرها يخضع لأنظمة سلطوية أو تعاقبت فيه إنقلابات عسكرية .
مقارنة بالدول الناطقة بالإنجليزية الأكثر إستقرارا و الأنجع إقتصادا .
وضع انعكس علي العلاقات جيوسياسية بالمزيد من التوتر في المواقف البينية من دول المنطقة اتجاه فرنسا لتبنيها سياسات و إستراتيجيات خاطئة ضد حكومات و شعوب مناطق نفوذها التاريخية مما أفقدها دورها الريادي و قلص من نفوذها لصالح قوي إقتصادية و عسكرية صاعدة كروسيا و الصين و تركيا و ايران ...الخ -
‐ الجارة الشرقية ( مالي ) : شهدت المناطق الحدودية مع مالي وضعا أمنيا مضطربا و خطيرا .
و فوضي عارمة نتيجة الصراع المسلح المستمر و غياب الدولة المركزية في بعض المناطق و فقدان السيطرة علي الأراضي و اتساع الصراع الدائر بين النظام مدعوما بقوات فاغنير الروسية و الجماعات الإرهابية من جهة و كذلك تحالف الفصائل و الحركات الإنفصالية الأزوادية المسلحة من جهة أخري .
يأتي دخول قوات فغنير علي خط الصراع المسلح داخل مالي في إطار التقارب الحاصل بين روسيا و قادة الإنقلاب العسكري الأخير في مالي .
كما يدخل في سياق السعي إلي تعزيز النفوذ الروسي و التموقع في مناطق إستراتيجية داخل هذه القارة الغنية بإمكانياتها الطاقية و ثرواتها الطبيعية الهائلة .
ضمن إطار إتفاق ثنائي تتقاضي بموجبه قوات فغنير الروسية مبلغ 11 مليون أيرو شهريا مقابل تدريب و مساعدة الجيش المالي في محاربة و مطاردة التنظيمات الإرهابية المتطرفة و صراعه مع الحركات الوطنية الإنفصالية و كتعويض أيضا لقوات برخان الفرنسية المنسحبة من الأراضي المالية إثر فشلها في حربها علي الإرهاب و تخلي و طرد السلطات المالية لها .
إلا أنها سرعان ما فشلت هي الأخري في توفير الأمن والإستقرار ميدانيا و إحداث الفارق عسكريا ، حيث لم تغير أو تحد من مستوي العنف والعنف المضاد ضمن مهامها داخل المناطق المالية.
بل أقتصر دورها في تمرير صفقات بيع أسلحة خدمة لآجندة روسية داخل إفريقيا مما قد يجعل من مالي أوكرانيا إفريقيا.
إذ يجمع كل المراقبين لشأن المنطقة أن قوات فغنير لاتنشط إلا في مناطق التوتر و النزاعات و الصراعات المسلحة .
و لا تتعاقد إلا مع الحكومات العسكرية الفاقدة للشرعية أو الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة.
كما أثبتت كل الوقائع الميدانية داخل مناطق تواجدها في العالم أنها هي التي أشعلت الفتن والصراعات في تلك الدول و زادت من انعدام الأمن والإستقرار فيها.
في ظل الإفلات من المساءلة القانونية مما تسبب في مقتل جنود و مدنيين محليين و القيام بانعدامات خارج الإطار القانون و انتهاك حقوق الساكنة المحلية و تقويض السيادة الوطنية بالإضافة إلي إستنزاف الخزينة العامة و تحويل الموارد الأساسية التي كان من الممكن إستخدامها لبناء قدرات القوات المسلحة الخاصة بتلك البلدان .
وفي سياق متصل لم تتردد موريتانيا حينها في اتخاذ موقف حياد اتجاه الصراع الدائر بين النظام مدعوما بقوات فغنير و الحركات الإنفصالية الأزوادية المالية
إلا أنها ظلت إلي جانب الشعب المالي من مواقع مختلفة و في حالات إنسانية و إجتماعية و إقتصادية متباينة .
بحكم عمق العلاقات الأخوية التاريخية و الروابط الإجتماعية و الدينية و الصلات الجغرافية و الثقافية و حسن الجوار .
حيث لعبت دورا بارزا في كسر الحصار الذي فرضته المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا علي الشعب المالي بسبب الإنقلاب العسكري انذاك .
و عدم قبولها محاصرة و تجويع الشعب المالي .
كما أبقت حدودها البرية و الجوية مفتوحة معها رغم المطالب الدولية بإغلاقها .
فيما تم إيصال البضائع و المواد الغذائية و المؤن و تصدير المنتوج المالي عبر الموانئ الموريتانية و في أحلك الظروف .
ففي ضوء تكرار حوادث استهداف الموريتانيين في الجانب المالي من الحدود أستدعت السلطات الموريتانية السفير المالي لديها .
مما اضطر سلطات مالي بالدفع حينها بوفد حكومي رفيع المستوي لإحتواء الموقف .
صحيح أن العلاقة بدأت تأخذ منعرجا جديدا و خطيرا في إطار ما قاله الجانب الموريتاني من أن مواطنيه يواجهون منذ بعض الوقت عمليات إغتيال و خطف مأساوية غير مقبولة .
بدوره أبدي النظام المالي في هذا الصدد استعداده فتح تحقيق شامل حول الموضوع و الدخول في اتفاق علي تسيير دوريات أمنية مشتركة في هذا الشريط الحدودي .
إذ تتشكل العلاقة بين السكان علي طول الحدود و تتميز بطابعها التجاري و الرعوي عبر الأسواق المتنقلة في الإتجاهين .
و التبادل التجاري علي مستوي الولايات الشرقية من موريتانيا .
كما توجد بعض الأسر الموريتانية التي لها نفوذ روحي قوي و أتباع كثر في مناطق الشريط الحدودي مع مالي .
في حين وصفت حادثة دخول قوات من الجيش المالي مصحوبة بعناصر من فغنير بالخطأ لقري و بلدات موريتانية و إثارة الرعب في نفوس المواطنين بالعمل الإجرامي المرفوض و المدان و بأسلوب مستفز أذكته قوات فغنير في محاولة يائسة لتصدير العنف إلي الأراضي الموريتانية .
لكن هيهات !
فالبقرة كما يقول المثل الشعبي أتم اتقول ولي ولي إلين أتقول راسي راسي .
إلا أن السلطات الموريتانية أختارت التريث و ضبط النفس و أظهرت عدم الرغبة في التصعيد من خلال تفادي الرد السريع و المناسب علي عملية الإقتحام الظالمة .
ففي سياق أعم قام الجيش الموريتاني بمناورات عسكرية واسعة علي مشارف الحدود مع مالي لنفض الغبار عن الآليات و المعدات العسكرية .
بهدف إيصال رسائل عبر الحدود ذات مضامين متعددة سياسية و عسكرية .
كما تم تعزيز الترسانة العسكرية و تزويد الجيش بقدرات جديدة و بكل المستلزمات الضرورية تحضيرا و إستعدادا لأي طارئ في ضوء ما يحدث من مستجدات ضمن خطة محكمة لطمأنة المواطن من جهة و رفع معنويات الجنود و إعادة الإنتشار و التموقع من جديد علي طول الشريط الحدودي بالشكل المنوط بتعزيز الدور الرقابي و ضبط الأمن عبر نقاط و مراكز العبور الحدودية و ضرورة التصدي لأي خطر أو تهديد أمني قادم في أي وقت و تحت أي ظرف كان .
كما حضر المناورات أيضا وزيرا الدفاع و الداخلية وبعض القادة العسكريين و الأمنيين ضمن جولة إضطلاع و تفقد لبعض المدن والقري الواقعة علي مشارف الحدود و لقاء الساكنة و التحسيس حول حجم المخاطر الأمنية القائمة و ضرورة أخذ الحيطة و اليقظة .
و التأكيد علي ما يوليه رئيس الجمهورية من إهتمام خاص لأمن المواطن أينما حل و أرتحل إضافة إلي أمن و إستقرار البلد .
و أن الجيش الوطني سيظل علي إستعداد تام للدفاع عن الحوزة الترابية و سيكون بالمرصاد لكل من تخول له نفسه المساس بأمن و إستقرار الوطن عن قصد .
هذا و قد زار انواكشوط مؤخرا وفد عسكري مالي رفيع المستوي يقوده القائد العام لأركان الجيش المالي لإحتواء تداعيات التوتر المستجد مع موريتانيا .
يأتي بعد زيارات مماثلة علي المستوي السياسي بين بعثات وزارية من الجانبين خلال الفترة الأخيرة.
ألتقي خلالها بالقائد العام لأركان الجيوش الموريتانية و وزير الدفاع
كما أتفق الجانبان علي ضرورة وضع آلية لتفادي الحوادث التي تكررت في الآونة الأخيرة و علي أهمية التفاهم حول إجراءات أمنية ملموسة تضمن عودة الهدوء و السكينة علي طول الشريط الحدودي .
هذا وقد أكد وزير الدفاع الموريتاني مؤخرا ضمن تصريح إعلامي صادر عنه أن السلطات المالية شرعت في وضع خطط محكمة لتجنب أي تجاوز محتمل داخل الإراض الموريتانية .
‐ قوة الساحل G5 : تأسس
تكتل دول الساحل سنة 2014 ضم حينها خمس دول هي موريتانيا، اتشاد ، مالي ، بوركينافاسو ، النيجر
بهدف مواجهة التحديات الأمنية و التنموية و الجماعات الإرهابية المتطرفة و الجريمة المنظمة في منطقة الساحل غرب إفريقيا .
لعبت موريتانيا دورا بارزا في قوة الساحل الضاربة علي المستوين السياسي و العسكري عبر العمل الدؤوب و التنسيق الجيد و السعي إلي تقارب وجهات النظر و الطرح بين قادة دول الساحل أنذاك حول ضرورة تبني سياسات أمنية مشتركة علي وقع المقاربة الأمنية الموريتانية لمحاربة الإرهاب التي لاقت إشادة دولية واسعة و كبيرة .
لما جسدته علي أرض الواقع من إستقرار أمني و سياسي .
مدعوما بتعزيز المنظومة العسكرية و جاهزيتها للتدخل في أي وقت و تحت أي ظرف .
في ظل ضبط محكم للحدود و منافذ العبور عبر إنشاء مناطق عسكرية معزولة متاخمة لطول حدود الصحراء الكبري الممر الرئيسي لتهديدات الإرهاب و الجريمة المنظمة .
مما ساهم إيجابا في الحد من وتيرة و مخاطر التهديدات الأمنية و انعكاساتها علي البلد .
لاشك أن التحولات التي شهدتها المنطقة مؤخرا إثر موجة الإنقلابات المتكررة عقب تولي المجالس العسكرية السلطة في كل من مالي و بوركينافاسو و النيجر ، و تراجع النفوذ الفرنسي .
هي أمور من بين أخري كان لها الأثر الكبير في تفكيك التحالف و تلاشي قوة الساحل G5 داخل المنطقة .
غداة قيام الثلاثي غرب إفريقي مالي ، بوركينافاسو ، النيجر بإنشاء حلف عسكري علي نقيض قوة الساحل G5 يستمد قوته من روسيا ردا علي تهديدات مجموعة الإيكواس بإستخدام القوة من جهة و محاولة لتقليص دور فرنسا داخل المنطقة .
مما انعكس إلي حد ما علي مستوي العلاقة البينية مع البلدين المتبقين من تكتل قوة الساحل G5 سابقا موريتانيا و اتشاد .
واللتان تربطهما علاقة دائمة و قوية بفرنسا .
‐ منطقة المغرب العربي الكبير : يعد المغرب العربي الكبير إمتدادا جغرافيا و تاريخيا لإفريقيا .
شكل تأريخيا حلقة وصل بين الشمال و الجنوب .
كما أن عموم دوله تدخل ضمن مناطق النفوذ الفرنسي ما عدي ليبيا .
واجهت تلك البلدان مشاكل سياسية جوهرية و صعوبات إقتصادية كبيرة و تحديات أمنية خطيرة أختلفت مظاهرها و حدتها من بلد إلي آخر .
مما حال دون الوصول إلي إندماج إقتصادي مشترك أو قيام إتحاد مغاربي متماسك و منسجم .
نتيجة لعوامل عدة و أسباب متباينة كالخلاف العميق و الحاد بين الجزائر و المغرب من جهة و المعيق لحلحلة قضية الصحراء الغربية الشائكة و العالقة منذ أمد بعيد .
وكذلك إكراهات الموقف الموريتاني الثابت من القضية الصحراوية و تباين المواقف الدولية اتجاه الجمهورية الصحراوية كامل العضوية في الإتحاد الإفريقي .
مما أربك الإنتقال الديمقراطي الذي شهدته منطقة.شمال إفريقيا علي العموم و المغرب العربي علي الخصوص .
و قد بدأ إنطلاق مسار التحول الديمقراطي في بعض البلدان المغاربية بعيد إندلاع الثورات العربية أو ما سمي أنذاك بالربيع العربي .
إلا أنه تسبب في فوضي عارمة و تعثر كبير نحو الإنتقال الديمقراطي الفعلي و إنعدام الإستقرار السياسي و الأمني و تراكم المشكلات الإقتصادية العامة منذ قيام الثورة مما أدي إلي المزيد من المتاعب الإقتصادية و الإحتقان السياسي خاصة بالنسبة لكل من تونس و ليبيا .
هذه الأخيرة التي اتسم الوضع فيها بحالة جمود و الدخول في مأزق سياسي تمثل في تقاسم السلطة من قبل ثلاث حكومات متعارضة بعضها مع بعض و متنازعة علي الشرعية .
و تشير كل المعطيات الميدانية إلي أن الإرهاب قد تراجع بشكل ملحوظ داخل منطقة المغرب العربي مؤخرا بما في ذلك ليبيا إلا أن الخطر لا يزال قائما .
لقد ساهم الوعي المتزايد لدي شعوب المنطقة في التحرر من قيود الماضي و التبعية العمياء لفرنسا .
مقابل رفض فرنسا المتكرر للإعتذار عن ماضيها الإستعماري السيئ و التعويض عن الأضرار و الخسائر و تصحيح الأوضاع الحقوقية و الإنسانية .
فالحضور الفرنسي في المجال الإفريقي الفرنكفوني ظل عسكريا أكثر منه إقتصاديا و ثقافيا ضمن مسار تحولي فرضه الوضع الدولي حينها تحت ظروف مسميات الحرب علي الإرهاب أو بأسماء متغيرة و مستعارة.
قبل أن تتغير المعادلة و تجد فرنسا نفسها كشخص غير مرغوب فيه
Persona non grata
داخل مناطق نفوذها التاريخية بمنطقة الساحل و غرب إفريقيا إن لم يكن بشمالها أيضا
كما أن تراجع اللغة الفرنسية هو انعكاس لتراجع مكانة و دور فرنسا و تأثيرها علي الدول المغاربية .
و إستمرار تباين العلاقات بين فرنسا من جهة و دول شمال إفريقيا و الساحل من جهة أخري .
بينما شكلت الإزدواجية الفرنسية في التعامل مع حكومات و شعوب المنطقة المغاربية مظهرا من مظاهر هذا التراجع من خلال وضع العراقيل و الصعوبات أمام مواطنيها عبر اتخاذ إجراءات و قرارات خدمت الإستهلاك السياسي الداخلي الفرنسي أكثر من العلاقات الثنائية و التاريخية بين حكومات و شعوب المنطقة و فرنسا .
صحيح أن النفوذ الفرنسي داخل مستعمراته الإفريقية يواجه تحديا كبيرا نتيجة أزمة ثقة تراكمية جعلت شعوب المنطقة تكره الوجود الفرنسي علي أراضيها و ترغب في القطيعة و ترفض كل أشكال التبعية و قبول الوصية .
علي غرار ما حصل في مالي و بوركينا فاسو و النيجر و صولا إلي دولة الغابون البلد الغني ذات الإرتباط القوي بفرنسا.
و تداعيات ما جري علي أمن و إستقرار منطقة الساحل الإفريقي .
تأسيسا لما سبق نجد أن الأنظمة الإفريقية لها قاسم واحد مشترك يتمثل في غياب الحكامة الرشيدة و تعثر الديمقراطية و عدم تحقيقها للتوقعات و النجاحات التي انتظرتها شعوب المنطقة .
إضافة إلي أفتقارها لأسباب عوامل الرعاية و التعزيز و هشاشة الإقتصاد و تفشي الفساد و انتشار البطالة و هجرة الشباب ...
حيث تتركز الثروات في يد فئات قليلة معينة دون غيرها سواء داخل النظام أو تلك التي تدور في فلكه .
بالإضافة إلي التحديات الأمنية و النزاعات الداخلية و الخارجية التي تضعف بنية الأنظمة و تستنزف الموارد الشحيحة في الأصل
مع عدم إحترام المواثيق الديمقراطية و الدساتير و لجوء كثير من الرؤساء الأفارقة المدنيين لتمديد فترات حكمهم أو تحايل بعضهم عبر تزوير نتائج الإنتخابات .
مما يغري العسكريين و يمنحهم مشروعية الإنقلابات .
إذ لاشك أن الإنقلاب آلية غير دستورية للإستيلاء علي السلطة .
إلا أنها تبقي الوسيلة الوحيدة المتاحة للتغيير داخل إفريقيا .
بالمقابل يجمع كل المحللين للشأن السياسي الإفريقي أن القناعة الراسخة و الوعي السياسي الحاصل إفريقيا و الرافض دستوريا لمأمورية رئاسية ثالثة علي مستوي بعض دول القارة و المحصن ديمقراطيا من عبث الخلود في السلطة هو مؤشر جيد لمستوي النضج نحو إشاعة ثقافة التناوب الديمقراطي السلمي و إحترام المضامين الدستورية.
لعل ذلك ما جسدته علي أرض الواقع الجارة الجنوبية السينغال بإجرائها إنتخابات رئاسية ديمقراطية نموذجية أثبتت من خلالها للعالم أن الشعوب قادرة علي التغيير السياسي و التداول السلمي علي السلطة بالأدوات السلمية و الديمقراطية الداخلية .
رغم كل ما يبدو من تحديات يبقي الأمل قائما من أجل مستقبل واعد لإفريقيا و غد أفضل و حياة كريمة لأبناء القارة في ضوء عوائد انتاج نفط و غاز مرتقبة و احتياطات كبيرة من الطاقة الأحفورية و استغلال مشاريعها في مجال الطاقة المتجددة الآخذة في التوسع مما سيعزز مسار التنمية الإقتصادية و يوفر مصادر العيش للملايين و يحد من هجرة الشباب و أصحاب الكفاءات .
بالإضافة إلي انعكاساته الإيجابية علي قطاعات الصحة و التعليم و ضخ المياه و تحليتها و إنتاج الكهرباء و الأغذية الزراعية و غيرها .
بالمختصر المفيد ما تحتاجه إفريقيا اليوم أكثر من أي وقت مضي هو ديمقراطية حقة و حكامة رشيدة تؤسس لمرحلة جديدة من التعايش السلمي و لقطيعة تامة مع ممارسات الماضي الخاطئة و تحدث نقلة نوعية لمسيرة التنمية داخل القارة .
حفظ الله إفريقيا من كل سوء و فتن