تحت رحمة سوق الخضروات في نواكشوط المعروف شعبيا بـ "سوق امسيد المغرب" التابع لمقاطعة الميناء في ولاية نواكشوط الجنوبية، يعيش من هم خارجه وتحت لهيب الشمس يعيش منهم داخله، فهو سوق بني على بعد أمتار قليلة من المسجد المغربي الذي بناه الملك المغربي الراحل الحسن الثاني.
عمر هذا السوق عقود من الزمن، وهو أكبر أسواق الخضروات في البلد ويكاد يكون الموزع الوحيد لها، عانى من أزمات متلاحقة وعصفت به موجات من غلاء الأسعار، بالإضافة إلى صراعات من نوع آخر كان السوق مسرحا لها، يكاد يكون مغيبا إعلاميا رغم حساسيته وحاجة المواطن له، وللعمالة الأجنبية وجودها فيه فحين تأتي إليه، الصورة المرتسمة غالبا هي:
أشخاص من مختلف الثقافات واللغات يتفقون على البحث عن لقمة العيش فالحياة هناك كد ونكد وكفاح، لا يهمهم كيف يمضي اليوم، المهم أنه مضى ،ليشرق الغد بملامحه المجهولة ليطل علي أولئك الذين أعياهم التعب وبؤس الحياة والبحث عن رغد العيش، الذي يبقي بالنسبة لهم حلما بعيد المنال، فيلجؤون إلي شارع هذا السوق بوصفه الملاذ الوحيد الذي يساعدهم في رحلة البحث عن خبز يقتاتون به أو قطعة نقود عل وعسى أن تنفعهم وهم يعيشون على الفتات.
في السوق بنايات هي مركز السوق الأصلي أما في الجانب الخاص بالخضروات وبالموزعين تحديدا، فالمكان هناك هو عبارة عن حائط مفتوح من الجهة المقابلة للرصيف ومليئة بالأخبية الصغيرة ما بين خشب وحبال.
يقول يربه ولد سيدي في تصريح لمندوبنا: "نحن كنا سابقا في أكواخ، إلى أن اقترح بعض التجار أن يجعلوا مكانها سوق واتفقوا مع ملاك القطع الأرضية أن يبنوا لهم سوق (العنكار) فكان لهم ذالك سنة 1996 م وعند ما استلم التجار البناء وجدوا أنه لم يتم علي المعايير المطلوبة أصلا لأنهم اتفقوا مع الملاك علي أن تكون البناية مهوات من الجهات الأربع وأقلهم جهتين فارتأوا أن يؤجروه علي أن يغيروه وذلك لعدم تحمل كمية كبيرة من الفواكه والخضار للضغط الحراري ليتم بعد ذلك إلقاء العملية مع التجار المستوردين.
مما أضطر الملاك إلى تأجيره للباعة أصحاب الطاولات محدودة الحجم، في حين لجأ التجار إلى القطعة الأرضية المقابلة بعد أن اتفقوا مع مالكها على أن يعيرهم إياها وهو ما حدث فعلا ليتم بعد فترة من ذلك تأجيرها لهم، مقابل مبلغ مالي وصل حدود المليوني أوقية قديمة موزعة على التجار كل يدفع نصيبه منها. لكن نظرا لازدياد أعداد التجار اضطررنا لاستئجار القطعة الأرضية الموالية".
فاطمة بنت أحمد لعبيد بائعة خضار تقول في تصريحها لمندوبنا: "في الحقيقة السنة الزراعية بالنسبة لبلدنا تنقسم إلي موسمين موسم تنتشر فيه الخضار المحلية وتغطي أثناءه كافة الحاجيات المتطلبة في السوق , بينما تقل في الموسم المتبقي من السنة مما يضطرنا إلى استيراد الخضار من الدول المجاورة مثل السينغال و المغرب"، فيما يقول محمد امبارك ولد اسعيد في تصريحه لمندوبنا: "مرت "مرصت امسيد المغرب" بأزمة اقتصادية ، كان السبب وراءها نقص المحصول الزراعي لدى المغرب وموريتانيا، حيث دخلت الأولى في أزمة بسبب الأمطار، إلا أنها كانت في تلك الفترة هي المنفذ الوحيد لنا، فأصبحنا نلجأ إليها".
وفي ظل الحراك التجاري الذي يشهده سوق "المغرب يبدو بأنه لم يكن على مستوي العمل التجاري المشروع فقط، بل هناك أحاديث عن أعمال خارجة على القانون، متمثلة في الصفقات التي تعقد من تحت الطاولة ومتخذة من جنح الظلام ستارا لها ولأهلها، فصرح مصدر في السوق -فضل عدم ذكر اسمه-، قائلا: "دخل السوق بعض المستوردين المغاربة في الفترة ما بين 2006و 2007 علي أنهم يصدرون الخضار والفواكه مثلهم مثلنا إلى أن تعقبتهم الجمارك و هم في طريقهم من العودة من المغرب، ووجدت معهم كميات معتبرة من الحشيش داخل أكياس مغطات بالصفائح ...علمنا بالأمر فأوصينا المداومين ليلا، بأن ينتبهوا لما يجري في السوق فلعل مرض الحشيش تسرب إلينا، وفعلا اكتشفوا سيارات صغيرة تأتي متأخرة و تشحن من تلك الكبيرة، وأعلمنا الشرطة بما يجري فوضعوا رقابة دائمة وسرية وأصبحوا كل يوم تقريبا يعثروا على كمية.
هناك باعة صغار، يجلسون أمام المحلات التجارية ويضعون بضائعهم الخفيفة أمامها، فسألناهم هل تؤجرون هذه الأماكن وبكم وهل تجنون من هذه البضاعة ما تستطيعون أن تدفعوا منه الأجر وتعيشوا؟ فقدموا إلينا رجلا يتحدث باسمهم يدعي "براهيم"، فقال إنهم يؤجرون أمام الدكان الواحد الذي تقدر مساحته 1.5م بمبلغ 15000أوقية ومساحة 2في 1 بمبلغ 18000أوقية وأنهم يجنون يوميا 7000أوقية للفرد الواحد، كما أنهم يدفعون المبلغ كل نهاية شهر والباقي يعيلون منه أسرهم ويدخرون شيئا للحاجة في الأوقات الصعبة.
"سوق امسيد المغرب"، ليست نشازا من مثيلاتها في نواكشوط، ففي كل منها تحكى قصص مشابهة وأزمات تأتى بين الفينة والأخرى فمنها ارتفاع للأسعار ومنها صراع مع الكبار ومنها خوارق للقانون ..من احتكار وتهريب وما خفى كان أعظم.