لاشك أن رمضان هو شهر مبارك و مناسبة رائعة للإلتزام بالعبادة و وسيلة مشروعة للتقرب إلي الله و تقوية الإيمان به و النيل من مرضاته.
و التصالح مع الذات و محاسبة النفس الأمارة و إحياء القلب و حفظ الجوارح و التركيز علي الجانب الروحي للحياة.
فإلي جانب تصحيح المسار الشخصي و التوجه نحو الله يشكل شهر رمضان فرصة كبيرة لتعزيز روح التآخ و التسامح بين الناس و إشاعة ثقافة التكافل و التآزر.
كما أنه مظهر عملي للمساواة الكاملة و إذابة الفوارق حيث أن الصيام يشترك فيه الغني و الفقير علي حد سواء في الشعور و الإحساس بالجوع طيلة فترة الصوم بشكل متساو.
فعلي العموم يشكل رمضان فرصة لترسيخ العديد من القيم الإنسانية الإسلامية العظيمة ينبغي اكتسابها و التحلي بها و غرسها في نفوس أبناء المجتمع.
بالإضافة إلي ما سبق فإن الصيام يمكن أن يساعد في السيطرة علي الشهوات الجسدية و النفسية و هو يعد بالتالي فرصة ثمينة للتحكم في النفس و تحسين القدرة علي التحمل والتحكم في الرغبات الشخصية و تعزيز الإرادة القوية لمواصلة السير علي الطريق الصحيح .
ما ميز رمضان قديما هو بساطة الحياة و تواضعها مع ضعف الوسائل و قلة الإمكانيات و قساوة الظروف .
رغم ذلك كله كان مجتمع أمس أكثر ألفة و محبة و تقاربا وتماسكا بين الأهل و الجيران .
فاللقمة رغم بساطتها كانت مشتركة بين الجميع .
لعل هذا ما زاد من الترابط الإجتماعي حينها .
فمائدة الإفطار كثيرا ما تقتصر في الغالب علي صنف واحد يعتمد المنتوج المحلي كا الحبوب و التمور و اللحوم و الألبان و غيرها .
فمن خصوصية هذا الشهر الكريم هو قيام الليل و صلاة التراويح و التهجد و الإكثار من قراءة القرآن وتدبر آياته.
سهرات ليلية تطبعها العفة و نقاء السريرة.
أما غوث الملهوث و المحتاج فتلك سمة ذلك الزمن الجميل لكنها الأميز في رمضان .
في حين أعتاد الموريتانيون قديما بالتزامن مع مواعيد الإفطار عبر أثير الإذاعة الوطنية قبل و بعيد ظهور الإعلام المرئي ( التلفزة الموريتانية )
الإستماع إلي أحاديث الإفطار بصوت فضيلة الشيخ محفوظ رحمه الله الذي ألفناها سنين خلت من خلال دعواته الرمضانية المأثورة : ( الحمدلله ، اللهم لك صمت و علي رزقك أفطرت فأغفرلي ما قدمت و ما أخرت .
ذهب الظمأ و ابلت العروق و ثبت الأجر إن شاء الله ، اللهم بك نمسي و بك نصبح وبك نحيا وبك نموت و إليك المصير .
اللهم رب السموات السبع و رب العرش العظيم ربنا و رب كل شئ منزل التوراة و الإنجيل و الفرقان .
فالق الحب و النوي أعوذ بك من شر كل شئ انت آخذ بتاصيته .
انت الأول فليس قبلك شئ و انت الآخر فليس بعدك شئ و انت الظاهر فليس فوقك شئ و أنت الباطن فليس دونك شئ .
أقضي عنا الدين و أغنينا من الفقر .
يا من لا تراه العيون و لا تخالطه الظنون و لا يصفه الواصفون و لا تغيره الحوادث و لايري الدوائر و يعلم مثاقيل الجبال و مكاييل البحار و عدد قطر الأمطار و عدد ورق الأشجار .
و عدد ما أظلم عليه الليل و أشرق عليه النهار .
و لا تواري منه سماء سماءا ولا أرض أرضا و لا بحر ما في قعره و لا جبل ما في وعره.
أجعل خير أعمالنا آخرها و خير أعمالنا خواتيمها و خير أيامنا يوم نلقاك فيه و انت راض عنا .) آمين .
نغتم فرصة هذا الشهر المبارك العظبم للدعاء له و الترحم علي روحه الطاهرة تثمينا لما قدمه من عمل صالح للبلاد و العباد .
أما عن رمضان الحاضر الذي لا يخلو من تعقيدات الحياة رغم الطفرة النوعية .
نجد أن الكثير من العادات و التقاليد قد اندثرت و تلاشت معها أكلات شعبية بسيطة كانت تتزين بها الموائد الرمضانية قديما .
لتحل معها اطباق عربية و إفريقية دخيلة علي المجتمع من قبيل المكسرات و الحلويات و المحاشي كالسنبوسة و البطبوط و اكريب و أصناف الشربة و الطاجنة و العصائر الحديثة ..... ألخ .
حيث أصبح التباهي بالمعروض أهم من اللمة و شعور الأنس بها .
فرمضان اليوم تبدلت فيه الأعراف و التقاليد في ضوء تحولات إجتماعية كبري شهدها المجتمع نتيجة لعولمة عارمة أكتسحت العالم و غزت البيوت و أستباحت الأعراض و الخصوصيات و تراجعت معها القيم و الثوابت الدينية و الوطنية .
في انتظار طمأنينة مفقودة يبحث عنها الجميع في زمن أمتلأ بالخوف من المجهول . من مخاطر التواطؤ مع الإتحاد الأوروبي الماكر في إطار اتفاق شراكة مريب بشأن و خصوص مهاجرين أفارقة غير شرعيين و احتمال فرضية ايوائهم و توطينهم مما حرك و أثار غضب الشارع الموريتاني لما يشكل ذلك من خطر علي الأمن القومي الوطني.
رغم التطمينات التي أرسلتها السلطات.
و مضامين البيان الختامي الصادر اليوم عقب الإحتماع الموسع بين الطرف الموريتاني و الأوروبي في انواكشوط الذي تطرق لمجالات إقتصادية دبلوماسية أمنية كما شمل قضايا الهجرة غير شرعية نحو أوروبا .
إضافة إلي تصريحات وزير الإقتصاد التي تؤكد أن موريتانيا لن تتحول إطلاقا إلي وطن بديل للمهاجرين غير النظاميين .
بينما يظل الخوف قائما في ظل ما تشهده الساحة الوطنية عبر وسائل التواصل الإجتماعي ( الإعلام البديل ) و الملاذ الآمن للتطرف من تنامي خطابات الكراهية و العنصرية و التحريض علي العنف و إثارة النعرات و التطاول علي هيبة الدولة و السب و النيل من أعراض الآخرين وصل لدرجة الإحتكام إلي العدالة في ظل التشهير و التلاسن وتبادل الشتائم بين بعض أطراف قادة الرأي السياسي المعارض عبر المنابر الإعلامية و داخل الدوائر الحكومية و أمام الشركاء الدوليين
إذ يجمع بعض المراقبين للشان الوطني أن هذا التوجه العنصري مرده هامش الحريةالحاصل علي مستوي التسامح و التساهل و التراخي في تطبيق القانون .
إضافة إلي عجز و فشل دعاة الفتن في المتاجرة بالقضايا الوطنية .
فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها .
في حين يأتي الخوف دائما من اتساع دائرة الفساد و تدوير المفسدين و الإفلات من المساءلة و العقاب و تكريس النفاق السياسي و تقويض مفهوم الدولة
حيث أن ظاهرة التملق السياسي و التمظهر بولاءات كاذبة تؤدي إلي انعدام تكافؤ الفرص و تقتل روح المبادرة الجادة لدي الأفراد وتدمر النسق الإجتماعي و تفككه الي أشلال و تساهم في انتشار الجهل وسيادة الأحقاد والضغائن في ظل انهيار القيم و انحطاط الكرامة الإنسانية.
كما أن النفاق و التملق في أقصي تجلياته يولد جيلا فاسدا مخادعا لا يدرك وظيفته التفاعلية داخل وسطه الإجتماعي و يكرس لإنهيار العدل ويرسخ ثقافة الفساد .
في إطار المعالجة ينبغي وضع ضوابط تؤسس لقطيعة تامة مع هكذا ممارسات و تساعد علي الإرتقاء بالنفس والنأي بها عن ما من شأنه ان يأتي لها بالذل و الهوان .
بالإضافة الي تفعيل دور النخب الوطنية لما يترتب علي ذلك من ضرورة لنشر ثقافة التسامح و التآخي و التعايش السلمي و إشاعة مكارم الأخلاق ضمانا لأمن وإستقرار البلاد و العباد .
بالمقابل تشهد الأسواق الموريتانية قبيل رمضان علي غرار ما يحصل في دول العالم الإسلامي حراكا شعبيا كبيرا و إقبالا واسعا علي شراء المواد الأساسية الضرورية لمائدة الإفطار و هذا يشكل في حد ذاته تحديا للمواطن الفقير الذي يعاني في الأصل من عدم القدرة علي تحمل تكاليف هذه المواد في ظل ارتفاع الأسعار و استمرار المضاربة و الإحتكار داخل الأسواق و غياب الرقابة و الضوابط و انعدام الوازع الديني و الوطني و الأخلاقي لدي بعض التجار و خاصة في موسم رمضان.
فلا صوت يعلو هذه الأيام فوق صوت أسعار البطاطس و البصل و الحليب و و و... حيث و صلت لأسعار خيالية .
و هي بالمناسبة مواد استهلاكية من بين أخري يتقاطع فيها كل الموريتانيين الفقير عديم الدخل و الغني المتخم بالمال.
رمضان كريم