أثار الإتفاق المبرم بين الإتحاد الأوروبي و موريتانيا و المنتظر أن يتم توقيعه بشكل رسمي 7 مارس المقبل - جدلا وطنيا واسعا و قلقا شعبيا كبيرا بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية عبر تشييد مناطق إيواء لمهاجرين أفارقة و منعهم من العبور نحو أوروبا مقابل حزمة مساعدات مالية .
الشئ الذي نفته السلطات العمومية علي لسان الأمين العام لوزارة الداخلية السيد محفوظ ولد ابراهيم .
حيث قال إن الحكومة لم و لن تقبل و لم تناقش أصلا أي موضوع يتعلق بإستضافة موريتانيا لمهاجرين أجانب يتم ترحيلهم إليها من اسبانيا أو أي بلد أوروبي.
ما هو أكيد أن وصول وفد اوروبي رفيع المستوي و بهذا الحجم إلي العاصمة انواكشوط .
ضم كل من رئيس حكومة اسبانيا السيد بيدرو سانشيز و رئيسة المفوضية الأوروبية السيدة اورسولافون ديرلاين .
لم يأت من فراغ و إنما هو لحاجة في نفس يعقوب .
كشف عن أسرارها اللقاء المشترك بين رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني و ضيوفه الأوروبيين.
حينما تطرق لجهود موريتانيا و سبل دعمها للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلي أوروبا.
لاشك أن أوروبا ماضية في طرد المهاجرين الأفارقة إلي خارج أراضيها مهما كلفها الثمن
إذ يعلق الإتحاد الأوروبي آمالا كبيرة علي المفاوضات الجارية مع سلطات وحكومات دول المغرب العربي الواجهة الإفريقية المطلة علي أوروبا و المعبر الرئيسي للهجرة غير الشرعية نحوها .
و خاصة مع الجانب الموريتاني عبر دفع ما تدعيه أوروبا من شراكة إقتصادية و أمنية و استثمارات كبري نحو مزيد من التعزيز.
لكن يظل من الواضح جدا أن إرساء مراكز إيواء مهاجرين أو تشييد ملاجئ هو الهدف المنشود في الوقت الراهن و المقصد الأوروبي الأكثر إلحاحا في خضم هذه الزيارة.
في ظل تجاهل التناقض الحاصل الذي تعيشه و تفرزه منظومة القيم الغربية .
بين ما تدعيه من إلتزام و إحترام لحقوق الإنسان و ما تقترفه في حق شعوب إفريقيا من جرائم ضد الإنسانية.
في حين يري بعض المراقبين للشأن الداخلي أن هذا الحراك الأوروبي جاء نتيجة لعوامل عدة لعل من أبرزها تراخي و تساهل السلطات الموريتانية خلال الآونة الأخيرة في كبح جماح تدفق المهاجرين الأفارقة عبر أراضيها إلي أوروبا.
في غياب الدعم اللوجستي الضروري في هكذا ظروف .
و الضغط من جهة علي الإتحاد الأوروبي للدفع بالمزيد من التمويلات و الإستثمارات و توفير وسائل منوطة بتشييد مناطق إيواء للمهاجرين المتسللين من إفريقيا علي طول الحدود مع السينغال و في اتجاه الجارة مالي و قطع الطريق أمام عبورهم نحو أوروبا .
و ما قد يترتب علي ذلك في حالات المضايقة أو الإهانة من تأثيرات و تداعيات علي وضع الجالية الموريتانية الواسعة والحاضرة و المقيمة في مختلف بلدان إفريقيا إنطلاقا من مبدأ المعاملة بالمثل .
خاصة في ظل رئاسة موريتانيا للإتحاد الإفريقي و ما تتطلب من تريث و رؤية شمولية.
و إن كان البعض يري أن الدولة الموريتانية ينبغي أن لا تقبل ان يقيم علي أرضها إلا من يحترم قوانينها كما يجب أن لا تقبل أن تكون منطقة عبور غير شرعية أو أرضا لتوطين المهاجرين الأفارقة المطرودين من أوروبا أو المتسللين الوافدين من إفريقيا.
و أن لا تكون حارسة إلا لحدودها .
فالحكومة الموريتانية ليست معنية بأمن أوروبا بقدر ما هي معنية و مسؤولة عن أمن وإستقرار مواطنيها قي مختلف المجالات .
فمن المفارقة أن تهتم الحكومة بشأن الهجرة المعاكسة للشباب الإفريقي القادم من أوروبا أو الوافد من إفريقيا في حين تتناسي و تتجاهل أسباب و تداعيات هجرة الشباب الموريتاني المطردة رغم المخاطر نحو الولايات المتحدة الآمريكية بحثا عن غد أفضل و حياة كريمة .
و ما سيكون لذلك في الإتجاهين من تبعات و تأثير مباشر يتعلق بالتغيير الديمغرافي للتركيبة السكانية للمجتمع و علي مستوي القيم و الثوابت الدينية و الأخلاقية و الوطنية.
إضافة إلي تفاقم البطالة و تردي الأوضاع الإقتصادية .
تأسيسا لما سبق فإن معظم الأزمات التي تعاني منها إفريقيا اليوم بما فيها تلك المتعلقة بالهجرة غير شرعية .
ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية و غياب القيادة الصالحة .
بالإضافة إلي سوء إدارة الدولة و تفشي الفساد .
و السياسات الخاطئة و الظالمة للحكومات الغربية اتجاه حكومات و شعوب إفريقيا.
و المبنية علي منطق دول مانحة و أخري مستفيدة .
في ظل تغيير جيو سياسي يتطلب إعادة و مراجعة الإتحاد الأوروبي لمواقفه و بناء سياساته و تقييم علاقاته مع دول القارة السمراء علي أسس قوية و علاقة موازنة يطبعها الإحترام و المصالح المشتركة المتبادلة .
و أمام فشل الإستراتيجية الأمنية الأوروبية في المنطقة خاصة فرنسا و حلفائها .
بالمقابل نجد أن أهم دوافع و اسباب الهجرة غير شرعية القائمة في إفريقيا هي : -
النزاعات والحروب الأهلية و الإرهاب و عدم الإستقرار و ضعف الدولة المركزية و سوء التسيير و التدبير و التبعية العمياء لإملاءات الخارج و تفاقم الأوضاع و الأزمات .
إضافة إلي عدم انعكاس الدعم المالي و مساعدات الدول المانحة علي الواقع المعاش للساكنة .
إن حكومات و شعوب القارة الإفريقية اليوم في ظل رئاسة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للإتحاد الإفريقي ينبغي أن تتطلع أكثر من أي وقت مضي إلي شراكة واسعة مع الإتحاد الأوروبي قائمة علي الثقة و الفهم الواضح للمصالح المشتركة عبر رؤي و استراتيجية شاملة للإستثمار ستؤسس لعلاقة إقتصادية قوية و استقرار دائم و ستحد و تقلل من شأن الهجرة غير شرعية و ذلك من خلال المحاور و الآليات التالية : -
1 - سعي الإتحاد الأوروبي الجاد في دعم و ايجاد الحلول الناجعة للنزاعات و الحروب الأهلية الإفريقية كخطوة أولي نحو الإستقرار .
2 - العمل علي صناعة و إشاعة السلام و التسامح في إفريقيا .
3 ‐ ضرورة تمسك الإتحاد الأوروبي بإحترام المبادئ الديمقراطية و الحكم الرشيد و دولة القانون و حماية حقوق الإنسان .
و العزوف و الإبتعاد عن سياسةالكيل بمكيالين .
4 - إطلاق حزمة إستثمارات أوروبية إفريقية طموحة تعمل علي تحسين و تقوية بلدان القارة .
5 - توجيه الدعم ليلامس عمق المجتمع من خلال تنمية محلية لها القابلية علي خلق فرص عمل داخل الأوساط الهشة و امتصاص أكبر كم من البطالة كعامل إستقرار سيحد و يقلص من عمليات الهجرة غير شرعية .
6 - عدم قبول منطقة الإتحاد الأوروبي ملاذا آمنا للتهرب الضريبي و غسيل الأموال.
بإعتبار أن الإتحاد الأوروبي شريك و فاعل إقتصادي داخل القارة السمراء .
7 ‐ التخلي تماما عن استباحة الأراضي الإفريقية تحت مسميات واهية بحجة الحرب علي الإرهاب عبر انتشار قوات أمن خاصة و كبيرة .
أمور من بين أخري ينبغي أن تحدد مسار المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي و الموقف الإيجابي إتجاه قضايا و مآسي و أزمات ماما إفريقيا .
بغية إيجاد حلول مشتركة مناسبة و فعالة لإيقاف تدفق المهاجرين أو الحد من هجرة غير شرعية منتشرة في كل الإتحاهات بشكل و صور وأنماط أكثر مما تتخيل .
فمتي يتغلب منطق المواطنة الصالحة المخلصة الدائم علي تراهات المصالح الضيقة ؟!
حفظ الله موريتانيا.