تتجه الأنظار صوب العاصمة الإثيوبية اديسابابا المقر الرئيسي للإتحاد الإفريقي .
مع بدء انطلاق و انعقاد القمة السابعة و الثلاثين لرؤساء دول الإتحاد الإفريقي و التي من المقرر أن تشهد الإعلان عن تسمية رئيس جديد للإتحاد الإفريقي خلفا لرئيس جمهورية جزر القمر غزالي عثماني المنتهية ولايته .
في ظل جملة من التحديات الكبري التي تواجه أمن وإستقرار القارة السمراء.
حيث توحي كل الدلائل و المؤشرات بأن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني هو المرشح الأوفر حظا لرئاسة الإتحاد خلال المرحلة القادمة .
بحكم ما يتمتع به من حكمة و رؤية واسعة و ما يمتلك من قدرة علي التعامل مع القضايا الشائكة المطروحة إفريقيا .
إضافة إلي ما نسج من علاقات جيدة علي المستوين القاري و مع شركاء القارة الدوليين .
الشئ الذي كرسه و جسدته النجاحات الكبيرة و المتكررة للدبلوماسبة الموريتانية و التي سيكون من شأن نتائجه الإيجابية دبلوماسيا تولي موريتانيا للمرة الثانية رئاسة الإتحاد الإفريقي في ظرف وجيز .
يأتي انعقاد هذه الدورة وسط إجماع من الدول الأعضاء في إقليم الشمال الإفريقي علي اختيار موريتانيا لتمثيل الإقليم كرئيسة دورية للإتحاد الإفريقي سنة 2024 م .
و ذلك بالتزامن مع نهاية المأمورية الأولي لرئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني علي رأس السلطة في موريتانيا .
و في ظل رفضه الإفصاح عن نواياه بخصوص الترشح لعهدة رئاسية ثانية رغم المطالب الملحة لحزب الإنصاف الحاكم و أحزاب الأغلبية و الكتل الداعمة و إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية المقررة في يونيو Juin المقبل .
مع ارتفاع أصوات أحزاب معارضة تطالب بقطع الطريق و محاولة منع الترشح لولاية ثانية يكفلها الدستور .
يري بعض المحللين بأنه أمر غير وارد إطلاقا دستوريا و لا ديمقراطيا .
بقدر ما هو تشويش و استباق للأحداث و حراك خجول من أحزاب معارضة باتت تتصدع يوما بعد يوم بزعامة حزب تواصل ذات التوجه الإسلامي و الذي شهد هو الآخر انسحابات واسعة لبعض قادته و ارتمائهم في أحضان النظام مما كان له الأثر الكبير في تراجع شعبيته داخل المشهد الوطني خلال الإنتخابات الأخيرة.
وفي سياق متصل يري بعض المراقبين للشأن الإفريقي أن رئاسة موريتانيا للإتحاد الإفريقي للمرة الثانية تأتي في ظل ظروف اقتصادية و سياسية خاصة و تحديات أمنية و مناخية تشهدها القارة علي نحو غير مسبوق .
وفي سياق تداعيات و تبعات عدوي الإنقلابات العسكرية و الإطاحة بالأنظمة العسكرية و المدنية المنتخبة داخل مناطق النفوذ الفرنسي .
في وقت يعاني فيه العالم من تراجع معدلات نمو إقتصادي يصاحبها إرتفاع في التضخم مما أثر بدوره علي القارة الإفريقية .
حيث لا شك ان معظم الأزمات التي تعاني منها افريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الإستعمارية
وغياب القيادة الصالحة بالإضافة الي سوء إدارة الدولة وتراكم الفساد وهشاشة المنظومة الصحية و فشل نظام التعليم وارتفاع المديونية والصراع الطائفي و العرقي....الخ
مما ساهم في عدم تحقيق غايات التنمية المنشودة .
إن السياسات الخاطئة والظالمة للمجتمع الدولي و الحكومات الغربية اتجاه حكومات وشعوب القارة الأفريقية المبنية علي منطق دول مانحة واخري مستفيدة في ظل صراع المصالح المحتدم بين القوي الإقتصادية العالمية في القارة ،هي التي زادت من تفاقم و تفشي الفساد وتردي الأوضاع.
وفتح الباب امام الاهتمام المتزايد بالقارة الأفريقية لكل من الصين وروسيا و تركيا وعودة النفوذ الجيوسياسي العالمي .
تعتبر افريقيا محط طموحات يمكن ان تختار شركائها بنفسها طبقا لما يلائم مصالحها و توجهاتها في ظل مجموعة من المتغيرات يجب ان تشكل قطيعة تامة مع ممارسات الماضي وسياساته المؤلمة.
فحكومات وشعوب القارة اليوم ينبغي أن تتطلع اكثر من اي وقت مضي الي شراكة واسعة مع مختلف القوي الاقتصادية العالمية قائمة علي الثقة المتبادلة و الفهم الواضح للمصالح المشتركة عبر رؤي واسترتيجية شاملة للإستثمار تؤسس لعلاقة اقتصادية قوية واستقرار دائم من خلال المحاور والآليات التالية : ‐
1 - سعي القوي الاقتصادية العالمية الجاد الي دعم وايجاد الحلول الناجعة للنزاعات و الحروب الأهلية الإفريقية كخطوة أولي نحو الإستقرار.
2 ‐ العمل علي صناعة واشاعة ثقافة السلام و التسامح في إفريقيا.
3 - ضرورة تمسك دول القوي الاقتصادية العالمية باحترام المبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد و دولة القانون و حماية حقوق الإنسان و الابتعاد عن سياسة الكيل بمكيالين
4 - الغاء المديونية و إطلاق حزمة استثمارات دولية أفريقية طموحة تعمل علي تحسين وتقوية اقتصاد بلدان القارة .
5 - توجيه الدعم ليلامس عمق المجتمع من خلال الدعم المباشر لتنمية محلية لها القابلية لخلق فرص عمل في الأوساط الهشة و امتصاص اكبر كم من البطالة كعامل استقرار سيحد من عمليات الهجرة غير شرعية وعدم تقوية و دعم الجريمة المنظمة بالعنصر البشري .
6 - عدم قبول منطقة الاتحاد الأوروبي ومناطق العالم ملاذ آمن من التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتهريب أموال الشعوب الأفريقية المسروقة باعتبار ان القوي الاقتصادية العالمية شريك وفاعل اقتصادي داخل القارة السمراء .
7 - التخلي تماما عن استباحة الاراضي الأفريقية بحجة الحرب علي الإرهاب والتطرف عبر انتشار قوات أمن خاصةوكبيرة
فحكومات المنطقة لها سياساتها الأمنية و آلياتها الرادعة في هذا المجال فأهل مكة أدري بشعابها.
8 - يجب ان يقتصر العمل في هذا الشأن علي تقديم الدعم اللوجستي المباشر والتكوين العسكري المستمر لابناء القارة وتبادل المعلومات الاستخباراتية سبيلا في كسب الخبرة وضبط الأمور.
في حين نجد أن الأنظمة الإفريقية لها قاسم مشترك واحد يتمثل في غياب الحكامة الرشيدة و تعثر الديمقراطية و عدم تحقيقها للتوقعات والنجاحات التي انتظرتها شعوب المنطقة
إضافة إلي إفتقارها لأسباب عوامل الرعاية و التعزيز و هشاشة الإقتصاد و تفشي الفساد
و انتشار البطالة و هجرة الشباب حيث تتركز الثروات في يد فئات معينة سواء داخل النظام أو التي تدور في فلكه .
بالإضافة إلي التحديات الأمنية و النزاعات الداخلية و الخارجية التي تضعف بنية الأنظمة و تستنزف الموارد الشحيحة في الأصل .
مع عدم احترام المواثيق الديمقراطية و الدساتير
و لجوء كثير من الرؤساء الأفارقة المدنيين لتمديد فترات حكمهم أو تحايل بعضهم عبر تزوير نتائج الإنتخابات مما يغري العسكريين و يمنحهم مشروعية الإنقلابات
إذ لا شك أن الإنقلاب آلية غير دستورية للإستيلاء علي السلطة .
لكنها الوسيلة الوحيدة للتغيير المتاحة إفريقيا
بينما يشير بعض المحللين إلي أن أكبر تحد سيواجهه رئيس الإتحاد الجديد هو الوضع الأمني غير مستقر و المضطرب إقليميا في ظل تهديدات الإرهاب داخل منطقة الساحل الإفريقي و خاصة ما يجري في مالي و بوركينافاسو.و النيجر .
و ما صاحب ذلك من قطيعة تامة مع النظام الفرنسي و طرد قواته و استبدالها بقوات فغنير المرتزقة الروسية.
و التلويح بقيام تحالف جديد نحو وحدة إقليمية يضم الدول الآنفة الذكر المغاضبة .
بغية تحقيق إستقرار و تنمية داخل منطقة الساحل .
خارج إطار تكتل مجموعة دول الساحل الخمس القديم G5 و الذي يوجد مقره بانواكشوط و الذي بات شبه منتهي الصلاحية في انتظار تصفية أو حلول سحرية قادمة لتجاوز الخلافات القائمة بين أعضاء المجموعة ولم الشمل وتقارب وجهات النظر و الطرح بين قادة دول الساحل حول ضرورة إرساء و تبني سياسات أمنية مشتركة قوية تخدم مصالح و أمن واستقرار حكومات وشعوب المنطقة .
و تمكن القوة المشتركة لدول الساحل من القيام بالدور المناسب و المنوط بها كتكملة اساسية لجهود بناء السلام وإضفاء الشرعية الدولية علي كل تحركاتها اقليميا و تقديم كل الدعم العسكري و اللوجستي لها ورصد كل التمويلات الضرورية للقيام بمهامها في ظل تحديات أمنية خطيرة قائمة داخل المحيط الإقليمي لدول الساحل كالتطرف والإرهاب والجريمة المنظمة ....الخ .
علي ضوء المقاربة الأمنية الموريتانية و ما كرسته من استقرار أمني وسياسي مدعوما بتعزيز المنظومة العسكرية وجاهزيتها للتدخل في اي وقت وتحت اي ظرف كان .
في ظل ضبط محكم للحدود ومنافذ العبور عبر انشاء مناطق عسكرية معزولة متاخمة لطول حدود الصحراء الكبري الممر الرئيسي لتهديدات الإرهاب و الجريمة المنظمة مما ساهم ايجابا في الحد من و تيرة و مخاطر
التهديدات الأمنية وانعكاساتها علي البلد .
إننا في محيط إقليمي ودولي نؤثر كما نتأثر.
إن القارة الافريقية اليوم تجد نفسها أمام تحاديات كبري جسام : -
أولها تداعيات الخروج من تبعات جائحة كورونا المتحورة التي شلت اقتصاد العالم كما شلت حركته .
بالإضافة إلي ما يشهده العالم من أزمات متكررة متباينة نتيجة تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة و انعكاسها علي أسواق المحروقات والحبوب .
كما تسببت في التراجع الكبير و النقص الملحوظ علي مستوي حجم الدعم الدولي و التمويلات و تجفيف منابعها و مصادرها مما كان له الأثر الضار المباشر علي الإقتصاد الإفريقي المشلول والمعدوم في الأصل.
إن الأوضاع المتسارعة و المتأزمة التي شهدها السودان الشقيق مؤخرا في ظل الصدام الحالي والصراع القائم بين الجيش الوطني و مابات يعرف بقوات الدعم السريع تغذيه جهات خارجية تعكس صورة فوتواغرافية لمستوي و هشاشة الوضع الأمني داخل دول القارة.
واقع ألقي بظلاله علي إستقرار و أمن السودان حيث تسبب هذا الإقتتال في مئات القتلي و الجرحى و تهجير و تشريد آلاف العائلات مما ضاعف من خطورة الوضع في ظل عجز بعض المنشآت الصحية عن العمل و عدم قدرة الآخر علي إستعاب المزيد و تصاعد مستوي الإنفلات الأمني مع فشل عدة محاولات لتحقيق الهدنة و عجز الملتزمين و الموقعين علي اتفاق جدة لإحتواء الأزمة من خلال وقف إطلاق نار شامل و فتح ممرات إنسانية .
إن إستمرار الأزمة يقع علي كاهل طرفي النزاع و الجهات الخارجية الداعمة لكل طرف .
لذا ينبغي علي هؤلاء الأطراف جميعا تغليب المصلحة العامة علي الخاصة حرصا علي أمن وإستقرار السودان قبل أن يتحول إلي دولة فاشلة لا قدر الله.
بالإضافة إلي ضرورة تحرك المجتمع الدولي بالتنسيق مع الإتحاد الإفريقي ضمن مساعيه الحثيثة لوقف إطلاق النار و الدخول في مفاوضات جادة لدعم وتعزيز مساعي السلام و المحبة بين أبناء الشعب الواحد.
بينما تشكل منطقة المغرب العربي تحديا من نمط آخر له خصوصيته نتيجة إكراهات الموقف الموريتاني الثابت من القضية الصحراوية و نظرا للخلاف العميق بين الجزائر و المغرب من جهة و المعيق لحلحلة قضية الصحراء العالقة منذ أمد بعيد و تباين المواقف اتجاه الجمهورية الصحراوية كامل العضوية في الإتحاد الإفريقي .
هذا بالإضافة إلي الوضع السياسي المتأزم في تونس و حالة اللا استقرار واللا أمن في ليبيا و هشاشة النظام القائم .
تأسيسا لما سبق رغم كل الهواجس و التحديات يظل من الجائز إبقاء الأمل قائما و المراهنة علي نهوض مستقبلي لإفريقيا علي ضوء عوائد انتاج نفط و غاز مرتقبة و احتياطات كبيرة من الطاقة الأحفورية و استغلال مشاريعها في مجال الطاقة المتجددة الآخذة في التوسع مما قد يعزز مسار التنمية الإقتصادية و يوفر مصادر العيش للملايين بالإضافة إلي انعكاساته الإيجابية علي قطاعات الصحة و التعليم و ضخ المياه و تحليتها و الأغذية الزراعية.
كما يري بعض المراقبين للمشهد السياسي الإفريقي ان القناعة الراسخة و الوعي السياسي الحاصل إفريقيا و الرافض ديمقراطيا لعهدة أو ولاية ثالثة للرؤساء علي مستوي القارة هو مؤشر جيد لمستوي النضج الحاصل نحو إشاعة ثقافة التناوب الديمقراطي السلمي و احترام المضامين الدستورية.
هذه أمور من بين أخري ستجعل المواطن الافريقي البسيط يحتار من أمره في هكذا ظروف غير مستقرة ولا آمنة بين الإنصياع و الإنخراط في دوامة العنف والعنف المضاد أو الاستكانة لظروف معيشية ضنكة وصعبة لا تحتمل الإنتظار الطويل أو التفكير مليا في رحلة موسم هجرة خارج الديار الإفريقية أعد لها الإتحاد الأوروبي ما أوتي من قوة و مكر لمجابهتها و وضع حدلها في تخوم الأراضي الإفريقية .
أوتغيير وجهة تتطلب هذه المرة عبور المحيط الأطلسي و ركوب المخاطر و القفز فوق جدار عازل بين دولة المكسيك و الولايات المتحدة الآمريكية سعيا وبحثا عن غد أفضل و حياة كريمة قد لا تكون أكثر مما تتخيل.
حفظ الله إفريقيا من كل سوء و فتن .